ماذا يراد بنا؟ فجأة يجيء طائر الموت اللعين ليختطف من حديقة الوطن ريحانها وعطرها وجمالها.. فجأة يقولون رحل جلال عامر. الصدمة فوق الاحتمال لأن أمثاله لا يموتون.. أتذكره بصوته الخافت حتي تكاد لا تسمعه عندما يدخل علينا في غرفتنا بالأهالي ويجلس في صمت سارحا يحتسي فنجان القهوة ليدور حوار حول أحوال البلد والشباب. ولا ننسي أن نسأله عن آخر أخبار«الضاني» الذ ي اتخذه رمزا للإنسان المصري البسيط والذي يدرك كل ما يدور حوله ويتكلم في السياسة والاقتصاد والثورة مثل أي سياسي محنك. عرفناه كاتبا ساخرا له اسلوبه المميز والعميق عندما بدأ يكتب في جريدة «التجمع» عام 2006 ثم برز نجمه عندما بدآ يكتب في صحيفة «الأهالي» منذ مارس 2007 ولم يتوقف عن كتابة عموده بها حتي الأسبوع الماضي. ينتمي جلال إلي العظماء الكبار في تاريخ الأدب العربي بأسلوبه المكثف الذي ينم عن ثقافة عالية وادراك عميق وحس شعبي وتواصل مع الناس والأفكار..ساعده في ذلك دراسته للقانون والفلسفة بعد أن أنهي خدمته العسكرية كضابط في القوات المسلحة ولكنه في الأساس كائن مولود ساخرا استطاع أن يترجم أفكاره في سلاسة لا تخلو من عمق وفي عبارات موجزة تكاد تكون كل جملة منها مقالا قائما بذاته. أتذكره متواضعا دائما وعندما طالع زاوية «علي أنغام الوطن» في المرة الأولي اتصل بي يحييني علي ما اعتبره «لقطات ذكية» قائلا بتواضعه: بابك.. يكمل ما اكتبه» ولما كانت هذه مجاملة كبيرة منه كان لابد أن أقول له وبصدق : «أنت صحيفة قائمة بذاتها.. لا تبخس نفسك حقها». عندما اضطرتنا الظروف لتخفيض عدد صفحات «الأهالي» اتصل حزينا وعلي غير عادته تكلم كثيرا لكن روحه الساخرة لم تفارقه فاختار أن يختتم كلامه قائلا: «أنا ح اكلم الضاني يشوف حل والأهالي لازم ترجع 20 صفحة علي الاقل». كان دائما يتابع ما تنشره الزميلات والزملاء ويحرص علي تحية العديد منهم علي اجتهاداتهم وخبطاتهم الصحفية..واقترح منذ اسبوعين أن ننظم له لقاء مع شباب الاهالي وهو اللقاء الذي لم يتم فقد اختار جلال هذه المرة أن يفاجئنا بحالة «جادة» جدا ويقرر الرحيل قبل الأوان. لكننا ابدا لن ننساه لأن أمثال جلال عامر لا يموتون.