«التمثيل التجاري»: 20.6 مليار جنيه إسترليني استثمارات بريطانية في مصر    مصر تعلن قائمة الدول المشاركة في قمة شرم الشيخ للسلام    إنعقاد غرفة عمليات التأمين الطبي لقمة السلام بشرم الشيخ    واشنطن تبحث عن بديل للصين في القارة السمراء    قوات باكستانية تدمر مواقع لطالبان الأفغانية وتسيطر على 19 موقعا حدوديا    رئيس وزراء قطر يلتقى سفير مصر بالدوحة لبحث ترتيبات قمة شرم الشيخ للسلام    بيراميدز يخسر من وي بثلاثية وديا    حيثيات الحكم على المتهمين بالاعتداء على ضابط ب كتر في الحجز: استعرضا القوة وحاولا الهرب    طقس الاثنين 13 أكتوبر 2025: أجواء خريفية معتدلة وشبورة صباحية ورياح تُلطّف الأجواء    رئيس الوزراء يستقبل خالد العناني المدير العام الجديد ل«اليونسكو»    محافظ المنوفية يوجه برفع كفاءة محيط المدارس وتكثيف حملات النظافة    وكيل صحة الدقهلية يبحث خارطة عمل المرحلة المقبلة مع مديري المستشفيات والإدارات الفنية    تقرير.. ليفاندوفسكي يغلق بابه أمام اللعب في الدوريات العربية    جاكبو يقود تشكيل منتخب هولندا ضد فنلندا في تصفيات كأس العالم 2026    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    27 مدينة أسترالية تنتفض تضامنا مع فلسطين: اوقفوا تمويل الإبادة    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تعدى على ابنته.. إحالة أوراق عامل خردة بطوخ إلى مفتي الجمهورية    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    على الصعيد المهنى والعاطفى.. حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأحد 12 أكتوبر    مي فاروق: أغنية «باركوا» علامة في كل الأفراح.. ومشاركة زوجي في ألبوم «تاريخي» صدفة    منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.. إفلاطون بنار بتركيا يتحدى الجفاف    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    انطلاق مهرجان أسوان احتفالا بتعامد الشمس.. فعاليات ثقافية وفنية متنوعة في قصور الثقافة هذا الأسبوع    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    هل هناك زكاة علي المقتنيات والمشغولات المطلية بالذهب والفضة؟.. أمينة الفتوى توضح    وزير الري يشارك في الاحتفال بمرور 50 عامًا على البرنامج الهيدرولوجي الدولي لليونسكو    محمد صبحي يفوز ببرونزية وزن 88 كجم ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    رئيس جامعة كفر الشيخ يشهد بدء أعمال الجلسة العلنية لاختيار الأطباء المقيمين بكلية الطب البشري    رئيس جامعة بنها ووكيل الأزهر يفتتحان ندوة "الإيمان أولا"    قافلة دعوية برعاية «أوقاف مطروح» تجوب مدارس الحمام لتعزيز الانتماء ومحاربة التنمر والتعصب    ما حكم زيارة مقامات الأنبياء والأولياء والصالحين؟ الإفتاء تفسر    بعد قرار الرئيس، هل يختلف نائب الشيوخ المنتخب عن المعين؟    مجانًا.. شاهد أحدث المسلسلات بجودة HD على قناة Star TV التركية 2025 (التردد)    وزير الدفاع يشهد تخريج دفعات جديدة من الكليات العسكرية (صور)    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم سيارة ربع نقل بالرصيف في الدقهلية    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    رام الله: مستوطنون يقتحمون خربة سمرة بالأغوار الشمالية    هانى العتال عن تعيينه فى مجلس الشيوخ: شرف كبير أنال ثقة الرئيس السيسي    محمد صلاح يتفوق على ميسي ورونالدو فى سباق الكرة الذهبية 2026    محافظ الدقهلية يتفقد شوارع حي شرق المنصورة وقرار عاجل بشأن النظافة والإشغالات    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    الرئيس السيسى يتابع مع شركة أباتشى الموقف الاستكشافى للمناطق الجديدة    أسعار طبق البيض اليوم 12-10-2025 في قنا    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعا.. جلال عامر
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 13 - 02 - 2012

لم يكن جلال عامر مجرد كاتب ساخر قد لا يجود الزمان بساخر مثله.. استطاع أن ينحت له أسلوبا ساخرا متميزا متفردا.. بعد أن ابتكر طريقة التداعيات الحرة التلقائية المركبة ذات التكثيف البليغ.. التي قد تبدو لأي كاتب أنها أمر سهل.. ولكن إذا حاول - وقد حاول كثيرون - أي كاتب آخر أن يقلده فإنه يفشل فشلاً ذريعاً.. وكنت أتابع عددا ليس بالقليل من الكُتاب الهواة الذين تحولوا إلي أصحاب أعمدة في جريدة المصري اليوم وغيرها من الجرائد يحاولون تقليده وترسم خطاه في صناعة «الإفيه».. أو إسقاط عبارات بعينها كأسماء بعض الأفلام السينمائية المشهورة.. أو شطرة محددة من أغنية مشهورة.. وكان البعض يحاول استخدام هذا النهج في الكتابة.. ولكنهم جميعا رسبوا في الامتحان.. وكان رحمة الله جلال عامر.. يعاني من هذا التقليد المخل.. والمسخ المشوه من الأصل.. وكان يجهر بالشكوي في عموده اليومي.. ويشير إلي سارقيه.. الذين كانوا في بعض الأحيان يقتبسون مقاطع كاملة من مقالاته.. وكان عدد كبير من القراء الذين يعلقون علي مقالاته عبر بوابة جريدة المصري اليوم.. وينسبون هذا الأسلوب الساخر إلي «نوع الحشيش» الذي «يعتقدون» أن الأستاذ جلال يتعاطاه.. فيعلق البعض مستحسنا أحد المقالات فيقول: «تعميرة الأمس كانت تماما التمام».. وهكذا كان الكثيرون من عشاق جلال عامر يعتقدون أنه كاتب خفيف الظل ساخر وساخط. ولكن من يدقق في كتابات جلال عامر يكتشف أن وراءها ثقافة موسوعية.. ورؤية فلسفية عميقة المعني.
