حلم بعيد المنال ، و لكنه قد يتحقق ، بعد عدة عقود أو قرون ، وعندها سوف يحكم العالم أصحاب الكلمة ، وسوف تتغير صورة العالم . "حرروا الكلمة " نداء أطلقته منظمة القلم الدولية للكتاب و السياسيين كي تتحرر الكلمة ، أن يطلق سراحها ، أن تحطم الأغلال التي تكتمها في الصدور و تحولها الي زفرات و عبرات . الكلمة طائر يحلق في سماء العالم و لا يحط ألا علي أرض محبيه و عشاقه . والكلمة مسئولية يحمل وزرها من يلقيها ، شبهها الخالق عز وجل بالشجرة أصلها ثابت و فرعها في السماء ، فإذا كانت طيبة أثمرت الخير و العكس صحيح . و في مدينة ريكيافيك الباردة الي حد التجمد يصبح الأدب هو الملاذ الدافيء الذي يحتضن الإنسان و تصبح الكلمة الحرة أملا في الخلاص . ريكيافيك عاصمة أيسلاندا، أصغر بلدان الناتو من حيث تعداد السكان والوحيدة بدون جيش .ووفقاً لتقرير حرية الصحافة تمتلك أكثر صحافة حرة في العالم . وهي مدينة صغيرة تقع في المحيط الأطسي شمال غرب بريطانيا علي حدود الدائرة القطبية الشمالية عدد سكانها أقل من ثلاثمائة الف نسمة ، يعني أصغر قليلا من حي شبرا . إلا أن أحلامهم لاحدود لها . فهم يحلمون ، بأن يكون لمدينتهم مكان في خريطة الشهرة و المجد ، لذلك دعوا منظمة القلم الدولية لتقيم مؤتمرها السنوي في مدينتهم … و بالطبع اختاروا أفضل أوقات السنة ، عندما تزورهم الشمس في سبتمبر وتصل درجة الحرارة ليلا من سبع الي عشر درجات فوق الصفر ، أما في النهار فترتفع الي عشر درجات . و الشمس تتعامل معهم كالحبيبة المدللة ، قد يطول غيابها في الشتاء أما في الصيف فقد تبقي و لا تغيب الا لساعات قليلة . ورغم ضراوة الطبيعة و ما يتهدد السكان من براكين وظلام قد يدوم شهورا ،وبرد قارس فقد فاز واحد من أبناء أيسلاندا ،"هالدور لاكسنس" بجائزة نوبل للآداب عام 1955. حضر المؤتمر مايقرب من أربعمائة صحفي و أديب و مترجم وشاعر وسيناريست ومؤلف مسرحي وكثيرون من عشاق القلم تحت شعار "فلنحرر الكلمة " . اوأقيمت الجلسات في مركز المؤتمرات و الموسيقي "هاربا " المطل مباشرة علي شاطيء المحيط ، حيث تقام الحفلات الموسيقية ، وبين سنة 2008 ، والذي تم تجديده و أضيفت اليه الأوبرا منذ ثلاث سنوات فقط . و المبني من الخارج غريب الشكل ، فالهيكل يتكون من إطار من الصلب مكسو بألواح هندسية من الزجاج مختلف الألوان ، تتلألأ في المساء لتعطي المكان سحرا لا يقارن . وأثناء المؤتمر تحول " هاربا" الي ما يشبه خلية النحل ..لقاءات واجتماعات و حفلات كونسرتو وندوات استماع للشعر و القصة ..الخ لقد تحقق حلم الأيسلنديين عشاق الأدب و الموسيقي و اختارت اليونسكو عاصمة بلادهم عاصمة للثقافة . ورغم ظروفي الصحية قبلت الدعوة لحضور المؤتمر خاصة و أني رئيسة لجنة المرأة بالمنظمة ، و كانت فرصة رائعة لتصحيح الصورة المشوهة التي زرعتها قناة الجزيرة و تابعتها السي إن إن في عقول العالم حول الثورة المصرية . وفي لقاء مع عضوات لجنة الكاتبات حضره رئيس المنظمة و السكرتير الدولي شرحت ما مرت به المرأة المصرية من أزمات ومعاناة بعد ثورة الخامس و العشرين من يناير ، و طوال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي . وكيف أظهر العداء لكل القوي الفاعلة و المؤثرة في البلاد ؛ القضاء أولا ثم الصحافة ثم الإعلام والمرأة و هلم جرا .. الأمر الغريب الذي لا يمكن تفسيره هو إهمال العرب لهذه المنظمة المهمة علي الرغم مما يعانيه الكتاب من ظلم واضطهاد يصل إلي حد تهديد الحياة أحيانا في المنطقة العربية . فمن بين أعضاء جامعة الدول العربية لا فروع لمنظمة القلم للكتاب الا في مصر و فلسطين و الأردن والمغرب والعراق ، و قدم اللبنانيون و السودانيون طلبين لإنشاء فروع بهما إلا أن الجهود لم تتواصل ، و لم يحضر هذا العام الا ثلاثة وفود هي مصر و فلسطين والعراق . أما الأفارقة فلديهم 18 فرعا للمنظمة وقد أنشأوا فرعا أفريقيا تابعا لها أطلقوا عليه إسم "بان " ، مختصر لكلمتي القلم الأفريقي. وقد فاز بعضوية مجلس ادارة المنظمة العديد منهم ، في انتخابات مجلس الادارة للعامين القادمين تم انتخاب محمد شريف من سيراليون رئيس نادي القلم السابق ، وشاعر كوري وكاتب ياباني وهو مايبين حرص الأعضاء علي التنوع العرقي لمنظمتهم . وفي الأسبوع القادم أتابع ماجري في المؤتمر.