استفاد المثقفون و الأدباء المصريون كثيرا من الأدب الروسي ومن نتاج أدباء عظماء مثل جوركي , وتشيكوف , وتولستوي « أدباء النهضة ,وذلك بعد ثورة 1952 وظهور نظريات أدبية مأخوذة عن الأدب الروسي مثل « الواقعية الإشتراكية « التي تبناها وروج لها الناقد محمود أمين العالم . فهناك مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي ، ولعل أكثرأشكال التأثيرات شيوعا هو التأثير علي العملية الإبداعية . فهل غاب التأثر بالأدب الروسي في الفترة الأخيرة وهل تساعد العلاقات السياسية الجديدة في عودتها مرة أخري ؟ وماذا عن تأثر الروس بتراث الأدب العربي ؟ وحول هذه النقطة يقول دكتور أحمد الخميسي، بعد ثورة 1952 ، وقبلها أيضا ، كانت كل النظريات الأدبية مأخوذة من الغرب، ليس فقط « الواقعية الاشتراكية « بل وأيضا منهج طه حسين ونظريته في النقد وكذلك د. محمد مندور اللذين تأثرا بشكل أساسي بالمدارس الفرنسية. فالواقعية الاشتراكية كان لها صدى في مصر مثلما كان لكل النظريات السياسية والفلسفية والأدبية الأوروبية صدي. الأهم من « الواقعية الاشتراكية» هو تأثر الأدباء المصريين بالأدب الروسي. يقول يحيي حقي إنه عند نشأة القصة القصيرة تشكلت مجموعتان أدبيتان على مقهى ، واحدة تناصر أعمال موباسان الفرنسي والثانية تناصر تشيخوف الروسي. هكذا بدأ التأثر منذ البداية. واستمر تأثير الأدب الروسي حتى أنهم عندما سألوا نجيب محفوظ وهو يقترب من التسعين : « أي رواية مازالت عالقة بذاكرتك؟» أجاب» الحرب والسلام» لتولستوي. كما تأثر نعمان عاشور بمسرحية جوركي « الحضيض « وظهر ذلك في مسرحية عاشور» الناس اللي تحت». أشكال التأثر كثيرة ، وقد كتب أمير الشعراء الروس بوشكين يقول « لقد ألهم العرب ملاحم العصور الوسطى كل تلك الرقة والنشوة الروحية والحب « ، وكتب هو « قبسات من القرآن « متأثرا بترجمة القرآن للروسية. كما كانت هناك رسائل متبادلة بين الإمام محمد عبده وليف تولستوي. وعامة صور التأثر والتأثير المتبادل عديدة وعميقة. أما عن غياب التأثر بالأدب الروسي في العقود الأخيرة فقد ارتبط بغياب الأدباء الروس العظام باستثناء أسماء قليلة مثل سولجينتسين، وأيتماتوف، وارتبط أيضا بتغييب الاتحاد السوفيتي المتعمد لأسماء أدباء عظام لا نعرفهم مثل أندريه بلاتونوف. وتنشيط العلاقات السياسية مع روسيا الآن قد يفيد بالطبع في تجديد الاهتمام بالأدب الروسي. لكن تنشيط تلك العلاقات لن يخلق الأدب. إذا ظهر أدب روسي قوي سيفرض وجوده وينتقل أثره إلينا. المشكلة الآن بعد زوال الاتحاد السوفيتي في انهيار مؤسسة الاستشراق الروسية التي كانت الدولة ترعاها وتدعمها، وفي انهيار دور النشر التي كانت تترجم الأدب الروسي إلي العربية. ربما يساعد تنشيط العلاقة السياسية على إحياء تلك المؤسسات التي كانت وسيطا ينقل إلينا الأعمال الأدبية الروسية. التبادل الثقافى وفي نفس السياق يري دكتور صلاح السروي أستاذ الأدب المقارن بكلية الآداب جامعة حلوان أن فكرة التأثير الثقافي أو التبادل الثقافي مرتبطة بأن يكون هناك إنتاج ثقافي علي قدر من التميز والعالمية أي بلغ درجة من النضج والرقي بحيث يستطيع أن يطرح نفسه علي المستوي العالمي , الأمر الآخر مرتبط بالعلاقات الدولية التي تسمح بانتقال المنتج الثقافي بين الدول, وروسيا منذ مرحلة نهاية الاتحاد السوفيتي كانت في حالة جذر بالمعني الشامل والفعلي للكلمة جذر علي المستوي العسكري والصناعي والاقتصادي