منذ أعلن حزب التجمع موقفه المؤيد لعبدالفتاح السيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية، وهناك سؤال يطرح علي كل قادة وأعضاء المستويات القيادية في حزب التجمع، يدور عن أسباب عدم تأييد الحزب للمرشح المنافس «حمدين صباحي» بتاريخه النضالي وانتمائه لليسار؟! ورغم أنني لا أتحدث باسم حزب التجمع – فهناك رئيس الحزب والأمين العام والمتحدث الرسمي باسم الحزب هم الناطقون باسم الحزب – إلا أنني كأحد مؤسسي التجمع وشرفت بتولي مناصب قيادية عديدة فيه منذ عام 1976 وحتي عام 2008، أستطيع أن أجيب عن هذا التساؤل المشروع. وفي تقديري أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تفسر موقف حزب التجمع.. فمصر تواجه خلال هذه الأيام عديد من التحديات غير المسبوقة، فلأول مرة هناك تهديد «للدولة الوطنية المصرية» التي ناضل الشعب المصري من أجل تأسيسها والحفاظ عليها طوال ما يزيد علي 200 عام، فجماعة الإخوان والتنظيم الدولي لها والإدارة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي يعملون بدأب لهدم وتفكيك الدولة المصرية، وتأسيس ما يسمي ب «دولة المرشد» أو «دولة الخلافة» وتقسيمها إلي دويلات، وفي نفس الوقت تتعرض البلاد لموجة جديدة من الإرهاب المتستر بالدين، يفوق ما تعرضت له البلاد من الموجات السابقة في تسعينيات القرن الماضي، مستفيدا من انتشار غير مسبوق للسلاح في كل أنحاء مصر، ودعم خارجي متعدد الأطراف، ووجود سلطات معادية للشعب المصري وثورته علي حدوده الشرقية والغربية والجنوبية، كذلك فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في مصر منذ عام 1974 والمعروفة باسم «سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي» والتي جري تطبيقها منذ ذلك الحين وحتي الآن تنفيذا لروشتة صندوق النقد والبنك الدوليين وأوامر هيئة المعونة الأمريكية، ثبت فشلها وكانت أحد أسباب الثورة بعد أن أدت إلي تراجع وتوقف التنمية وارتفاع نسب الفقر والبطالة وشيوع الفساد، ولابد من سياسات جديدة تلعب الدولة فيها دورا أساسيا في الاستثمار والتنمية وتوفير الخدمات الأساسية، إلي جانب القطاع الخاص المحلي والأجنبي. وبالتالي فهناك احتياج لرئيس قادر علي إدارة الدولة وتطوير أجهزتها والحفاظ علي تماسكها ومواجهة هذه التحديات. والمقارنة بين المرشحين تصب لصالح السيسي، فحمدين صباحي ليس له خبرة بإدارة الدولة أو تماس معها، والتعامل مع أجهزتها الإدارية المتمرسة في تعطيل وافشال ما لا ترضي عنه. وهي حقيقة لا تنتقص من ثورية ونضال حمدين صباحي. وهناك تساؤلات- لها مبرراتها- حول خلافات سابقة لحمدين صباحي مع انظمة قمعية خلال السنوات الماضية، خاصة نظام صدام حسين ومعمر القذاقي، واحتمال التأثير السلبي علي ممارسة حمدين لمسئولياته في العلاقات مع الدول العربية ودول المنطقة في حالة فوزه برئاسة الجمهورية، فسلطات الرئيس في الدستور تشمل المشاركة في رسم السياسة العامة مع مجلس الوزراء، وتولي مسئولية الأمن والدفاع و»العلاقات الخارجية». كذلك تساؤلات حول تحالفاته السابقة مع الإخوان. ورغم انتماء «حمدين صباحي» لليسار بمعناه الواسع، ووجوده في «جبهة الإنقاذ» التي تضم الاحزاب المدنية (ليبرالية ويسارية وقومية)، إلا أنه اتخذ قراره بالترشيح في انتخابات الرئاسة منفردا ودون أي تشاور لا مع «التحالف الديمقراطي الثوري» الذي يضم اغلب احزاب وقوي اليسار، أو مع «جبهة الإنقاذ»، وبالتالي أعفي هذه الاحزاب والقوي من أي التزام نحوه، ومنحها الحرية في تحديد موقفها، سواء بتأييده ودعمه، أو تأييد ودعم المرشح المنافس عبد الفتاح السيسي. وقرار التجمع والاحزاب اليسارية والقومية والليبرالية التي اختارت تأييد السيسي في انتخابات الرئاسة، وأيا كانت نتيجة هذه الانتخابات، لا يغير من حقيقة أن حمدين ينتمي لليسار الواسع وللقوي المدنية، وأن تاريخه النضالي محل تقدير واحترام الآن وفي المستقبل.