الشرطة تتحري أسرار واتصالات اليمين العنصري في الغرب يقلق الحادث الإرهابي الذي جري في النرويج ، الدوائر الأمنية البريطانية خصوصاً ما يشير إلي اتصالات بين مرتكب هذه الجريمة أندروز بهرينج بريفيك وبعض منظمات اليمين البريطاني ، في ظل إشارات بوجود موجة بين تيارات أوروبية يمينية تنحاز إلي تعصب وانغلاق وتلتقي عند محاور عدائية ، توجه نيران دعايتها نحو فرق سياسية مختلفة ، داعمة لتيار التعدد الثقافي وحقوق الأقليات ومساندة لحقائق علي الأرض مرتبطة بالإسلام في البيئة الأوروبية . ودعاة النقاء العنصري علي الطريقة الهتلرية ، يريدون أوروبا نظيفة تماماً من أديان أخري غير المسيحية . وهم أقلية في ظل تيار ديمقراطي عريض يرحب بالآخر ويفتح له المجال في ظل تعددية ثقافية تعطي المجتمعات الأوروبية حيوية بالغة وتنوع مثير يصب في صالح الاستقرار والتنمية . يشعر التيار القومي الأوروبي المنتشر في بيئات مختلفة ، سواء في الدنمارك والنرويج وهولندا وبريطانيا بالحاجة إلي التصدي لما يدعونه بتغيير ثقافة القارة والتأثير علي إنتماء ديني لها يتمثل في المسيحية . والمثير للأمر أن هذه الدول الأوروبية شكلت نهضة اعتماداً علي علمانية تُفصل بين الدين والدولة . وهذا يعود إلي عصر التنوير الأوروبي الذي حقق هذا الانتقال . لكن الأزمة الأوروبية عكست نبضها في صعود النازية والفاشية واندلاع الحرب العالمية الثانية التي خاضها التحالف علي قواعد ديمقراطية صريحة وتعددية وانفتاح يلغي جميع أشكال التمييز . انهيار السوفييت وقد بدأت في السنوات الأخيرة مع انهيار الإتحاد السوفيتي ظهور رياح قومية في أوروبا ، حدث ذلك في قلب يوغسلافيا ، عندما حاول الصربيون فرض إرادتهم والقيام بحرب تطهير عنصرية داخل البلقان . ولعل ما جري في البوسنة والهرسك ثم بعد ذلك في كوسوفو يكشف مدي انهيار القشرة الحضارية المنفتحة وظهور الأمراض العنصرية الكريهة بكل ألوانها . وقد خطط الإرهابي النرويجي لقتل أبرياء من مواطنيه لطرح القضية التي يؤمن بها ، وهي تطهير أوروبا من عرقيات وأديان وتأسيسها فقط علي الجنس الأبيض المسيحي . هذه الدعوة هي شكل نازي جديد ، غير أنها أكثر قسوة ووحشية ، إذ اختار هذا المجرم قتل أكثر من 90 شخصاً من مواطنيه وأهل بلده لتجسيد فكرته وجذب الأنظار إليها . هذا يكشف مدي جنون العنصرية وتخريبها وتزمتها وأزمتها أيضاً ، إذ كان يمكن له الدعوة لأفكاره بطريقة سلمية تختلف تماماً عما ارتكبه وتلتقي مع رغبات المجتمعات الأوروبية التي تسمح بحرية التعبير مهما كانت الأفكار سخيفة وسوداء . وقد شرح أندروز بريفيك أفكاره المدمرة ووجه انتقادات حادة لبلاده نتيجة مشاركة حلف شمال الأطلسي في الحرب علي النظام العنصري الصربي الذي كان يقود الحرب الإبادية ضد مسلمي البلقان . استعمار إسلامي هذه الحرب أزعجت الاتجاهات اليمينية المتطرفة في أوروبا والتي ترتدي قناع المسيحية ، بينما تلتزم بأبشع الأفكار دموية والدليل ما قام به الإرهابي النرويجي ، الذي قتل مواطنين بعمد وإصرار للفت الإنتباه إلي مشروعه الذي يدعو إليه للمحافظة علي أوروبا نقية من أقليات وعرقيات وأديان خصوصاً الإسلام . يستخدم أندروز تعبيراً بشأن ما يدعيه بأسلمة أوروبا ، أو المعني الأكثر تطرفاً بالحديث عن الاستعمار الإسلامي للقارة في نظره . كانت النازية أعلي مراحل التدمير وتتحدث عن النقاء العنصري والإنسان الأوروبي المتفوق . وهذه النظرية الوحشية قاتلة ، لكن تعتنقها بعض تيارات متطرفة داخل القارة ولعل حادث النرويج يكشف الخطر في الداخل وليس في الخارج . لقد اعتادت