تستعرض هذه الكلمة من منظور تاريخي وتحليلي للتجربة المصرية في التعايش بين المسلمين والأقباط من خلال 3 محاور: المحور الأول: يناقش تطور العلاقات بين المسلمين والأقباط في الحقبة الحديثة وهي في عام 1805 مع بداية حكم محمد علي. المحور الثاني: يناقش الدور الوطني للكنيسة القبطية في مقاومة محاولة الهيمنة الأوروبية المدافعة عن حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه المحور الثالث: يناقش الصعود السياسي لجماعة «الإخوان المسلمون» ورد الفعل القبطي للدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية. تطور العلاقات التاريخية بين المسلمين والأقباط تطور العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصرالحديثة من خلال نشأة وتطور مفهوم الجماعة الوطنية المصرية ، وارتباط هذا المفهوم باستقلال مصر السياسي عن السلطنة العثمانية وبداية بناء الدولة الحديثة في عهد محمد علي. كان هدف محمد علي لبناء الدولة المصرية عن طريق تحديث انظمة التعليم والزراعة والصناعة والادارة هو بناء امبراطورية إسلامية ترث الخلافة العثمانية. كان من اهم الاصلاحات التي قام بها محمد علي هي تمصير الجيش وإلغاء احتكار العناصرغيرالمصرية. اقتصر تجنيد المصريين في البداية علي المسلمين فقط وكان التجنيد اجباريا، كما اصدر امرا بتطبيق الخدمة العسكرية الالزامية علي الأقباط والغاء الجزية المفروضة عليهم. اهتم محمد علي ببناء جهاز اداري للدولة يقوم بعملية تحديث الزراعة والصناعة والتعليم. تم انشاء نظام المحاكم الحديثة وتعيين الأقباط كقضاة وصار النظام القضائي مصريا. في عام 1866 تم انشاء اول مجلس نيابي في مصر وفتح فيه حق الترشيح للأقباط. شهد القرن التاسع عشر بروز طبقة من الاثرياء من أصول مصرية في المدن والريف كان مصدر الثراء لكبار موظفي الدولة من المسلمين والأقباط من الاراضي الزراعية التي منحت لهم.. كما شهد التعليم نقلة نوعية وكمية في القرن التاسع عشر. أرسلت العديد من البعثات إلي اوربا. في عهد البابا كيرليس الرابع الملقب بأبو الاصلاح بانشاء العديد من المدارس للصبيان والبنات والتي كانت تقبل جميع المصريين دون تفرقة دينية. عملية التحديث الاقتصادي والاجتماعي في القرن التاسع عشر أدت إلي تطور الجماعة الوطنية وبدأ يظهر ويتبلور مفهوم المواطنة ورفع شعار "مصر للمصريين " وذلك في مواجهة استبداد الصفوة التركية الحاكمة وتحالفها مع المصالح الاوروبية المتصاعدة والمستغلة لثروات وخيرات مصر. سعي الاستعمار البريطاني إلي إحداث الفرقة بين المسلمين والأقباط ، كما تولي اللورد كرومر سياسية تأنيب المسلمين علي الأقباط وتخويف الأقباط من الاغلبية المسلمة. لقد اصدر المؤتمران المصري والقبطي عدة قرارات اتفقت في جوهرها مع بعضها البعض في رفض مبدأ التمثيل الطائفي والاخذ بمبدأ الكفاءة كاساس للتعيين في الوظائف الحكومية ، وكان الخلاف الوحيد هو المطالبة بأن يكون يوم الأحد عطلة عامة. المؤتمران الإسلامي والقبطي اكدا مبدأ الجامعة الوطنية كان المؤتمران القبطي و الإسلامي هما القمة التي وقف عندها الصعود وبدأ بعدها المد ينحسر. وبعد نهاية الحرب العالمية الاولي في عام 1919 وقعت واحدة من اهم الثورات في التاريخ المصري لانها اظهرت مستوي غير مسبوق في العمل الوطني المشترك بين المسلمين والأقباط. ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول رفعت شعارات اتحاد الهلال والصليب الدين لله والوطن للجميع ومصر للمصريين وغيرها من الشعارات الوطنية. انضمنت الاكثرية القبطية إلي حزب الوفد الذي تمكن من تكوين قيادته وقواعده علي مبدأ المواطنة وحدة وبغض النظر عن الدين حزب الوفد كان يرشح العديد من الأقباط في الانتخابات النيابية وكانوا يفوزن باصوات المسلمين مما يثير إلي الدرجة العالية من التكامل الوطني. تعتبر ثورة يوليو 1953 منعطفا تاريخيا مهما في مصر لانها انهت حكم الملك المتحالف مع الاقطاع والراسمالية الكبيرة والمصالح الاجنبية وحملت إلي السلطة مجموعة الضباط الاحرار الذين ينتمون إلي الطبقة الوسطي. طرحت ثورة يوليو مشروعا وطنيا واجتماعيا ارتكز علي الغاء الاحتكارات الاجنبية. وجلاء القوات البريطانية واعادة توزيع الاراضي الزراعية علي الفلاحين اقامة المشاريع التوسع في خدمات التعليم والصحة وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال الفجوة بين الاغنياء والفقراء، اضافة إلي ذلك مناهضة مخططات الاستعمار الصهيونية في المنطقة