«احتلوا الإيباك» شعار جديد لحركة الاحتجاج عندما ظهر في الاونة الاخيرة شعار "احتلوا الايباك" ضمن حملة "احتلوا وول ستريت" لم تكن هناك اي صعوبة في ادراك ان اليسار الأمريكي يصعّد نضاله السياسي والجماهيري ضد هيمنة اسرائيل علي السياسات الرسمية الأمريكية من خلال مواجهته لحقيقة التحالف بين اللوبي الصهيوني المؤيد لاسرائيل علي طول الخط والنخبة الأمريكية المؤلفة من واحد بالمائة من اغني اغنياء أمريكا. ليس في هذا التطور تحول جديد في مواقف اليسار الأمريكي انما هو تصعيد في اساليب المقاومة ضد هيمنة اسرائيل علي السياسة الخارجية الأمريكية وبصفة خاصة الموقف الرسمي الأمريكي من قضية تحرير فلسطين. ذلك ان اليسار الأمريكي استطاع منذ سنوات طويلة - في الاغلب منذ بدايات عقد الثمانينات من القرن الماضي - ان يتخلص من سيطرة اللوبي الصهيوني عليه تنظيميا وجماهيريا وبالتالي اعلاميا. ففي ذلك الوقت بدأ ادراك اليسار الأمريكي لحقيقة ان اسرائيل ابعد ما تكون عن قوة تحررية في العالم، وبالتالي ان دفاع أمريكا عنها هو خيانة لقضايا التحرر في العالم وفي المقدمة منها قضية تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال العسكري الاسرائيلي. تخلص اليسار الأمريكي من مسلماته القديمة القائلة بان اسرائيل دولة محاطة باخطار عربية قاتلة وانها قوة تحررية في مواجهة النظم الدكتاتورية العربية. وتخلص في الوقت نفسه من المسلمة التي صورت له منذ تأسيس دولة اسرائيل في اواخر اربعينيات القرن الماضي ان الدولة الصهيونية قاعدة للتحرر والعدالة الاجتماعية. تنبه اليسار الأمريكي ومفكروه ومؤيدوه واعلامه الي حقيقة ان اسرائيل قاعدة مسلحة للدولة الأمريكية الرأسمالية التي تهيمن بالقوة او بالاساليب الناعمة علي المنطقة العربية، وتدعم بشكل خاص الدول التي تهادن اسرائيل في العلن - مثل مصر والاردن والمغرب - او في السر مثل السعودية ودويلات الخليج النفطية. اللوبي الصهيوني والان جاء دور معركة اليسار ضد هيمنة اللوبي الصهيوني علي السياسة الأمريكية وسيطرته من خلال اثرياء اليهود الذين يشكلون نسبة كبيرة من مجتمع رجال الاعمال صاحب السيطرة علي المجتمع الأمريكي من خلال سيطرته علي "وول ستريت" حي المال والاعمال في نيويورك. لهذا فان الوقت قد حان لكي ندرك - نحن العرب اصحاب المصلحة الحقيقية في تخليص الدولة الأمريكية من هيمنة اللوبي الاسرائيلي - ان هذه ليست مهمة مستحيلة ما دام اليسار الأمريكي قد استطاع وهو في قلب هذا الصراع ضد الرأسمالية الأمريكية ان يحققها. ان اليسار الأمريكي قد وصل الي حد الاعلان الصريح بان "معركة العدالة في الشرق الاوسط هي معركتنا. هي جزء من المعركة الواسعة العالمية ضد الواحد بالمائة. انها معركة بشان ان نعيش وليست بشان ان نموت. انها جزء من المعركة الكبري ضد القوي المؤسساتية قوي الموت التي تتحكم فينا - صناعة الوقود الحفري، وصناع الاسلحة ودولة الامن والمراقبة ومضاربي وول ستريت والنخبة الاوليغاركية (ممثلي الاقلية) الذين يهاجمون فقراءنا ورجالنا ونساءنا العاملين واطفالنا، الذين يعتمد واحد في كل اربعة منهم علي طوابع الطعام لكي ياكلوا، النخبة التي تدمر نظامنا البيئي باشجاره وهوائه ومياهه والتي تلقي في بحر الشك بقاءنا علي قيد الحياة كنوع بشري". (المعلق اليساري الأمريكي كريس هيدجزمتحدثا في العاصمة الأمريكيةواشنطن امام مظاهرة الاحتجاج تحت شعار "احتلوا الايباك" التي نظمتها عدة منظمات أمريكية مناصرة للسلام. وقد سبق لهيدجز ان اقام في الشرق الاوسط سبع سنوات. رئيسا لمكتب صحيفة نيويورك تايمز وقد عاش لسنتين في القدسالمحتلة.) وقد اكد هيدجز ان لجنة الايباك (لجنة الشئون العامة الاسرائيلية الأمريكية، اكبر منظمات اللوبي الصهيوني في أمريكا) "لا تتحدث باسم اليهود او باسم اسرائيل. انها لسان الايديولوجيين من الجناح اليميني الذين يقبض بعضهم علي السلطة في اسرائيل ويقبض بعضهم الاخر علي السلطة في واشنطن. هؤلاء الذين