يحتفل أحرار العالم هذه الأيام بذكري مرور نصف قرن علي خطاب الحلم الذي ألقاه «مارتن لوثر كنج» القس الأمريكي الأسود ومؤسس حركة الحقوق المدنية التي نظمت احتجاجات الافريقيين الأمريكيين ضد التفرقة العنصرية ثم اغتاله العنصريون المعادون للسود والسمر الأفارقة القادمين من البلدان العربية وبلدان أمريكا الجنوبية. ألقي «مارتن لوثركنج» خطابه «لدي حلم» في حشد من مائتين وخمسين ألف مواطن ومواطنة أمام تمثال «لنكولن» الرئيس الذي صدر في ظله إعلان تحرير العبيد قبل مائة عام من ذلك التاريخ سنة 1963. نحي مارتن لوثر كنج خطبته المكتوبة جانبا حينذاك بعد أن صاحت فيه إمرأة قائلة حدثهم عن الحلم يا مارتن.. حدثهم عن الحلم وارتجل خطابا اصبح الآن جزءا من تراث التحرر والديمقراطية في الولاياتالمتحدةالامريكية وفي العالم لانه حلم الانسانية الحرة حرية حقيقية قائمة علي العدل والمساواة والكرامة الانسانية ومحو التمييز إلي الأبد. قال لدي حلم أن يعيش أولادي الأربعة في أمة لا يحاكمهم فيها أحد بسبب لون جلدتهم، وانما يكون المعيار فيها هو محتوي شخصياتهم.. أي انسانيتهم وعطاؤهم وقدراتهم التي ستفتح بدون أي عوائق. وكان الخطاب شهادة حية علي القوة الداخلية العارمة للرجل الذي قاد حركة الحقوق المدنية وبعد خمسين عاما لايزال هذا الخطاب قادرا علي تحريك مشاعر الملايين خاصة وان بقايا ممارسات التمييز العنصري لاتزال عالقة وفاعلة حتي بعد انتخاب رئيس من اصل افريقي اذ قال احد المفكرين الكبار ان انتخاب رئيس أسود أدي إلي التغطية علي حقيقة التمييز العنصري القائم في المجتمع الامريكي فلا تزال أمريكا عنصرية بعد خمسين عاما من الحلم ومائة وخمسين عاما من اعلان تحرير العبيد. فالعنصرية ليست مجرد التمييز ضد السود والصفر والملونين والنساء والمسلمين واليهود، ولكنها ايضا قرين الانقسام الاجتماعي الهائل في المجتمع الامريكي ولنتذكر في هذا الصدد أن حركة احتلوا وول ستريت قبل عام كانت قد أعلنت ان واحدا في المائة فقط من الامريكيين يستولون علي الجزء الاكبر من ثروة البلاد وان الاحتكارات التي أنتجت التوسع الاستعماري وحولت أمريكا إلي شرطي العالم أفسدت حياة الناس ليس في الولاياتالمتحدةالامريكية وحدها وانما في كل البلدان التي قامت بغزوها أو اخضاعها لشروط التبعية من افغانستان للعراق ومن باكستان للصومال لمصر وقد تمردت مصر أخيرا علي هذه التبعية. وانطلقت كل هذه الممارسات الاستعمارية من نظرة عنصرية للعالم نهضت علي تفوق الجنس الابيض وتفوق الثقافة الغربية عامة وهو ما قال به احد فلاسفة الامبريالية في العصر الحديث صامويل هنتجتون رجل الأمن القومي الامريكي وصاحب نظرية صراع الحضارات الذي رأي أن هذا الصراع سيدور بلا نهاية بين حضارة الغرب المسيحي الابيض الذي توصل الي الديموقراطية واستطاع ان يجعل من اللغة الانجليزية لغة عالمية في مواجهة حضارة الشرق التي لم تعرف ولن تعرف الديموقراطية وتتمثل في الاسلام والكونفو شيوسية والبوذية وهي تضم اجناس السود والملونين والصفر أي الأجناس الدنيا طبقا للرؤية العنصرية وينظرهؤلاء العنصريون بغرور وتعال إلي البلدان الصغيرة ويحتقرون ثقافتها وتراثها ويحولون نظرتهم هذه إلي فعل وممارسة تصل الي ذروتها في العدوان العسكري فضلا عن العدوان النظري الكامن في الرؤية الاستشراقية الاستعمارية ضد هذه البلدان حين تتمردد علي الهيمنة الامريكية وتقرر الخروج من بيت الطاعة الامريكي الاستعماري. حين زرت فيتنام عام 2001 صحبني مرافقي إلي متحف التحرير في مدينة «هوش منه» دسايجون قبل توحيد فيتنام، وهناك شاهدت صورا وسمعت حكايات تصعق أي وجدان سوي عن ممارسات الجيش الأمريكي في فيتنام وكنت أتساءل طيلة الوقت من أي نبع آسن ومتعفن شرب هؤلاء الجنود خصائص القسوة والتوحش واطلقوها ضد شعب من الفلاحين الفقراء كانت مقاومته عنوانا لبسالة الشعوب في الدفاع عن حقوقها وسيادتها ورفض هيمنة الاستعمار واستنهاض كل تراثها الايجابي وثقافتها من أجل التحرر والكرامة. ورغم هزيمة الاستعمار الاحتلالي القديم بعد معارك باسلة خاضتها الشعوب ضد الامبريالية في القرن العشرين، ورغم الأزمة العميقة التي تعيش فيها النظم الرأسماليسة الاستعمارية وربما بسببها يجدد الاستعماريون ثقافة الحرب والقوة ويضخون ماء الحياة في العنصرية والاستغلال دفاعا عن النهب المنظم لا لثروات البلدان الصغيرة فقط وانما لشعوبها التي تضربها البطالة وتراجع مستوي المعيشة كأرضية خصبة لانتعاش الأفكار العنصرية المعادية للشعوب واللجوء الي الاكاذيب والخداع والحيل لتوجيه الضربات العسكرية كما هو حال التربص بسوريا الآن. ولكن وفي ظل هذه العتمة والهجمة الاستعمارية الجديدة يبرز كعنقاء من تحت الرماد خطاب الحلم «لمارتن لوثركنج» حلم التضامن والاخاء والعدالة والمساواة والكرامة وهو نفس الحلم الذي اطلقته ثورة 25 يناير في مصر 2011 وجددته وسوف نظل نحلم ونحول الاحلام إلي واقع.