العربية والافريقية. شهدت فترة حكم الرئيس عبدالناصر غياب التوترات الدينية وتحقيق المساواة الكاملة بين المسلمين والأقباط في فرص التعليم والتوظيف والترقي. كما وافق الرئيس عبدالناصر علي التصديق ببناء خمسة وعشرين كنيسة سنويا وأن يترك لبابا الكنيسة تحديد مواقع بناء هذه الكنائس، كما قدم دعما ماليا وشارك في افتتاح الكاتدرائية الكبري في القاهرة في 1968م. علاقة الثقة والاحترام المتبادل بين الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس السادس كانت فترة رئاسته للكنسية المصرية فترة استقرار حميم للعلاقات بين البابا وجمال عبدالناصر ومن اعظم العلاقات علي الطريق المشترك إلي الوحدة الوطنية. فترة حكم الرئيس عبدالناصر شهدت العمل السياسي إلغاء التعددية الحزبية والحريات السياسية واعتماد الحكم علي الأجهزة الأمنية والإجراءات العنيفة ضد الخصوم السياسي من اعتقال وتعذيب ومحاكمات صورية. نتيجة لهذا انسحب الأقباط من النشاط السياسي العام واتجهوا إلي النشاط الكنسي الطائفي. يمكن القول ان غياب الحريات السياسية عمقت النزعات الطائفية علي حساب الجماعة الوطنية. الدور الوطني للكنسية القبطية من اهم الاسباب التي وحدت بين الأقباط والمسلمين في مصر الدور الوطني للكنيسة عبر تاريخها الممتد لأكثر من عشرين قرنا. جاءت جيوش الاوروبيين حاملة راية الصليب لاحتلال بيت المقدس، انحاز الأقباط إلي المسلمين واطلقوا علي حملات الغزو الاوربي تعبير (حرب الفرنجة) في القرن التاسع عشر وضع البابا كيرلس الخامس توقيعه علي القرار الشهير الذي صدر عن الاجماع الوطني في حضور عرابي وبدعوة منه واخطر ما صدر عن البابا في هذه الفترة السوداء فتواه الشهيرة التي أعلن فيها الانجليز قد خرجوا عن تعاليم المسيحية الحقة التي تدعو إلي السلام وعدم الاعتداء. في القرن التاسع عشر وضع البابا كيرلس الخامس رفض التعاون مع المجلس الذي شكله الخديوي اسماعيل والمكون من كبار أعيان الأقباط الذين كان لهم ارتباطات قوية بالخديو والاحتلال البريطاني امثال بطرس غالي ويوسف وهبة ادي هذا الموقف إلي اصدار امر من الخديوي باعفاء البابا من منصبه في العام 1892 واحتجازه في دير البراموس وتعيين اسقف صنبو ليحل محل البابا، ووجه هذا القرار بالرفض الشعبي الحازم من قبل الأقباط والمسلمين. كان اقوي تعبير عن الموقف الوطني للكنيسة القبطية في القرن العشرين هو موقفها الثابت مع حق الشعب الفلسطيني في أرضه. عروبة القدس وتفنيد دعاوي اسرائيل بالحق الديني لليهود في العودة إلي ارض فلسطين. أثارت الدعوة إلي إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية في مخاوف الأقباط من خشية أن تؤدي هذه الدعوة إلي الانتقاص من حقوقهم السياسية والدينية والاجتماعية تعدد جماعات الإسلام السياسي وجنوح بعضها إلي تبني المواقف المتطرفة. الأقباط وحركات الإسلام السياسي من ناحية هناك تيار ينتمي أصحابه إلي فكر الإخوان مثل محمد سليم العوا وهويدي وطارق البشري يرون انه لاتناقض بين تطبيق الشريعة الإسلامية وأعطاء الأقباط حق المواطنة كاملة غير منقوصة. أيضاً هناك الجماعات الإسلامية وبعض المفكرين الإسلاميين اللذين تأثروا بافكار سيد قطب التي أوردها في كتابيه" في ظلال القرآن " ومعالم علي الطريق ". وقد شهدت مصر في فترات حكم الرئيس السادات والرئيس حسني مبارك تصاعد حدة الاحتقان الطائفي بصورة مسبوقة في تاريخ مصر الحديث والقديم. انسحب المسيحيون من الحياة العامة وانغلقوا داخل الكنيسة. هذا الاحتقان الطائفي هو جزء من احتقان اجتماعي عام والمخرج من الاحتقان الطائفي هو الاصلاح السياسي الحقيقي الذي يفضي إلي التداول السلمي للسلطة وانهاء احتكار الحزب الحاكم للحكم بالاضافة إلي تبني سياسات تحقق العدل الاجتماعي. الازمة في مصر اليوم ليست ازمة مسلمين وأقباط بقدر ماهي ازمة نظام سياسي يحكم بقانون الطؤارئ ويقاوم كل المحاولات للاصلاح سواء من اصدقاء في الخارج او الداخل. اذا كان الأقباط يجأرون بالشكوي من الانتقاص من حقوقهم في بناء الكنائس والتمثيل في الوظائف القيادية في الدول. وفي الهجوم علي عقيدتهم من قبل بعض وسائل الاعلام المملوكة للدولة، فإن الانتقاص من حقوق جميع مواطني مصر (مسلمين ومسيحين) تبقي هي جوهر الازمة والمشكلة. الحقوق العامة التي يشترك فيها جميع ابناء الشعب اكثر بكثير بما لايقاس من الحقوق الطائفية. هذه الحقوق الوطنية العامة اذا اصيبت بالقهر والاضطهاد فان الامر ينعكس علي اي حقوق فرعية.