منذ سنوات ونحن نطالب بما يسمي أدب الحوار، وذلك لما لمسناه من تدن في لغة الحوار يصل إلي حد الشتائم والسباب واستخدام ألفاظ بذيئة علي لسان المتجاورين مثلهم مثل أي أمي أو جاهل يميل إلي استخدام لغة البذاءة لأنه لا يعلم غيرها، وقد قلنا ونبهنا أن استخدام أحد كبار صحفيينا للغة التشهير والاتهامات الزائفة ولي الذراع والابتزاز لن تسفر إلا عما نعاني منه اليوم، فقد شب الصغار ولم يعودوا حتي في حاجة للتقليد بل أصبحوا يفوقون أساتذتهم. وليس تدني لغة الحوار وليد اليوم وإنما هو قديم قدم كل من استخدموه ضد خصومهم وضد كل من تصوروا بأن السلطة قد انقلبت عليهم حتي أنهم صاروا يهاجمون اليوم ما كانوا يمجدونه بالأمس. والواضح أن مصر اليوم تعيش حالة من حالات التنفيس عن رغبات مكبوتة من سنوات القمع الفكري والسياسي وهي ظاهرة صحية لا يجب أن نعاديها حتي لو كان الصحفيون الشبان في حالة فوضي في الأداء وتدن في استخدام أسلوب النقد البذيء المصحوب بالشتائم، فهذا ما تعلموه من أساتذتهم الذين فسروا لهم وتعلموا منهم كيف يكون الهجوم علي من يعارضونهم أو يعارضون من يساندهم. فلم يتعلم جيل الشباب من أساتذته قيمة الكلمة وحدود استخدام السلطة المعطاة للصحفي من خلال مساحة في جريدة أو مجلة أو أي منشور صحفي.. قرأ هؤلاء الشباب لأساتذتهم مقالات أقل ما يقال عنها أنها بذيئة، ما بين اتهام وتجريح وتشويه للخصوم أي أن ما يحدث في مصر الآن هو نتاج طبيعي لسنوات طوال من القدوة السيئة وغياب القانون فلماذا يغضب الأساتذة اليوم من هجوم الأشبال عليهم؟ ألم يعلموهم ما يكتبونه اليوم؟! يقول المثل الشعبي من شب علي شئ شاب عليه وقد شب شباب الصحفيين علي هذه القيم الهدامة وعلي استباحة التعريض بالآخرين وسيطرة الاعلان علي أي قيمة مهما كانت وعلي الدمج بين الاعلام السلطوي والاعلام الرسمي للدولة وبين الاعلام الحر، ألم نعلم هذه الأجيال أن بقاء الكبار القدماء هو القيمة واننا لا نحترم تتابع الأجيال؟ ألم نعلمهم أن بقاء الحال علي ما هو عليه هو الحكمة والأمان والازدهار وأن التغيير هو ضرب من الجموح الذي يأتي بالخراب! لماذا يغضب المحافظون القدماء من تدني أسلوب الحوار في الصحف الشابة وتدني الصحفيين الشبان.. ألم نعلمهم أن الصحافة درجات وأن من يعمل في مؤسسة كذا هو المهم وهو المسموع ومن يعمل في مؤسسة كذا أقل ولا يجوز أن يكون منا فنحن أسياد الصحافة! ألم نعلمهم أن المحسوبية والنفاق هما الأساس وليس العلم والقيم. نعم إن اللغة في الصحافة الحرة اليوم هي لغة البذاءة الآن من كانوا القدوة استخدموا هذه اللغة التي استشرت في بعض المنابر الصحفية مثل الداء العضال، وهذا الداء لا تعاني منه الصحافة فحسب وانما أجهزة الاعلام عموما. إن استسهال اتهام الغير والتعريض بحياتهم الشخصية والحط من شأنهم جاء من كبار صحفيينا، فلماذا نلوم الأولاد علي ما يفعلوه وهم لم يفعلوا سوي ما تعلموه من أساتذتهم. إن لغة تصفية الحسابات والانتقام والابتزاز التي طالت الكبار اليوم هي في الواقع من فعل أيديهم، وكم صرخ الأساتذة صلاح الدين حافظ وجمال بدوي وقبلهما أستاذنا الكبير أحمد بهاء الدين رحمة الله عليه بضرورة مواجهة تدني وانحطاط لغة الحوار. ان الازمة الحقيقية في مصر هي أزمة أخلاق، وهو ما يضع مسئولية هذا المنزلق علي عاتق نقابة الصحفيين التي يجب أن تراعي التزام الصحفيين جميعا بمواثيق الشرف الصحفي وتقاليد المهنة وأن يطبق هذا علي الكبار قبل الصغار.. وعندئذ فقط يمكن أن نلوم من يعتدي علي ميثاق شرفنا جميعا.