فجلال عامر الذي ولد مع قيام ثورة 23 يوليو 1952 وتربي علي شعاراتها.. من خلال المشروع القومي العربي الناصري.. وعاش انتصاراتها وانكساراتها.. عبر وجوده في المؤسسة العسكرية كضابط عامل تخرج في الكلية الحربية.. وكان أحد أبطال معركة رأس العش الشهيرة في أعقاب النكسة.. ثم كان أحد أبطال حرب أكتوبر الذين شاركوا في تحرير مدينة القنطرة شرق..
وبعد ذلك استقال من القوات المسلحة.. ودرس القانون في كلية الحقوق.. ودرس الفلسفة في كلية الآداب وكتب الشعر والقصة القصيرة.. وكان عضواً باللجنة المركزية لحزب التجمع.. وقد اكتشفه الكاتب صلاح عيسي عندما كان يتابع ما يكتبه في جريدة حزب التجمع التي كانت تصدر بالإسكندرية.. فطلب منه أن يكتب لجريدة الحزب «الأهالي».. ثم استكتبه في جريدة «القاهرة».. وكتب لفترة في ملحق الأهرام الساخر.. ثم ترك الأهرام وكتب في «البديل».. ثم انتقل إلي جريدة «المصري اليوم» حيث عرضوا عليه مبلغاً كبيراً علي أن تكون كتابته حصرياً لجريدة «المصري اليوم» ولكنه رفض وتمسك بالكتابة لجريدة الأهالي أسبوعياً.. وجريدة القاهرة.. ومن مواقفه الشهيرة أنه عندما رشح نفسه لانتخابات مجلس الشعب في دورة 2010 التي زور فيها أحمد عز انتخابات المجلس لصالح أعضاء الحزب الوطني.. وكان جلال عامر مرشح التجمع أمام د.مفيد شهاب الدين في نفس الدائرة.. فكتب لافتة ضخمة كتب عليها: «انتخبوا مفيد شهاب.. جلال عامر سابقاً».
هذا هو جلال عامر الذي سقط من فرط وطنيته وخوفه علي هذا البلد الذي يمضي بإصرار نحو المجهول.. عندما شاهد مظاهرة تأييد للمجلس العسكري كان يقودها توفيق عكاشة في الإسكندرية في حي بحري حيث يسكن جلال عامر.. وتصدت لهذه المظاهرة مجموعة من عدة مئات تطالب برحيل المجلس العسكري فاشتبكوا في معركة حامية.. فصرخ فيهم جلال عامر قائلا: «المصريين بيموتوا بعض».. وسقط مغشيا عليه مصابا بجلطة.. انتقل علي إثرها للمستشفي حيث أجريت له جراحة عاجلة ووضع أربع دعامات.. ويقول ابنه «رامي» لقد تأثر أبي بهذا المشهد..
وكان أثناء وجوده في العناية المركزة يهزي بهذه العبارة «المصريين بيموتوا بعض».. حتي فارق الحياة صباح الأحد 12/2/2012.. بعد عام من رحيل مبارك ولم يتحقق أي حلم من أحلام المصريين.
إنه لم يكن كاتباً ساخراً.. بل كان ممرورا بواقعنا مهموما بهموم المواطن المصري البسيط.. كان يعرف ببصيرته النافذة وثقافته الموسوعية وفلسفته العميقة أن المتاجرين بالوطن لا يتغيرون.. وكان يعرفهم ويشير إليهم في مقالاته.. وكان يعرف أن العديد من التيارات السياسية تسعي لتحقيق مصالحها علي حساب الوطن والمواطن.. وأن همهم الأول والأخير هو المصلحة الخاصة.. لذلك كان يكتب بدماء القلب تلك العبارات الكاشفة الساخرة التي تقطر ألما.. لم يكن جلال عامر يبتغي إضحاكنا.. ولكنه كان يبكينا ويبكي معنا علي واقعنا الأليم.. وكان رحمه الله واحدا ممن حلم مع أبناء جيله أن مصر لا تستحق هذه المهانة التي تعيشها علي يد نخبتها السياسية بدءاً من هيئة التحرير والاتحاد القومي.. ومروراً بالاتحاد الاشتراكي وحزب الوسط.. ونهاية بالحزب الوطني.. أنه واحد من جيل كان يعتقد أنهم رجال المرحلة القادمة ولكنه رحل.. وقد آلمه أن يضرب المصريون بعضهم بعضا حتي الموت.. فلم يحتمل قلبه الرقيق هذا المشهد.. فقرر الرحيل.. رحمه الله ورحمنا جميعا من هذا الزمن العجيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.