د.عادل الشهاويتواجه تركيا حالة من الغضب والشحن والتعبئة داخل صفوف المؤسسة العسكرية ، علي أثر اعتقال 250 من كبار الضباط ، واستقالة رئيس الأركان أشيك كوشنير أوائل الأسبوع الجاري ،وليتضامن معه قادة القوات البرية والبحرية والجوية ،وليخيم الغموض علي ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو ، وذلك قبل أيام قليلة من انعقاد المجلس الأعلي المخول بنظر حركة ترقيات الضباط داخل المؤسسة العسكرية .ففي رسالة وداعه للجيش أشار رئيس الأركان المستقيل لعدم استطاعته مواصلة دوره في الدفاع عن حقوق زملائه المعتقلين نتيجة عملية قضائية معيبة فيما يسمي إعلاميا بالقضية الانقلابية "المطرقة " التي شنها التيار الديني الحاكم الممثل في حزب العدالة والتنمية منذ عام 2003 لتطهير صفوف القوات المسلحة التركية من العلمانيين والقوميين . وقد تكون حركة ترقيات الضباط قد عجلت بحسم المواجهة بين الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية، لكنه من المؤكد بأن رئيس الوزراء رجب الطيب اردوغان قد جمع الكثير من المكاسب قبل الخوض في هذه المواجهة ، فقد خرج منتصرا العام الماضي قبل الانتخابات البرلمانية في معركته للسيطرة السياسية علي السلطة القضائية التي تعد تاريخيا الركيزة الثانية بعد المؤسسة العسكرية للنظام العلماني الأتاتوركي ، وحقق اردوغان نصرا آخر في المعركة الانتخابية بدايات شهر يونيو الماضي مكنته من الحصول علي أغلبية برلمانية لم تصل كما كان يطمح في الحصول علي ثلثي مقاعد البرلمان لتغيير الدستور دون اللجوء الي الاستفتاء الشعبي ، إلا أنها ضمنت له عدم الخوض في تنازلات ومساومات مع المعارضة القومية واليسارية ، وبالتوازي مع أبعاد القضاة العلمانيين وفي ظل تسع سنوات من حكم التيار الديني ترقي جيل من القادة العسكريين الموالين والمطيعين للحكم ،علي ضوء تغيير دفة السياسات الأمريكية أثناء الحرب الباردة التي يتربع فيها الجيش التركي كحليف استيراتيجي ،بل أصبحت واشنطن في ظل قيادة أوباما تنظر برضاء وارتياح للتجربة الاسلامية التركية بل واعتبارها نموذجا مستقبليا مؤهلا للتطبيق في الدول الاسلامية والعربية! ويطرح السؤال نفسه عن طبيعة أهداف التيار الديني الحاكم وقائده رجب الطيب اردوغان ؟ . يسود الاعتقاد بمشروعين متداخلين علي الصعيد الشخصي لاردوغان في طموحه للسلطة الفردية عبر حكم رئاسي واسع الصلاحيات أشبه بالنموذج الأمريكي ولكن في عباءة دينية تركية ،هذا المسار يؤدي ويقود لتحقيق المشروع الآخر في نزع الطابع العلماني بالكامل عن تركيا وأسلمتها في كل المجالات وهو ما يتوافق مع الحلم والجذورللمؤسس والداعية الإخواني الراحل نجم الدين أربكان.