أن الأربعينيات والخمسينيات لم تحظ إلي الآن سوي بنظرة عامة خاطفة، في عدد من التواريخ التقليدية لليسار الأدبي بواسطة "دانييل آرون Daniel Aron" (Writers on the Left - 1961) و"چيمس جيلبرت James Gilbert" (Writers and Partisans - 1968) و"وولتر رايد أوت Walter Rideout" (The Radical Novel in the United States - 1956). كل هذه الأعمال تنطلق من منعطف القرن إلي حقبة المكارثية، ولكنها تركز بشكل ثابت علي الثلاثينيات، وسوي هذه الأعمال النموذجية فإن أي دراسة أخري، تقريبا، عن الراديكالية الأدبية أيا كانت مميزاتها، تجنح إلي تناول "الثلاثينيات" باعتبارها الوحدة الرئيسية مع أقل اهتمام ممكن بمصير ذلك الجيل وتراث العقود التالية. بين ذلك هناك كتب ممتازة مثل "Foreigners, 1981" لماركوس كلين Marcus Klein، و"Labour and Desire, 1991" لپاولا رابينوفتيز Paula Rabinowitz، و"Radical Representations, 1993" لباربرا فولي Barbara Foley. إلي هنا فإن التاريخ الأدبي الوحيد الذي يغطي الأربعينيات مع بعض الاهتمام باليسار هو كتاب "تشستر إيزنجر Chester Eisinger": "Fiction of the Forties (1963)". معظم الكتب التي تتناول سياسات وأدب الخمسينيات ومن بينها الأعمال الممتازة مثل: (American Fiction in the Cold War, 1991) لتوماس شواب Thomas Schaub و(The Culture of the Cold War, 1991) لستيفن وايتفيلد Stephen Whitfield، مقصورة علي الهجوم علي اليسار أو علي عدد قليل من الكتاب المشهورين مثل "إليسون Ellison" و"ميلر Mailer" و"چاك كيرواك Jack Kerouac". من بين الاستثناءات القليلة التي تركز في معالجتها لليسار الأدبي في الثلاثينيات، هناك دراستان قصيرتان - مهمتان - عن الشعر هما: (Repression and Recovery, 1989) "لكاري نيلسون Cary Nelson" و(American Culture Between Wars, 1994) لوولتر كالادچيان Walter Kaladjian"، بالإضافة إلي رسالة جامعية منشورة بعنوان (Anonymous Toil, 1992) لآلن بلوك Alan Block وهي تتناول الحدود الزمنية بقدر من التفصيل. هناك أيضا عدد من السير الحياتية الممتازة لعدد من الكتاب، لعل أبرزها كتاب "دوجلاس وكسون Douglas Wixon" عن "چاك كونروي Jack Conroy" بعنوان: "Worker- Writer in America (1994)" وإن كانت هذه الكتب ينقصها البعد المقارن، كما أنها لا تتناول بالتفصيل سوي المشاهير. في المقابل، من أجل استعادة اليسار في حقبة النشاط المعادي لأمريكا، نحن في حاجة إلي دراسات قاعدية تنطلق من العمق، تبدأ بقاعدة إمبيريقية لثلاثمائة كاتب تقريبا، كانوا شهودا عليها وأبدوا تعاطفا جوهريا مع قضايا اليسار (الشيوعية والاشتراكية والتروتسكية والفوضوية... إلخ) في أوقات مختلفة في العقود التالية للثورة الروسية. مثل هذا التناول المنشود لليسار الأدبي، يختلف كثيرا عن ذلك الموجود في الدراسات السابقة. لا يعني ذلك أن الكتب السابقة "مخطئة" من حيث الوقائع والحقائق (رغم أن بعضها كذلك)، وإنما يعني أن أفضلها قَيدَ نفسه بتاريخ معين وهو 1939 واقتصر علي عدد قليل نسبيا من الشخصيات، إلي جانب محدودية التغطية حسب المنطقة والعنصر والنوع والعرق والتوجه الجنسي، وقبل ذلك كله فإن الكتب الباكرة تفترض أن أدب اليسار يأتي في قوالب معينة ومتكررة مثل روايات الإضراب وروايات الپروليتاريا وروايات التحول الاشتراكي وهكذا. المشكلة أن معظم "كتاب اليسار" الذين يشكلون المرجعية في معظم الأعمال الدراسية الموجودة، هم بالأساس شخصيات تكونت في العشرينيات ولكنهم تحققوا في الثلاثينيات. بالفعل، معظم الكتاب الذين تأثروا بأفكار اليسار كانوا صغارا في الثلاثينيات وبدأوا مسيرتهم الأدبية في الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات. حينذاك، كان