تجمع القوى السياسية والوطنية والشخصيات العامة على المطالبة بإجراء الانتخابات الرئاسية أولا عقب الانتهاء من الاستفتاء على الدستور وقبل الانتخابات البرلمانية. وحجة هؤلاء أن وجود رئيس جمهورية منتخب أولا سيسهم فى تهدئة الأوضاع الداخلية فضلا عن كونه رسالة للخارج بأن مصر تمضى بجدية فى اتجاه خارطة الطريق.. ويتيح الفرصة لإجراء الانتخابات البرلمانية فى أجواء أفضل من الأجواء الراهنة. فضلا عن أن كل الأحزاب تتفق على أن الوقت ليس متسعاً أمامها لإدارة معركة انتخابية تتطلب جهدا ومالا للوصول إلى السواد الأعظم من الناخبين، وحتى لا تتأثر انتخابات الرئاسة بنتائج انتخابات البرلمان التى تجرى فى ظروف دقيقة تمر بها مصر لا يبدو منها تيار بعينه يمكن الرهان عليه، فضلا عما سوف تخلفه هذه الانتخابات من صراعات لا تتيح إجراء الانتخابات الرئاسية فى ظلها.. يضاف إلى ذلك أن الرئيس فى مصر مازال لمحور القيادة والأفضل لاستقرار البلاد أن تبدأ به. وبدون الانتخابات الرئاسية أولا ستجر مصر إلى دوامة قد لا تمكنها من إجراء انتخابات برلمانية.. مما سيؤدى إلى تفتيت جبهة 30 يونيو فى صراع على كعكة البرلمان.. طالما بقيت حالة الشلل التى تعانى مصر منها حتى الآن. فنحن فى حاجة إلى رئيس منتخب ليعبر بنا إلى بر الأمان.. لاسيما أن جماهير الشعب المصرى خرجت فى 30 يونيو ولم يكن لها إلا مطلبا واحدا هو إجراء الانتخابات الرئاسية أولا. لكن هناك من يتخوف خشية البدء فى الانتخابات الرئاسية من أن الوقت أصبح متأخرا لأى تعديل فى خارطة الطريق أو الإعلان الدستورى الذى نص فى المادة 30 على إجراء الانتخابات الرئاسية بعد الانتخابات البرلمانية، إضافة إلى أن إجراء انتخابات الرئاسة فى ظل عدم وجود برلمان يرتب فقدان أحد شرائط الترشيح وهو حصول المرشح على تزكية 20 عضوا من أعضاء البرلمان. والرد على ذلك أن الفقه الدستوري استقر على أن المرحلة التى نمر بها هى مرحلة الشرعية الثورية ما قبل الاستفتاء على الدستور، وهى تلك التى صدر فيها الإعلان الدستور فى 8 يوليو بالالتزام بخارطة الطريق بإجراء الانتخابات البرلمانية أولا. لكن بعد الاستفتاء على الدستور يومى 14، 15 يناير القادمين يصبح هذا الدستور هو الحاكم الفعلي.. أما خارطة الطريق وإعلانها الدستورى فسوف يصبحان فى خبر كان. وقد خلت أحكام الدستور من تحديد أى من الانتخابات أولا البرلمانية أو الرئاسية (مادة 230 من الدستور) إلا أن هذا الاختصاص أصبح مقيدا بأحكام المادة 162 من الدستور التى تنص صراحة على أنه "إذا تزامن خلو منصب رئيس الجمهورية مع إجراء استفتاء أو انتخاب مجلس النواب.. تعطى الأولوية لانتخاب رئيس الجمهورية. وهذا يعنى أن الدستور فى متنه وبعيدا عن المواد الانتقالية.. يعطى أسبقية لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية.. وبالتالى إذا أقدم رئيس الجمهورية على تحديد الانتخابات البرلمانية أولا فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المادة 162 من الدستور. وقد أزال الدستور كافة العوائق التى تقف أمام هذا الاتجاه.. فإذا سبق انتخاب رئيس الجمهورية انتخاب مجلس النواب فإنه وفقا لأحكام المادة 144 يؤدى رئيس الجمهورية اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا.. وإذا كان المجلس غير قائم فلرئيس الجمهورية وفقا لأحكام المادة 156 إصدار قرارات بقوانين على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال 15 يوما من انعقاد المجلس الجديد. أما المادة 142 التى تشترط تزكية 20 من أعضاء البرلمان فإن إجراء الانتخابات الرئاسية فى ظل عدم وجود البرلمان، لا يؤثر على إجراء الانتخابات الرئاسية لوجود الشرط الأساسى وهو ترشيح الشعب ذاته وهو صاحب السلطة من خلال تأييد 25 ألف مواطن فى 15 محافظة وهو أمر سهل وميسور ولا يشكل مطعنا دستوريا فى ظل أحكام المادة 162 المشار إليها التى تعطى الأسبقية لانتخاب رئيس الجمهورية إذا تزامن مع انتخاب البرلمان. وبعيدا عن النظام الانتخابى فرديا كان أو بالقائمة أو بهما معا.. فإن أخطر ما يهدد العملية الانتخابية برمتها هو أن تخوضها قيادات الحزب الوطنى المنحل بحكم المحكمة الإدارية العليا وكذلك أعضاء جماعة الإخوان المحظور نشاطها بحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة.. وحتى لا نحرث فى البحر فإنه يمكن خلال الأيام المتبقية حتى يوم الاستفتاء على الدستور التى تنتهى فيها مرحلة الشرعية الثورية والتى تتيح لرئيس الجمهورية أن يصدر خلالها إعلانا دستوريا يحظر فيه على هذه القيادات حق خوض الانتخابات القادمة وهذا حق رئيس الجمهورية دستوريا له أن يصدره قبل الاستفتاء على الدستور الذى للأسف لم ينص عليه.. وإذا كان هذا الإعلان سوف يلغى فور الاستفتاء على الدستور فإنه سيبقى نافذا ما يترتب عليه من آثار وفقا لأحكام المادة 246 من الدستور وإذا لم يتحرك الرئيس سنواجه بأزمة غير مسبوقة، والطوفان قادم..