والثقافي, مما أدي إلي تراجع تأثير الثقافة الروسية في العالم بشكل عام وليس في مصر فقط . كما أن العمالقة الذين رسموا ملامح الثقافة الروسية والفكر الروسي مثل بوشكين وتولستوي وتشيخوف والشاعرة والأديبة أنا أخماتوفا.. إلخ هؤلاء العمالقة لم يحل محلهم من يرتقي لمكانتهم ,ربما مؤخرا بعد حصول تورجنيف صاحب رواية "الأرخابيل" علي جائزة نوبل والذي كان عنصر جدارته الوحيد في هذه الرواية هو طرحه لموضوع التعذيب في العصر السوفيتي فكان جزءا من الحملة علي عصر السوفيت و دون ذلك لم تظهر أسماء كبيرة من الكتاب الروس بحيث تكون ملهمة علي الصعيد العالمي ربما لم يعد لديهم قامة مثل بوشكين او آنا آخماتوفا مما أدي إلي خلو الساحة لأنماط ثقافية أخري في العالم فرضت نفسها بقوة مثل الرواية اللاتينية مثل اعمال الكاتب جابرييل ماركيز والبيروفي يوسا وايزابيل الليندي والراحل جورج امادو الذين بدأوا يتصدرون الاهتمام الأدبي والثقافي علي الصعيد العالمي. الدعاية للفكر الشيوعي ويؤكد السروي أن هناك نقطة في غاية الأهمية وهي إن الثقافة الروسية في الماضي كانت مرتبطة بنشر الفكر الشيوعي فكانت المخصصات الضخمة الكبري التي كانت ترصدها الدولة السوفيتية القديمة من أجل نشر الفكر الشيوعي كانت تحمل هذا الفكر علي الأدب والثقافة الروسية التقليدية أو المستحدثة وبالتالي كنا نقرأ لشولوخوف وكأنه كاتب شيوعي "الدون الهادئ" الرواية الضخمة العظيمة كانت تبث إلي جانب إلي كونها أدبا كانت تبث افكاراً ورؤي الايدلوجيا السائدة في الاتحاد السوفيتي في هذا الوقت وهي الشيوعية ,وأدي انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي إلي تراجع الرغبة في نشر هذه الافكار في الخارج فلم يعد هناك افكار يعملون علي نشرها ,يضاف إلي ذلك أنه مع إنهيار الأتحاد السوفيتي كان هناك أزمة إقتصادية كبيرة جدا مما أدي إلي ضعف الأعتمادات التي كانت مرصودة للإنفاق علي هذه دور النشر الضخمة العملاقة فمثلا رادوجا كانت تخرج وتنتج آلاف العناوين سنويا فلهذه الأسباب تراجع وضع الثقافة الروسية في العالم بشكل عام فهذه ظاهرة عالمية ,وتراجعت في مصر بذات القدر وربما أكثر قليلا لان مصر في ظل فترة نهاية عصر السادات عام 76 وطوال فترة مبارك وهي مرتمية في أحضان الأمريكان وتتعامل مع السوفيت ثم الروس بقدر كبير من التوجس نظرا لعدم الرغبة في إغضاب الأمريكان فهذا علي الصعيد السياسي و يدخل في هذا الإطار التبادل الثقافي مع الروس , فقد سافرت إلي روسيا في عام 2003 حيث كان الروس حديثي العهد بالتحولات من النظام السوفيتي إلي النظام الرأسمالي الليبرالي الحالي وشاهدت إنه حتي الأكاديميات السوفيتية تراجعت عن ما كانت عليه في مراحل سابقة فلقد سبق وكنت في روسيا سنة 90 في نهاية العصر السوفيتي وعندما قمت بزيارة جامعة موسكو ورأيت فيها أقساما تخصصية ومراكز بحثية علي مستوي عال جدا من التخصص فمثلا كانت هناك أقسام للغة السواحلية وأقسام للغات تكاد تكون منقرضة أو نادرة , وكان يوجد بها قاموس للعامية المصرية وكتاب عن قواعد العامية المصرية . كان يوجد قدر هائل من التقدم التخصصي ولكن عندما ذهبت إليها في عام 2003 وجدت إن هذه الأقسام يكاد يعلوها التراب ولا تعمل بصورة جيدة فقد حدث تراجع للأهتمام الروسي بالعالم وخاصة العالم الثالث بعد انهيار الأتحاد السوفيتي ,لكن أتصور إن هذا الأهتمام استعاد مواقعه من جديد ولكن ليس بذات القدر من القوة