التقليد اليساري قد مر من خلال "مراحل" الأدب الپروليتاري و"ثقافة الجبهة الشعبية" وامتد ليشمل عناصر من كليهما لصنع "تمازجات" جديدة. كان هناك أيضا ثورة في نشر الكتب ذات الغلاف الورقي وكتب الثقافة الجماهيرية، سرعان ما تبعها قمع مضاد للشيوعية أثناء الحرب الباردة. وهكذا فإن الأشكال المميزة للإنتاج الأدبي في الأدب الروائي لكتاب اليسار في حقبة النشاط المعادي لأمريكا اتجهت نحو الرواية الشعبية (كما نراها في أعمال "ديفيد أولمان David Alman" و"بن أپل Ben Appel" و"روبرت كارسي Robert Carse" و"فيرا كاسپاري Vera Caspary" و"رنج لاردنر الابن Ring Lardner Jr." و"ألفريد موند Alfred Mond" و"سام روس Sam Ross" و"چورچ سكلار George Sklar")؛ ونحو روايات الخيال العلمي (كما عند فردريك پول Frederik Pohl" و"سيريل كورنبلث Cyril Kornbluth" و"دونالد وولهايم Donald Wollheim" و"إيزاك أزيموف Isaac Asimov" و"چوديت ميريل Judith Merril" و"ماك رينولدز Mack Reynolds")؛ والروايات البوليسية وروايات الإثارة والتشويق (كما عند "جي إندور Guy Endore" و"_وليوس فاست Julius Fast" و"كينيث فيرنج Kenneth Fearing" و"روبرت فينيجان Robert Fennegan" و"إد لاسي Ed Lacy")؛ وروايات الموضوعات الخشنة (كما في أعمال "وليم لندساي جريشام William Lindsay Gresham" و"چين كارسافينا Jean Karsavina" و"جيم طومسون Jim Thomson)؛ والروايات التاريخية (كما عند "باربرا چيلز Barbara Giles" و"ماري ساندوز Mary Sandoz" و"هنريتا بكماستر Henrietta Buckmaster" و"وليم بليك William Blake" و"هوارد فاست Howard Fast" و"ترومان نيلسون Truman Nelson")؛ وأدب الأطفال واليافعين (كما عند "آرنا بونتمپس Arana Bontemps" و"ماري إلتنج Mary Elting" و"شيرلي جراهام Shirly Graham" و"ملتون ملتزر Milton Meltzer")؛ وكتب العلوم المبسطة للشباب (كما عند "إرفنج آدلر Irving Adler" و"ميلسنت سلسام Millicent Selsam"). بعض الكتاب بالطبع واصلوا الكتابة حسب تقاليد الأدب الپروليتاري أو الراديكالي ("فيليپ بونوسكي Philip Bonosky" و"چون سانفورد John Sanford" و"فيليپ ستيفنسون Philip Stevenson" و"ألبرت مالتز Albert Maltz" و"آلفا بيسي Alvah Bessie")؛ أما في الشعر فكان اليسار يتجه نحو خلق أنواع جديدة يمكن أن نصفها ب "حداثة الشعب" ("توماس ماك جراث Thomas McGrath" و"نعومي رپلانسكي Naomi Replanski" و"نورمان روستن Norman Rosten" و"موريل روكيسر Muriel Rukeyser") و"الرومانسية الممركسة" (ذات النكهة الماركسية) (كما عند "ألفريد هايز Alfred Hayes" و"آرون كرامر Aron Kramer" و"وولتر لونفلز Walter Lowenfels)؛ و"الغنائية الجمعية" (كما عند "چون ديفيدمان John Davidman" و"ايف ميريام Eve Merriam" و"ادوين رولف Edwin Rolf"). في الوقت نفسه، كان منظرو الأدب الماركسيون في الأربعينيات والخمسينيات يسعون إلي "تكييف" كتابات "چورچ لوكاتش George Lukacs" مع حقبة مرحلة ما بعد الحرب (تشارلز همبولت Charles Humboldt)، ودمج أساليب التحليل النفسي (هاري سلوشور Harry Slochower)، ومد النقد الماركسي نحو المناطق المجهولة مثل الجنوب الأمريكي (باربرا چيلز Barbara Giles). الأبعاد الأفرو - أمريكية: إلي جانب عدد كبير من النساء اللائي كن منخرطات بقوة في النشاط الراديكالي وهن صغيرات في الثلاثينيات وتألقن في العقود التالية ("أولجا كابرال Olga Cabral" و"مارتا دود Martha Dodd" و"چانيت ستيفنسون Janet Stevenson") كان هناك ماركسيون - لاتين رواد ("ألفارو كاردونا - هين Alvaro Cardona Hine" و"خوسيه إجلاسياس José Yglesias" و"چيسس كولون Jesus Colon") وأمريكيون - آسيويون ("يوشيو آبي Yoshio Abbe" و"كارلوس بالوسن Carlos