من: تورونتو. كندا صدام حسين يمر من هنا بموكبه الرهيب قادما من الجنوب.. سيارته المكشوفة تشق الشارع الرئيسي لمدينة الدجيل بضع عشرة كيلو مترات شمال بغداد. اغلب اهل المدينة - 75 الفا - يحتشدون لتحية الموكب.. النساء يتزاحمن حول يده الممدودة بالتحية يحاولن تقبيلها.. لكن مجموعة من شباب إحدي الحركات الشيعية يشقون الجمع بفوهات بنادق الكلاشينكوف السريعة الطلقات ويستهدفون سيارة صدام وحاشيته بوابل منها.. صدام نجا دون جرح او حتي خدش.. قالوا: إنها اقرب محاولة اغتيال كادت تنجح بالفعل في قتله.! ... لجنة تحقيق سريعة نصبت المشانق.. علقت فيها رقاب 143 رجلا وصبيا. اهل الدجيل مازالوا يذكرون "الكارثة" رغم انقضاء 23 عاما علي وقوعها.. بعضهم كان حاضراً في قاعة المحكمة يطلب القصاص في اولي جلسات محاكمة صدام واعوانه، الاربعاء 19 اكتوبر.. وكانت كارثة الدجيل القضية الاولي في "رول" قضاياه المزدحم بجنايات جرائم الحرب والقتل والتعذيب.. وكلها قضايا معاقب عليها - ان ثبتت - بالإعدام.. لكن عبء الاثبات مشكلة.. يقول رئيس المحكمة القاضي رزكار محمد امين: "إن الشهود مازالوا خائفين من الظهور علانية"..! لم يعترف صدام ورفاقه ال 7 بشرعية المحكمة.. ولم يعترفوا كذلك بهوية انفسهم امامها.. ومثل هذا "الافكار" جزء اساسي من استراتيجية سياسة الدفاع.! تم تأجيل نظر القضية رقم واحد.. ونشر حزب البعث فور انتهاء الجلسة بيانا علي موقعه بشبكة الانترنت يستنفر انصارالحزب: "حيوا القائد عند كل ظهور علني في المحكمة.. حيوه بطلقات القتل، وقذائف الموت، تنطلق لاهدافها المشروعة، وتنال من جند المحتل ومعداته وآلياته وقواعده.. والنصرللحق".! ماذا لو حكمت المحكمة علي صدام بالإعدام.. في القضية رقم واحد؟ .. طبقا لقانون الاجراءات الجنائية الخاص بهذه المحاكمات، فانه يكون من حقه استنئاف الحكم امام محكمة استنئاف من 9 قضاة وفي حالة تأييد الحكم واستنفاد وسائل الطعن يتم تنفيذ حكم الإعدام خلال 30 يوما.. وتبقي بقية قضاياه - حوالي 12 قضية - دون نظر.! ويبدو ان هذا هو المخطط المرسوم لمصير صدام.. : التبكير بإنهائه، قبل استفحال اصداء محاكمته وتطاير شررها.! انه محاكمة العدالة السريعة مثل "الوجبات السريعة"في المطعم الامريكي.! لاحظ معي ان كل قضاة صدام حسين تم تدريبهم علي ايدي خبراء اجانب استاجرتهم وزارة العدل الامريكية، كي يلموا باحكام قانون جرائم الحرب الدولي.. كذلك استأجرت وزارة العدل الامريكية مترجمين قاموا بترجمة اجزاء من محاكمات نورمبرج ورواندا ويوجوسلافيا.. إلي العربية.! قام بوضع النظام الاساسي لمحاكمات صدام ورجال عهده، القانوني المصري شريف بسيوني استاذ القانون بجامعة دي بول.. وهو مصري.! اسمعه يقول: "من المهم ان تكون كل قضايا العدالة التي تحكم نزاعات الصراع - بعد انتهاء الصراع - مملوكة للشعب الذي عاني الصراع".! وهو - رأيي - شرط لا يتوافر بدقة في نظام محاكمة صدام.! علي ان عقدة الدهشة في العقل العربي تتبلور في ان صدام كان وحده "المتهم الرئيسي" في قفص الاتهام.. بينما كان خليقا ان يشاركه القضبان كل من جورج بوش وتوني بلير.. شن الاثنان حربا جائرة علي العراق، راح ضحيتها اكثر من 120 الف قتيل عراقي.. وصدام لم يقتل من شعبه مثل هذا الرقم المهول.. ورغم طغيانه وكل قساواته، كان حاكما شرعيا، ولم يكن محتلا غاصبا لوطن حر مستقل!! إنه "وصفة للفوضي"! الدستور العراقي الملفق المعيب، يغرق العراق في خضم الخطر والضياع، بكل شعبه وحكومته المؤقتة وقوات احتلاله.. الجميع علي ابواب حرب اهلية لا مهرب منها ولا ملاذ.! تاليا سوف اقرأ معك بتأن بعض احكام "الدستور القنبلة" الذي وضع مسودته السوداء استاذ يهودي للقانون العام بجامعة نيويورك.. بعدها استأنف إضاءة البحث عن مخرج امريكي من العراق "ANEXIT STRTEGY"، قبل ان يصبح الخروج منه حبيس ساحة "المنطقة الخضراء"ببغداد.. ويتكرر المشهد المزري لخروج امريكا من فيتنام، من فوق سطح سفارتها في سايجون.! زالماي خليل زاد، السفير الامريكي الجديد في بغداد، جاء إلي عاصمة الرشيد يحمل سفرين ثقيلين.. أولهما: دفع العملية السياسية الامريكية الوهمية في العراق إلي الامام.. وثانيها: تسريع تدريب اكبر عدد من قوات الامن العراقي، لتحمي ببدنها الاحتلال الامريكي من المخاطر!.. لكن البادي أن مهمة السفير تتعثر وتتشعب.. بينما تأخذه جلسات "المكلمة" مع الزعامات العراقية المختلفة من الصباح للصباح!