بعد حلف الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليمين الدستورية لينصب للمرة الثانية رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية كأول أفروأمريكي يصعد لدفة السلطة الأمريكية المتمثلة في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض بعد كفاح طويل للأفروأمريكان من أجل الحصول على حقوقهم المدنية من براثن العنصرية الأمريكية لمئات السنين و كان من ضمن فرسان الكفاح ضد التمييز العنصري المناضل الأفروأمريكي الشهير و الكبير د/مارتن لوثر كنج الذي قال عام 1963 بواشنطون دي سي [لدي حلمًا بأن أرى أبناء جلدتي في مصاف البيض لا يتم التمييز بينهم إلا من خلال أعمالهم و جوهرهم الإنساني] و بما وصل إليه أوباما يكون حلم مارتن لوثر كنج قد تحقق من خلال قول أوباما [انا الحلم]. ولد مارتن لوثر كنج يوم 15 يناير من عام 1929 بأتلانتا عاصمة ولاية جورجيا و هي ولاية معظم قاطنيها من الزنوج و كانت تعاني تلك الولاية كباقي الولاياتالجنوبية من التفرقة العنصرية بين البيض و السود و هذا ما جعل كنج يحمل على عاتقه بعد ذلك هم كسر تلك القيود و الأغلال الملتهبة و المهددة للوحدة الأمريكية ، كان والد مارتن لوثر كنج قسيسًا في كنيسة أتلانتا و سماه والده بمارتن لوثر كنج تيمنًا بالقس الألماني (مارتن لوثر) مؤسس طائفة البروتستانت ، و كان الصبي (مارتن لوثر كنج) يعاني من العنصرية من أقرانه البيض و كان يبكي من تلك المعاملة السيئة فذهب يشكو أمه من هذه المشكلة فقالت له (لا تدع هذا يؤثر عليك بل لا تدع هذا يجعلك تشعر أنك أقل من البيض فأنت لا تقل عن أي شخص آخر) و بعد هذه الكلمة الحاسمة الحازمة كانت نقطة التحول في حياة كنج ألا يعبأ بكلام الآخرين حتى يثبت للجميع عكس ما كان يُقال عن الأفروأمريكان من خلال عمله و خلقه. في عام 1935 دخل كنج إلى المدارس العامة و منها إلى مدرسة المعمل الخاص بجامعة أتلانتا ثم ألتحق بمدرسة (بوكر واشنطون) و أثبت تفوقًا ملحوظًا على أقرانه مما جعله يلتحق بالجامعة في آواخر 1942 حيث درس بكلية (مورهاوس) و التي ساعدت على توسيع إدراكه في ما أُهل له بخدمة المجتمع و الإنسانية بما يفيدها و يضاف لها و في عام 1947 عمل مساعدًا بكنيسة أتلانتا التي يعمل بها أبيه و في عام 1948 حصل على بكالوريوس الآداب في مجال علم الاجتماع و الدراسات الإنسانية و هو في التاسعة عشر من عمره و في هذا العام تعرف على الفتاة التي تدعى (كوريتا سكوت) و التي تزوجها عام 1953 و كانت رفيقة كفاحه فيما بعد و حصل على الدكتوراة في علم (اللاهوت) من جامعة بوسطن في 1953. في عام 1954 أنتقل كنج هو و زوجته من أتلانتا إلى مونتجمري في سبتمبر و كانت العنصرية على أشدها و أجيجها إلى أن جاء الموعد لكنج مع النضال و الصياح في وجه التمييز العنصري عام 1955 في شهر ديسمبر حينما قامت السيدة (روزا باركس) و هي أفروأمريكية جلست في المقعد الخاص بالبيض و كان أخر صفين بالحافلة مخصصة للملونين فقام بائع التذاكر بتوجيهها بأن تجلس في الأماكن المخصصة للملونين و لكنها صاحت بأن من حقها أن تجلس في المكان الذي تبغيه مما أدى إلى أخذها للشرطة و إيداعها في السجن حتى جاء المارد الأسمر مارتن لوثر كنج ينظم من خلال كنيسة إليبنزر التي كان يترأسها فلجأ إلى مبدأ (السيتياجراها) الذي أوجده المناضل الهندي الكبير (المهاتما غاندي) و هو مبدأ (المقاومة السلمية) و هو فرع مهم من فروع (العصيان المدني) حيث قام بتوجيه الأفرو أمريكان بمقاطعة شركات الحافلات الخاصة بالبيض و مقاطعة محطات الوقود و كان السود يمثلون 70% من ركاب تلك الحافلات و بسبب تلك المقاطعة أُلقي القبض على (مارتن لوثر كنج) بتهمة (القيادة بسرعة 