الخيار العربي الأوحد: إما إيران وإما إسرائيل يمكن القول دون خشية الوقوع في الخطأ او المبالغة ان العالم اليوم - بدوله ومنظماته وشعوبه وحتي افراده - ينقسم الي جبهتين: جبهة الحرب وجبهة السلام. جبهة الحرب لا تكف عن التحريض ضد ايران وهذه تضم حكومات اسرائيل واوروبا، وهي ذاتها حكومات حلف الاطلسي. واما حكومات اسيا وافريقيا فانها تجد نفسها في هذه الجبهة مرغمة تحت وطآة الخشية من اغضاب الولاياتالمتحدة واقصر الطرق الي ذلك هو اغضاب اسرائيل. جبهة السلام تقف بصلابة استراتيجية وسياسية في صف معارضة اسرائيل في نوايا ودعوات الحرب علي ايران. وقد اوضحت روسيا والصين موقفهما الي ابعد الحدود بمواقفهما في مجلس الامن سواء فيما يتعلق بايران او فيما يتعلق بسوريا. كذلك فان الغالبية العظمي من حكومات أمريكا اللاتينية اوضحت بما لا يقبل الشك انها تنحاز لمعسكر السلام. وينبغي التنبه - ونحن نرصد جبهة السلام - ان شعوب العالم ممثلة في التنظيمات السياسية غير الحاكمة وممثلة ايضا في مظاهرات الشارع في عواصم ومدن اوروبا وأمريكا واسيا وافريقيا انحازت كما هي العادة تاريخيا وعلي مدي العصور الي جبهة السلام. اين تقف الولاياتالمتحدة من كل من الجبهتين وهي المدعوة من اسرائيل الي الانخراط في جبهة الحرب بلا تردد او انتظار؟ أمريكا وإسرائيل هذا سؤال محير لانه لاتوجد له اجابة صريحة قاطعة. حتي المصادر الاخبارية الأمريكية التي اعتادت ان تنحاز للحقيقة تبدو حائرة. منها ما يؤكد ان الولاياتالمتحدة دخلت في خلاف مع اسرائيل حول نية شن الحرب علي ايران. ومنها ما يؤكد ان الضغط الاسرائيلي علي أمريكا وهي في عز حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية يجعل أمريكا تظهر من علامات التأييد لاسرائيل ضد ايران ما يوحي بان أمريكا لا تملك ارادة سياسية تقف بها في صف جبهة السلام. وتتعدد التفسيرات بشان الموقف الأمريكي بين الجبهتين. فهناك من يفسر الموقف الأمريكي بانه غير واضح عن قصد وانه جزء من الاستراتيجية الأمريكية- الاسرائيلية التي ترمي الي مفاجأة ايران بعمل حربي مشترك. وهناك من يفسر الموقف الأمريكي بانه نتيجة حتمية لما توصلت اليه المؤسسة العسكرية الأمريكية من ان محاولة كسر ارادة ايران ستسفر عن كارثة عسكرية علي الاقل لمن يشن هذا الهجوم سواء كان هجوما مشتركا أمريكيا - اسرائيليا او كان هجوما اسرائيليا منفردا. وخلال هذه التفسيرات المتباينة يبدو ان احتمال شن هجوم أمريكي منفرد اصبح غير وارد او غير متوقع بسبب قناعة القادة العسكريين الأمريكيين بان مثل هذا العمل سيورط أمريكا في هزيمة لا تستطيع اخفاء ملامحها وخسائر استراتيجية واقتصادية لم تعرفها من قبل. حماية لإسرائيل ولعل هذا الوضع المعقد هو الذي يشرح ظهور الادارة الأمريكية باكثر من وجه في مؤتمر لجنة الشئون العامة الاسرائيلية الأمريكية (المعروفة باختصارها بالايباك) التي عقدت في واشنطن مؤخرا. الوجه الذي تبدو به عادة وقت انعقاد هذه المنظمة الاقوي بين منظمات اللوبي الصهيوني، وهو وجه التحالف الكامل والمتين والذي لا يوازيه اي تحالف آخر بين الولاياتالمتحدة واسرائيل. والوجه الاخر الذي اراد الرئيس الأمريكي اوباما ان يظهره في اجتماعه في واشنطن بهذه المناسبة مع حليفه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو. في هذا الوجه بدت ملامح التأييد لاسرائيل الذي لا يوازيه اي تأييد أمريكي آخر، وبدت في الوقت نفسه محاولة اوباما التأكيد بان حرص أمريكا علي امن اسرائيل هو سبب ما يشاع عن خلاف بين أمريكا واسرائيل بشان شن الحرب علي ايران. ان أمريكا انما تنصح إسرائيل بالامتناع عن شن هجوم عسكري علي ايران لانها تخشي من عواقب ذلك علي اسرائيل. وحتي الانباء التي ترددت اثناء زيارة نيتانياهو لواشنطن عن صفقة تمت بينه وبين اوباما لتأجيل مهاجمة ايران، وهي الانباء التي تحدثت عن موافقة تل ابيب علي الامتناع عن مهاجمة ايران قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية مقابل الحصول علي طائرات