أوروبا علي اكتساب هجرات مختلفة ، واعتمدت دائماً علي فكرة التسامح والمساواة . وتلك شعارات الثورة الفرنسية في أعلي درجات تجلياتها ، غير أن القارة مع أزمات اقتصادية وهزات عنيفة تمر بها تفرز بعض التيارات المدمرة القادرة علي إرتكاب هذه الحماقات بتلك الدرجة الإجرامية كما حدث في النرويج . المجرم النرويجي زار لندن منذ سنوات ، وتسعي الأجهزة الأمنية لمعرفة اتصالاته بالمجموعات اليمينية المتطرفة ، وإذا كان هناك ما يشبه التخطيط لتكرار عمليات بهذا الحجم مثلما حدث في العاصمة النرويجية : أوسلو . ويعبر أندروز بريفيك عن عداء مرضي للإسلام ، ويضيف إلي سلسلة العداء المجموعات السياسية والفكرية الداعية للتنوع الثقافي والحامية للأقليات باعتبار أن الجميع يصنع ثقافة إنسانية واحدة تفيد الجنس البشري . لكن هؤلاء أعداء السلم الإنساني يفجرون الأرض بالعنصرية البغيضة ويقتلون أبرياء بالتعبير عن أفكارهم المريضة والغارقة في الكراهية والمشبعة بحقد دفين لا مبرر له علي الإطلاق . هزيمة الفاشية والنازية لقد انهزمت النازية والفاشية معاً بإصرار معسكر الحرية حيث كان انتصاره يعني حماية العالم كله ووقف الحرب المدمرة لتجريد الكرة الأرضية من تنوع سكانها وتعدد ديانات وثقافات ، هي التي تمنح الكون وهجه الإنساني. واليمين البريطاني ومجموعات هامشية نازية تدور في الحلقة ذاتها ، وأصبحت تركز هدفها علي دائرة واحدة تسمي بالإسلام وتطلق النيران وتحرض عليه ، غير أن قوانين بريطانيا الصارمة تكبل هذه التيارات وتحصرها في هامش ضيق ، غير أنها تمارس عدوانها داخل الأحياء الفقيرة التي توجد بها أقليات إسلامية وأخري تنتمي إلي عرقيات إفريقية وآسيوية . إن هناك من يرفض في أوروبا انضمام تركيا إلي الإتحاد الأوروبي حتي لا يختل التوازن لصالح أغلبية إسلامية . وهذا منطق مغلوط فإنضمام أنقرة سيثري الإتحاد بالمزيد من التنوع والتجدد وعادات تضاف إلي رصيد شعوبه . ويعمل هذا الحادث النرويجي لإزالة العقبات لدخول تركيا إلي عضوية الاتحاد لقمع الإتجاهات العنصرية وإقناعها بأن توسيع الساحة وقبول الآخر الإسلامي داخل حدود القارة يشكل الإثراء لأوروبا الجديدة التي يدخل الإسلام ضمن مكوناتها . إن العنصرية تموت وتحتضر وهذا ما حدث في جنوب إفريقيا ، ولابد للقارة الأوروبية من تطهير بيتها الداخلي من تلك الأعشاب الضارة والقاتلة بالمزيد من الإنفتاح ووقف هذا العداء للإسلام ورفض الآخر مهما كان الخلاف معه .فالحل هو العيش معا في ظل قيم الدولة الحديثة التي تطبق قواعد المساواة كما وضعها الفرنسيون خلال ثورتهم العظيمة التي حررت البشرية من طغيان واستبداد . حادث النرويج سيفتح عيون الأجهزة والمؤسسات البريطانية لمتابعة منظمات يمينية متطرفة تمارس الشغب ضد المسلمين والقوي الليبرالية والداعية لمساندة التعدد الثقافي في كل أشكاله. استهدف مرتكب جريمة النرويج شد الانتباه لقضية عنصرية فاسدة يتحمس لها ، لكن علي الجبهة الأخري ستفتح الجريمة ملفات هذه الجماعات ليس في بريطانيا فقط وإنما داخل الإتحاد الأوروبي لمعرفة نوعية الخطر الحقيقي و الأمراض السخيفة التي تنمو داخل عقول بعض الشبان ، إذ يتصورون أن تطهير بلادهم من فئات وأديان أخري سيمنحهم السلام ، بينما العكس هو ما سيحدث إذا تمت هذه الكارثة ، ويكفي الرجوع للخلف لأكثر من نصف قرن لنري ما فعله هتلر و كل أنصاره من أصحاب نظرية التطهير العنصري ، التي ظهرت في طبعة جديدة مخيفة علي يد شياطين الصرب ومذابحهم المروعة وهزيمتهم بفعل الإرادة الدولية التي أنقذت البلقان من أيديهم القذرة .