30 ميلاً في الساعة في منطقة أقصى سرعة فيها 25 ميلاً) و أُلقي به في زنزانة بها كافة أنواع المجرمين بكافة جرائمهم مما ترك أثرًا نفسيًا عميقًا في نفسه حفزته على المقاومة و مواصلة الكفاح رغم سوء المعاملة التي تلقاها من الزنزانة إلى أن أُفرج عنه بضمان شخصي و عند وصوله لمنزله أُلقيت قنبلة على منزله و وجد عددًا من السود حاملين للسلاح من أجل مقاومة العنصرية بالعنف فصاح فيهم قائلاً (دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف) و بعد هذا الحادث ألقي القبض عليه هو و مجموعة من القادة البارزين بتهمة الإشتراك في إعاقة العمل دون سبب قانوني لتلك المقاطعة ، استمر الإعتقال إلى أن جاءت 4 من السيدات تقدمن بطلب إلغاء العنصرية في الحافلات بمونتجمري للمحكمة الاتحادية و أصدرت المحكمة حكمها التاريحي بعدم قانونية التمييز العنصري بالحافلات و من هنا طلب كنج من أنصاره بإنهاء المقاطعة و العودة لإستخدام الحافلات بتواضع و دون خيلاء و من هنا تم الإفراج عنه. بعد تلك الحادثة أصبح كنج حديث الساعة في الولاياتالمتحدةالأمريكية و أُستقبل في كافة أمريكا إستقبال الأبطال و أثناء ترحيب الناس به في إحدى المحلات تعرض كنج لمحاولة إغتيال عام 1957 من سيدة بيضاء حيث طعنته في صدره بفتاحة جوابات و لكن تم إنقاذه من تلك المحاولة الفاشلة و كأن الخطر مصير كل من ينادي بالحق و الفضيلة و رغم تلك المحاولات المضنية للتخلص منه جاءت الأقدار لتخفف عن تلك الطعنات الغادرة في صدره بمنحه ميدالية (سينجارن) التي تمنح لكل من يواجه و يحارب العنصرية و كان أصغر شخص و أول قسيس يفوز بتلك الجائزة في شهر يونيه من عام 1957 و كان في السابعة و العشرين من عمره ، و في نفس العام ذهب (مارتن لوثر كنج) إلى النصب التذكاري لإبراهام لينكولن محرر العبيد في واشنطون دي سي يهاجم في خطبته الرنانة الحزبين السياسيين الرئيسيين (الجمهوري – الديمقراطي) لممارستهما العنصرية قائلاً بصيحته الشهيرة (أعطونا حق الانتخاب) و نجحت مساعيه في أن يجعل خمسة ملايين أفروأمريكي في سجلات الناخبين في الجنوب مذكرًا بني جلدته بالمهاتما موهانداس غاندي الذي جلب من جنوب أفريقيا حق الهنود في الانتخاب من براثن الأسد البريطاني عام 1915. ظل (كنج) مواصلاً لكفاحه ضد العنصرية في عهد الرئيس الأمريكي (دوايت أيزنهاور) إلى أن جاء الرئيس الأمريكي (جون كيندي) حيث لازال أصغر من تولى رئاسة أمريكا و رغم أن كيندي يُعد النسخة العشرينية نسبة للقرن العشرين لإبراهام لينكولن إلا أن كنج لم يسلم في عهده من الإعتقال حيث دعا كنج إلى مظاهرات بيرنجهام و أثناء تلك المظاهرات حدثت مشادة بين المتظاهرين و رجال الشرطة البيض إلتحامات بالعصي و الكلاب البوليسية فصدر أمرًا قضائيًا بمنع كل أنواع الإحتجاج و الإعتصام و المظاهرات و لكن لم يبالي كنج بهذا الحكم فتحدى علانيته بأن قام بعمل مظاهرات في برنجهام و كان هتاف المتظاهرين (حلت الحرية ببرنجهام) فألقي القبض على كنج و أُودع في السجن و حرر خطابًا يُعد من أهم المراجع في حركة الحقوق المدنية موضحًا فلسفته في نبذ العنف و النصر بالصمت القاتل الفعال. خرج كنج من السجن بكفالة و واصل طريقه حينما جعل الأطفال في الصفوف الأمامية من المظاهرات و كانه يربي النشأ على الكفاح و في تلك المظاهرة قُتل عدد كبير من الأطفال لم يزد عمرهم عن السادسة بالعصي و الكلاب المتوحشة للشرطة مما أجج غضب الأفارقة الأمريكان حتى جاء قرار (جون كيندي) بإعلان حالة الطواريء من قبل قوات الجيش و تصاعدت الأحداث إلى أن طلب كنج من المتظاهرين الهدوء و الصمت. في 29 أغسطس 1963 دعا كنج لمظاهرة بواشنطون دي سي أمام النصب التذكاري لمحرر العبيد