التي كان عليها في الماضي ,حيث أن الأهتمام الثقافي في المرحلة السوفيتية كان يحمل عليه أهتمام أيديولوجي ذو طابع دعائي للتجربة السوفيتية الإشتراكية الشيوعية بينما هذا الأمر لم يعد قائما الآن وإن كان فيما ألمحه أن الروس أخذوا في استعادة بعض المواقع أو يحاولون إستعادة بعض المواقع التي أفتقدوها أثناء الحرب الباردة وما بعدها و لمحت في معرض القاهرة الدولي للكتاب ترجمات من الكتب الروسية التي تتم علي استحياء وكثير منها دور نشر سورية ولبنانية وللأسف ليست مصرية بشكل عام وإن غابت إسهامات دور النشر الروسية في حد ذاتها , اتصور أن التقارب الروسي المصري في الفترة القادمة ربما يأخذ في طياته استعادة بعض من التأثير أو التواجد الثقافي الروسي في مصر وطبعا لابد من أن نشير في هذا الصدد إلي أن المركز الثقافي الروسي في القاهرة مازال يقوم ببعض النشاطات المهمة مثل تعليم اللغة الروسية , وتعليم فنون الباليه والفنون التشكيلية إلي غير ذلك إلا أن الدور الثقافي الأدبي الفكري الذي كان يمارسه هذا المركز في الفترة السوفيتية عندما كان يقف علي رأس إدارة القسم العربي الشاعر الكبير كمال عبد الباقي والذي كان اهتمامه بالثقافة العربية يتوازي بنفس ذات القوة والقدر مع الاهتمام بالثقافة الروسية, هذا المركز تراجع دوره إلي حد ملموس للغاية خلال العشرين عاما الماضية إلا انه بأمكاناته وقدراته المادية والمؤسسية القائمة يمكنه أن يستعيد هذا الدور مرة أخري . عودة البعثات ويقول المترجم طلعت الشايب:لكي يزدهر التبادل الثقافي مرة أخري بين مصر وروسيا فلابد من إعادة مجمل العلاقات بين الدولتين و الشعبين في مجال الفن والأدب والثقافة وأن ننفتح مرة أخري علي الشرق كيفما كنا لا نتصور أن الثقافة والمدنية والأدب والفن موجود في الغرب والولاياتالمتحدة فقط لابد من فتح النوافذ علي العالم الشرقي مرة أخري وعلي الحضارة التي كانت موجودة في الاتحاد السوفيتي سابقا لأنها حضارة عريقة ليس فقط في مجال الأدب والفن ولكن في كل التخصصات الفنية التي نعرفها وأن تعود البعثات مرة أخري إلي الاتحاد السوفيتي السابق والدول السابقة في الاتحاد السوفيتي يعني إلي روسيا مثلما كانت قبل ذلك لأن نحن من أول الانفتاح الاقتصادي والانفتاح السياسي علي الغرب والولاياتالمتحدة تصورنا إن كل شيء موجود في الغرب وفي الولاياتالمتحدة فقط فلابد من إعادة هذه الروح أولا إلي داخل المجتمع المصري، ثانيا إلي هذه الدول التي لديها رصيد وميراث ثقافي عرفناه في الستينيات وكان له دور مهم جدا في اثراء الثقافة المصرية , انا لا اتصور ابدا إن قسم اللغة الروسية في كلية الألسن توقف عن ارسال بعثات لروسيا ولا اتصور أن لا تكون هناك اتفاقات ثقافية مع روسيا في جميع المجالات مثلما كان في الماضي في الباليه والمسرح والموسيقي وفي الفن التشكيلي وفي الأدب وفي كل شيء . ويؤكد الشايب أن الترجمة من الروسية إلي العربية والعكس كانت تحدث من خلال لغة وسيطة في بداية معرفتنا بالأدب الروسي في مصر فعلي سبيل المثال كان يتم ذلك عبر اللغة الفرنسية أو الإنجليزية وذلك بسبب إن عدد الذين كانوا يتقنون اللغة الروسية في مصر قليل لدرجة إن أشهر ترجمة لأعمال دوستوفيسكي هي ترجمة سامي الدروبي السوري الجنسية عن اللغة الفرنسية . وكان الأفضل أن لا يمر عبر لغة وسيطة وتكون الترجمة مباشرة من الروسي للعربي وهذا لايتم إلا في وجود مترجمين جيدين من الروسي للعربي والعكس .