Bulosan" و"اتش. تي. تسيانج H. T. Tsiang") وأمريكيون - يهود ("بن فيلد Ben Field" و"يوري سول Yuri Suhl" و"وارن ميلر Warren Miller" و"هيلين إجلاسياس Helen Yglesias" و"إيرل كونراد Earl Conrad") وأمريكيون - إيطاليون ("پيترو ديدوناتو Pietro DiDonato" و"چون فانتي John Fante" و"فنسنت فريني Vincent Ferrini" و"فرانسيس وينوار Frances Winwar") وكتاب آخرون من عرقيات أخري ظلوا علي ارتباطهم باليسار الأدبي أو أصبحوا كذلك. كان العنصر الأكثر ديناميكية وتأثيرا في جوانب عدة من النشاط المعادي لأمريكا هو المكون الأفروأمريكي، الذي شكل جسرا مهما بين اليسار الأفريقي الأمريكي القديم والجديد في سنوات الحرب الباردة. ولاكتشاف دليل سريع وسهل علي هذا الإرتباط الوثيق العابر للأجيال، يكفي أن نلقي نظرة علي جدول محتويات الأنطولوجيا الكلاسيكية "The Black Aesthetic - 1971"، لنجد أن سبعة من المسهمين فيها كانوا إما أعضاء في الحزب الشيوعي الأمريكي أو من المتعاطفين معه: "چون أو. كيلنز John O. Killens" و"چوليان مايفيليد Julian Mayfield" و"لوفتن ميتشل Loften Mitchell" و"لانجستون هيوز Longston Hughes" و"ريتشارد رايت Richard Wright" و"دبليو. اي. بي. دو بوا W. E. B. Du Bois" و"آلين لوك Alain Locke"، بالإضافة إلي أن الاقتباس المثبت في مقدمة المجلد هو عن "مارجريت ووكر Margaret Walker"، وهي كذلك إحدي المتأثرات بالشيوعية في الثلاثينيات. كذلك يمكن ملاحظة علامات واضحة لهذا التقليد الأفرو أمريكي الراديكالي العابر للأجيال في كتابات حديثة مثل الرواية الشبابية الصادرة في 1989 بعنوان "The Other People"، وهي آخر عمل منشور لآليس تشيلدرس Alice Childress (1921 - 1994). وكما هو متوقع، فإن طبعة "Putnam" من هذا الكتاب الذي يتناول جانبا من "التاريخ المخفي" لا تذكر أن المؤلفة أفرو أمريكية ولا أنها كاتبة مسرح وممثلة راديكالية، كما لا تذكر أنها مؤلفة ذلك الكتاب غير العادي "Conversations from a Domestic's Life"، الذي نشر لأول مرة في جريدة "Freedom" التي كان يحررها "پول روبسون Paul Robeson" في سنوات مطاردة الساحرات(2). كل سطر في سيرة "تشيلدرس" له جذوره العميقة في تقليد اليسار الأفرو أمريكي، فهي الكاتبة التي نشأت في تربة الكساد العظيم، وقويت وازدادت صلابة في النضال في فترة مطاردة الساحرات والمكارثية ونضجت إلي حد بعيد من خلال الارتباط الحميم مع الصعود الجديد لحركة الحقوق المدنية في أواخر الخمسينيات والنضال السياسي الذي تلي ذلك. ولدت "آليس تشيلدرس" في تشارلستون (سوث كارولينا) وعاشت في "هارلم" وكان أول عمل مسرحي لها هو "On Striver's Row" وهو إنتاج يساري. كان هجوما مسرحيا علي الطبقة المتوسطة السوداء (بأسلوب "إي فرانكلين فريزر") من إخراج "ابرام هيل Abram Hill"، الذي عملت "تشيلدرس" في فرقته المسرحية بعد ذلك لمدة عشر سنوات، فرقة مسرح النجرو الأمريكي ذات التوجه الشيوعي. أما مسرحيتها الخاصة الأولي، "Florence"، فهي دراما نسوية ماركسية سوداء (من فصل واحد)، وكانت قد نشرت لأول مرة في عدد أكتوبر 1950 من المجلة الأدبية الشيوعية "Masses & Mainstrean"؛ وفي 1950 أيضا قامت "تشيلدرس" بتحويل عمل "لانجستون هيوز": "Simple Speaks" (1950) إلي مسرحية من إعدادها بعنوان: "Just a Little Simple" ومنذ ذلك الحين حتي وفاتها في 1994، أصدرت "تشيلدرس" سلسلة من المسرحيات، ثم روايات عن موضوعات نسوية تناقش قضايا السود والتحرر مثل "Gold Through the Trees" في 1952، و"Trouble in Mind" في 1955، و"Wine in the Wilderness" في 1969، و"Mojo" في 1970، و"A Hero Ain't Nothin But a Sandwich" في 1973 و"Wedding Band" في 1973، و"A Short Walk" في 1979 .