لم يغب عن المخرج هاني عفيفى فى عرض (عن العشاق )، وهو يقدمه عن (طوق الحمامة) للإمام ابن حزم الأندلسي، أنه " فى الإلفة والأُلّاف" كما يكتمل العنوان، واستوحى دربا من التآلفات بين عناصر العرض. وكان النسيج الموسيقي بآلاته الوترية ، عودا وقانونا وتشيللو أو كمان من عازفى (بيت العود) المهرة، كأنه بقع من الذاكرة، وامتداد لتأملات ابن حزم، أو صوت لأحد العشاق المعاصرين، والباحثين عن الحب فى كل زمان ومكان. من النسيج ما شغل موقعا فى المتن صداحا مبينا بمقاطع منتقاة من كتاب أم كلثوم فى الحب كما غنتها نجوى حمدي بصوت عفى طروب فى أعلى شرفة المقعد، ومنه ما جاء جانبيا، عزفا خالصا مضمِرا لتجربة العاشق حين يعوزه الإفصاح ويلوذ بالكتمان، على حواف وهوامش المشهد البصري فى إضاءة على استحياء، غير أن أنامل العازف تلامس أوتار التجربة الشعورية للمشاهد، وتهز الوجدان. والمقارن بين الكتاب الأصلي والإعداد يكتشف لأي مدى حرص كريم عرفة على إبراز لغة المؤلف وإيقاع الزمن الذي تحمله، وكيف صاغ تأملات وأخبار ابن حزم لحنا ومسارا أساسيا يتقاطع مع شخوص عصره وأحلام عشاقنا المعاصرين. انتقى الفقرات والعبارات وأعاد توزيعها وترتيبها، ولجأ إلى الاختزال فى قصة محورية من قصص ابن حزم فى باب الضنى، وصاغ من أخبار متناثرة فى باب طاعة المحبوب قصة إيثار أحدهم النزول على رغبة محبوبه على ما بها من ألم وتضحية، وكأنها أصل واحد متصل، ومقتطع على حاله فى حوارها ومقاطعها السردية. وإن أبدل كلمة بأخرى وهو أمر نادر، ترك المهجورة وأتى بأخرى تحمل رائحة القدم، ويتواصل معناها مع الحاضر. يتمثل حمزة العيني صفاء اللغة، والايقاع النهائي المحسوب للنص المعد بما يسمح بتبيان المعاني والامتلاء بجرس الزمن القديم وخطوه، والذي لا يُفقده فى ذات الوقت، ومن فرط أدائه الميسّر، قدرته على التواصل مع تقاطعات الأداء المعاصر لشباب المؤدين بما يسفر أحيانا عن مفاجآت فكاهية تستفيد من مفارقة الزمن عندما يتباسط فى إشارات وتعليقات شعبية محدثة. فللعرض أثر كلي بهيج بتأثير أداء فريق شباب مركز الابداع أيضا، ويميل إلى الاحتفال بمطلق الحب، وقيمته، وما يتخطفه من وصال، بما يتخطى الزمن والطبقة. وإن تضمن أخبارا وأغانٍي تصف الهجر والسلو والضنى فثمة إطراء مضمر لمراتب النبل والوجد والصبر التي تجلو نفس العاشق، وبما ينعكس إبداعا غنائيا موسيقيا محلقا، يثير المتعة