يعتقدون انهم لكونهم يمتلكون القدرة علي شن الحرب يملكون الحق في شنها والذين لا ينتمي ولاؤهم لمواطني اسرائيل او فلسطين او الولاياتالمتحدة. انما لنخبة المؤسسات ومقاولي الصفقات الدفاعية الذين يجعلون من الحرب عملا تجاريا (بيزينيس) والذين حولوا المواطنين العاديين من الفلسطينيين والاسرائيليين والأمريكيين جنبا الي جنب مع مئات الملايين من فقراء العالم الي سلع تستغل وتقمع وتوضع تحت السيطرة". اخضاع المسلمين واضاف هيدجز في حديثه في المظاهرة نفسها :"اننا لن نجلب الحرية والديمقراطية والفضائل من الحضارة الغربية الي العالم المسلم. انما جلبنا ارهاب الدولة والدمار الشامل والحرب والموت .... لقد استخدمنا القبضة الحديدية للعسكرية الأمريكية لكي نثبت شركاتنا البترولية في العراق، ولكي نحتل افغانستان ولكي نؤمّن ان يبقي العالم المسلم خاضعا ومستسلما. لقد ايدنا حكومة في اسرائيل تنفذ حروبا عدوانية في لبنان وغزة وتسرق يوميا اجزاء اكبر واكبر من الارض الفلسطينية. انشانا شبكة من القواعد العسكرية، بعضها بحجم مدن صغيرة في كل من العراق وافغانستان والسعودية وتركيا والكويت وضمنا لأنفسنا حقوق اقامة القواعد في دول الخليج الاخري البحرين وقطر وعمان والامارات العربية المتحدة. ووسعنا عملياتنا العسكرية نحو اوزبكستان وباكستان وقرغيزستان وطاجيكستان ومصر والجزائر واليمن. ولا احد يعتقد ربما عدانا نحن - اننا ننوي ان نغادر". لعل هذه المقتطفات من حديث الصحفي الأمريكي اليساري تكفي للبرهنة علي ان المعركة التي يخوضها اليسار في أمريكا لا تنفصل باي حال عن معركة الشعوب العربية ضد الهيمنة الأمريكية وضد سياسات الدفاع عن اسرائيل واطماعها في الارض الفلسطينية وفي الهيمنة علي سياسات الدول العربية. مع الجمهوريين انتهي تماما عهد سيطرة اسرائيل علي اليسار الأمريكي. ويستطيع كل متابع لمعركة الرئاسة الأمريكية الدائرة الان ان يلاحظ ان اللوبي الصهيوني يميل بوضوح الي العمل لصالح فوز مرشح جمهوري بالرئاسة الأمريكية عندما يحين يوم التصويت وهو الثلاثاء الاول من شهر نوفمبر القادم. ولا يعني هذا ان اللوبي الصهيوني قد تخلي تماما عن باراك اوباما مرشح الحزب الديمقراطي لفترة رئاسة ثانية. بل ان اوباما نفسه لا يزال يتمسك بموقع "اكثر الرؤساء الأمريكيين التزاما بالدفاع عن مصالح اسرائيل" لانه لا يستطيع في اثناء الحملة الانتخابية ان يهجر اللوبي الاسرائيلي. انه يستطيع فقط ان يمارس الضغط علي الحكام العرب وان يأخذ منهم كل الضمانات اللازمة لطمأنة اسرائيل. مع ذلك فان الكتاب الاسرائيليين يبدون ميلا الي الاعتقاد بان ثمة تغييرا في المناخ العام الانتخابي وانه "ينبغي الا يتعامل القادة الاسرائيليون مع مسالة تأييد الجمهوريين لهم باعتبارها امرا مفروغا منه. اذ تدل الحملة الانتخابية لسنة 2012 علي تبدل في مواقف المحافظين في الولاياتالمتحدة في مجال السياسة". (عوديد عيران وايفان اولترمان - باحثان في معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نشر في جريدة "الشروق"). واهم ما نستطيع استنتاجه في الوقت الحاضر انه بينما استطاع اليسار الأمريكي ان يحسم موقفه من اسرائيل ونفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا فان اليمين الأمريكي (المحافظين) لا يزال في حالة تردد ازاء هذه القضية. التعامل مع اليسار انما الاهم ان هذا الاستنتاج بوجهيه يدل علي ان افول نفوذ اللوبي الصهيوني وبالتالي سيطرة اسرائيل علي توجهات السياسة الأمريكية ليس امرا لاي كان توقعه، ليس مستحيلا وربما لا يكون صعبا. ولهذا شرط اساسي هو ان يعرف الرأي العام العربي - اي تعرف الشعوب العربية من صديقها في أمريكا ومن عدوها. فالمسالة لا تقتصر علي موقف الادارة والرئيس الأمريكي اذا كنا نسعي ونناضل من اجل مستقبل مختلف نقف فيه في صف التحرر وفي صف الخمسة والتسعين بالمئة وفي صف النضال ضد "وول ستريت" وضد مؤسسات الواحد بالمائة لكي نكون مع المناهضين لاسرائيل.