وقنابل أمريكية متطورة، اعتبرت من قبيل التمويه المزدوج علي ايران بهدف مفاجأتها بهجوم تكون قد توقعت صرف اسرائيل النظر عنه. والعرب أيضا مع ذلك فان في بلدان الوطن العربي حكومات اختارت ان تكون في الوضع نفسه الذي اختارته منظمات اللوبي الصهيوني في أمريكا. اختارت ان تؤيد قيام اسرائيل بشن هجوم عسكري علي ايران. وهي في هذا لا تأخذ بعين الاعتبار سياسة ايران المناهضة لاسرائيل، وتتذرع بان ايران تشكل خطرا استراتيجيا- خاصة اذا كانت اتهامات الغرب واسرائيل لها صحيحة بانها تبني قوة عسكرية نووية- علي الدول العربية القريبة منها، اي دول منطقة الخليج. كما تتذرع بان ايران تمارس عملية ترمي من خلالها الي نشر المذهب الشيعي في البلدان الاسلامية. التي يغلب علي سكانها المذهب السني. وقد قاد هذا الموقف حكومات الدول العربية المؤيدة لجبهة الحرب علي ايران الي اتخاذ موقف من احداث سوريا لا يختلف في كثير او قليل عن موقف اسرائيل ومنظمات اللوبي الصهيوني، موقف الدعوة الي تسليح المعارضة السورية ضد النظام السوري الذي تؤيده ايران. ومن الواضح ان ايا من الحكومات العربية التي تتبني موقف جبهة الحرب ضد ايران ليست مستعدة علي الاطلاق لان تسأل نفسها؟ لماذا تلتقي مواقفها هذه مع مواقف اسرائيل وانصار اسرائيل؟ ان الولاياتالمتحدة تحاول - مجرد تحاول- ان تمارس قدرا من الاستقلالية عن موقف حكومة اسرائيل الرسمي من ايران. اما الحكومات العربية فانها لا تدع لنفسها مجرد حرية التساؤل عن ما يجمع بينها وبين اسرائيل في موقف واحد مناهض لايران. هل يعني هذا ان ايران تشكل خطرا علي هذه الدول العربية يفوق خطر اسرائيل؟ ام انه يعني ان مواقف التمهيد لاعترافات رسمية عربية باسرائيل تبدأ من مناهضة ايران اقترابا من سياسات اسرائيل؟ أمريكيون ضد الصهيونية اخطر من هذا كله ان حكومات الدول العربية تتخذ موقفا مؤيدا لما تريده اسرائيل بايران في الوقت الذي اصبحنا نري المظاهرات الجماهيرية في مدن أمريكا ترفع الشعارات ضد اسرائيل وضد اللوبي الصهيوني وتدعو الي احتلال منظمة "الايباك" الصهيونية ضمن حركة "احتلوا وول ستريت" التي انتشرت في المدن الأمريكية اعلانا للثورة علي الهيمنة الوحشية التي تمارسها طبقة رجال الاعمال التي لا تتجاوز نسبة الواحد بالمائة من مجموع الشعب الأمريكي علي باقي طبقات الشعب التي تمثل مجتمعة نسبة ال99 بالمائة الباقية. ان هذه الظواهر الجديدة في الحياة السياسية الأمريكية تقدم ادلة علي ان الشعب الأمريكي يريد التخلص من هيمنة النفوذ الصهيوني علي نظامه واداراته المتعاقبة - جمهورية وديمقراطية- من خلال ادراكه لحقائق تحالف اللوبي الصهيوني مع نسبة الواحد بالمائة من رجال الاعمال المفرطين في الثراء ضد جموع الشعب الأمريكي التي تعتمد علي قوة عملها والتي تمثل الغالبية الساحقة التي تعبر عنها نسبة ال99 بالمائة. وتنبيء هذه الظواهرالسياسية في الحياة الأمريكية بان مقاومة الشعب الأمريكي في نضاله الاقتصادي الاجتماعي ضد الهيمنة الرأسمالية لا تنفصل باي حال عن مقاومته ضد الهيمنة الصهيونية علي سياسات أمريكا الخارجية التي تتعلق بالشرق الاوسط بشكل خاص. الصهيونية والرأسمالية وتتأكد في الوقت نفسه حقيقة العلاقة بين هيمنة النفوذ الأمريكي علي بلادنا العربية وسير هذه البلاد في طريق الرضوخ لشروط السلام مع اسرائيل. الم يكن رضوخ نظام مبارك لهيمنة النفوذ الأمريكي والاسرائيلي علي سياسات مصر يتم من خلال سيطرة الرأسمالية المحلية المتحالفة مع النفوذ الأمريكي والاسرائيلي؟ ان حركة التحرر العالمية من هيمنة النظام الذي يرعي مصالح الراسمالية المتوحشة تسير الان باتجاه ادراك العلاقة السياسية بين الراسمالية والصهيونية التي تحتم العمل ضدهما في وقت واحد. لهذا لم يعد ممكنا ان تكون اي دولة في العالم مع اسرائيل في جبهة الحرب ضد ايران وان تكون في الوقت نفسه مع ثورة عربية حقيقية لا تسمح بالانقسام او التقسيم ولا تسمح لنفوذ اسرائيل ان يملي المصلحة الاسرائيلية في المنطقة التي نعيش فيها.