تعبنا من عد السنوات العجاف.. وأرهقتنا عادة كسر "القلة" وراء كل سنة تولي الأدبار ونتصور أنها الاسوأ وانه لا يمكن ان يكون ما هو اسود منها ونعلق كل آمالنا علي العام التالي.. ثم نكتشف مع مرور الايام ان تمنياتنا وتصوراتنا لم تكن في محلها، وأن هناك أياما أسود من قرون الخروب مازالت قادرة علي أن تفرض نفسها علينا وعلي جدول أعمالنا. ومع أن المفروض ان يتعلم المرء من تجاربه وألا يكرر اخطاءه فانني قررت ان استمر في التفاؤل بالعام الجديد رغم أنف السنوات العجاف السابقة ورغم الملابسات غير السارة لولادة الحكومة الثانية للدكتور أحمد نظيف. وقررت -كذلك- ألا أستسلم للتشاؤم والعدمية، وألا أغلق باب الأمل ولا صندوق التمنيات. وتمنياتي لعام 2006 كثيرة.. الأمنية الأولي أن يكون هذا العام الوليد هو عام بدء تحقيق أحلام الإصلاح الذي تحدثنا عنه كثيرًا وتجادلنا حول بنوده بشراسة لكننا لم نضعه -بعد- موضع التنفيذ. والنزر اليسير الذي نفذناه منه جاء أشبه بالولادة القيصرية المتعثرة، كما جاء الجنين مصابًا بتشوهات عديدة لا حصر لها. لذلك.. أرجو أن نكون قد استوعبنا رسالة نتائج انتخابات برلمان ،2005 سواء من حيث استمرار الأغلبية الساحقة من المصريين في الإحجام والعزوف عن المشاركة السياسية لأسباب كثيرة، أهمها إحساسهم بعدم جدوي هذه المشاركة، وأيضًا إحساسهم بأن أحدًا من اللاعبين الرئيسيين في الحلبة يستحق ثقتهم. وسواء من حيث اتجاهات تصويت الأقلية التي شاركت، وهي اتجاهات لا تبشر بخير ولا تعبر تعبيرًا صادقا عن المجتمع المصري الذي كنا نعرفه وإذا كانت تعبر عن شيء فإنما تعبر بدرجة أو أخري عن الاحتجاج والسخط والغضب، حيث كان التصويت تصويتا انتقاميًا بشكل أو بآخر. هذا التصويت الانتقامي جاء بدوره نتيجة سنوات وعقود من اغتيال السياسة وتأميمها واحتكارها. وكانت النتيجة الطبيعية لهذه العقود المتصلة -منذ عام 1952- من وضع السياسة في ثلاجة الحزب الواحد والتعددية المقيدة بألف قيد وقيد، خلق حالة من الفراغ ولأن الطبيعة تكره الفراغ فان من استطاع سده كان واحدا من اثنين: إما المال أو الدين. ولهذا كانت "البطولة" في انتخابات برلمان 2005 للشعارات الدينية من جانب وللمتاجرة بالأصوات بيعا وشراء والاستخدام الواسع النطاق للرشاوي الانتخابية التي يصاحبها قدر فادح من البلطجة والعنف. وأفرزت هذه التجاوزات والخروقات برلمانا يضع المجتمع بين مطرقة الحزب الوطني وسندان الإخوان المسلمين بينما المعارضة العلمانية تم سحقها بعنف وفظاظة ولم تستطع -لأسباب كثيرة من بينها ضعفها الذاتي وجمودها وتكلسها وعزلتها عن الجماهير- أن تصمد في النزال غير المتكافئ بين المطرقة والسندان. فإذا كنا قد قرأنا الرسالة التي تقولها لنا هذه النتائج فإن هذا يجعلنا نتمني لعام 2006 أن يكون عام الإصلاح السياسي والدستوري لأن أهم عنصر في هذه الرسالة التي نتحدث عنها هو أن هذه النتيجة الشائهة هي نتيجة التلكؤ في الإصلاح وليس نتيجة البدء فيه. أتمني إصلاحا سياسيًا ودستوريًا يبدأ بإعادة صياغة العلاقة بين السلطات الثلاث بما يخلق توازنًا نفتقده حاليًا، حيث السلطة التشريعية تعاني من السلطة التنفيذية، وحيث السلطة القضائية لاتزال تدق الأبواب طلبًا لقانون يكرس استقلاليتها، وحيث صلاحيات رئيس الجمهورية -بكلمات الرئيس حسني مبارك نفسه في برنامجه الانتخابي- تحتاج إلي نقل جزء منها إلي الحكومة. بل إن تعديل المادة 76 من الدستور يحتاج هو ذاته إلي تعديل جديد يزيل الشروط التعجيزية الموضوعة علي حق الترشيح لمنصب الرئاسة ويفتح الباب أمام تعديلات لبنود أخري من الدستور من بينها تحديد فترات ولاية الرئيس بولايتين فقط لا تزيد مدة كل منهما علي أربع سنوات. اتمني أن يكون عام 2006 عام بناء مؤسسات الحرية، فالبيروقراطية لا يمكن اختزالها في الانتخابات وصناديق الاقتراع، وإنما يجب صيانة هذه الانتخابات بمؤسسات تعمق الحرية في جميع المجالات. اتمني أن يكون عام 2006 عام بناء الثقة بين الأطياف السياسية والفكرية للجماعة الوطنية، وأن نضع كل مخاوفنا المتبادلة علي مائدة الحوار الوطني دون انتقائية أو وصاية أو ادعاء أحد احتكار الحقيقة أو الحكمة وأن يشارك الجميع في هذا الحوار الوطني دون خيار أو فاقوس، أي دون تمييز بين تيار وآخر تحت أي دعوي أو مبرر. اتمني أن يكون عام 2006 عام الأمل للفقراء الذين سحقهم البؤس والبطالة وضيق ذات اليد وغول الأسعار الذي لا يرحم، وأن تكون مساعدة الفقراء ليست "بالاحسان" وإنما بالإصلاح الاقتصادي الذي لا نبحث عن شهادة له من مؤسسات بريتون وودز أو واشنطن أو غيرها من العواصمالغربية، بل ننال شهادته من أهلنا إذا شعروا بثماره في حياتهم اليومية، وبداية طريق الإصلاح الاقتصادي هي ضمان الشفافية ومحاربة الفساد وتعزيز مناخ الاستثمار بالأفعال وليس بالأقوال والشعارات. تمني أن يكون عام 2006 عام إعادة الروح إلي فكرة العروبة، علي الأقل قل في حدها الأدني، الذي يوفر قدرًا من التضامن والمصحلة المشتركة حتي لا نكون كالأيتام علي مائدة اللئام، وحتي لا تنفرد بنا المخططات الامبراطورية الأمريكية والإسرائيلية الواحد تلو الآخر. وعلي المستوي الشخصي.. اتمني أشياء كثيرة.. لكني سأكون راضيا إذا اقتصرت علي الصحة والستر.. والحب. دعونا نحلم.. ونأمل.. ونتمني وكل عام وأنتم بخير. [email protected]