الرئيس رقم 16 (إبراهام لينكولن) محتشدًا 250 ألف شخص كان من بينهم نجوم هوليود كسيدني بواتيه و مارلون براندو شارلتون هيستون و نجوم الفكر و الأدب و كان يصيح صيحته الشهيرة (لدي حلمًا) و التي تعد من أشهر الخطب في القرن العشرين و التي قال فيها (لدي حلمًا بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم) و تلك الخطبة جعلت كنج أول أفروأمريكي يحصل على شخصية العام عام 1964 في مجلة التايم و كانت برينجهام هي مصدر شعلته الثورية حيث تفجرت إحدى الكنائس التي بها عدد كبير من الزنوج و التي جعلت كنج يجعل من برينجهام صيحة الغضب للأفرأمريكان و رغم تلك الحادثة جاء قانونًا عام 1964 بعدم قانونية التفرقة بين البيض و السود من الرئيس ليندون جونسون و من هنا كان موعد كنج مع المجد العالمي في (أوسلو) العاصمة النرويجية حيث حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1964 في 10 أكتوبر و تسلمها في 10 ديسمبر 1964 و خطب فيها و عبر عن سياسة نبذ العنف التي نهلها من المهاتما غاندي قديس القرن العشرين و هو يُعد من أصغر من حصلوا على تلك الجائزة حيث كان عمره وقتها 35 عامًا. كانت هناك مناوشات سياسية و خطابية بين مارتن لوثر كنج و مالكولم إكس (الحاج مالك شباز) حيث كان مالكولم إكس يسخر من سياسة نبذ العنف و كنج و كان كنج يرد عليه عبر البرامج التليفزيونية و أعترض مالكولم إكس على منح كنج جائزة نوبل للسلام و العنصرية لم تنتهي بعد و لكن بعد أداء ملكولم إكس للحج عام 1964 و تغير فهمه للإسلام بعد أن أكتشف أن الإسلام الذي نهله من جماعة أمة الإسلام كان مغلوطًا تمت المصالحة بينهما و كان هناك تعاونًا وثيقًا بين الزعيمين زعيم المسلمين و زعيم المسيحين و تم إزاحة ذكرى عدم رد كنج على خطابات مالكولم إكس و التي كان يعطيها لسكرتيره للرد عليها لتبدأ صفحة جديدة في النضال الأفرأمريكي. كان مارتن لوثر كنج من أشد المعارضين لحرب فيتنام التي إندلعت نيرانها في عهد ليندون جونسون و إشتدت أكثر في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون فكان كنج ينظم المظاهرات و الإعتصامات ما بين حاخامات و قساوسة لنبذ الدماء و الحروب التي تراق و تندلع باسم الحرية و الديمقراطية و أثناء تلك المظاهرات تعرض كنج لإتهامات باطلة جعلت أنصاره في تقلص و ذلك من خلال تهم ملفقة من (مكتب التحقيقات الفيدرالية) و كانت تأتي له مكالمات تهديدية بالقتل و الإغتيال و لكن ظل مناضلاً رغم تلك المخاطر الشرسة و الملتهبة حتى جاء يوم 4 أبريل من عام 1968 كان كنج مستعدًا للمشاركة في مظاهرات مع جامعي النفايات بممفيس فكان وقتها في إستراحة ممفيس متأهبًا للذهاب إلى المظاهرة فإذ بجيسي جاكسون أحد أنصاره يقول له بأن يُحضر معطفًا لإحتمالية هطول أمطارًا غزيرة في هذا اليوم فإذ و هو يعود تأتي طلقة نارية من بندقية آلية لترتكز الرصاصة في حنجرة (مارتن لوثر كنج) مسدلةً ستار الكفاح على حياة مناضلاً كبيرًا يذكرنا بعنترة بن شداد و الزناتي خليفة و محمد علي كلاي و لكن بثوب الهدوء القاتل و النصر الصامت المتمثل في سياسة نبذ العنف و كان (مكتب التحقيقات الفيدرالية) له يد في هذا الإغتيال بتأجير (جيمس إيرل راي) لقتله و حكم عليه بالسجن 99 عامًا و مات في السجن عام 1994. في عام 1977 منح الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ميدالية الحرية في ذكرى إستقلال أمريكا 4 يوليه لمارتن لوثر كنج تسلمها والده و زوجته (كوريتا سكوت) و في عام 1986 قرر الرئيس الأمريكي رونالد ريجان بتخصيص ثالث أسبوع من يوم الإثنين عطلة رسمية لذكرى ميلاد كنج و تخلد اسم كنج أكثر فأكثر يوم إعتلاء (باراك حسين أوباما) منصة حلف اليمين يوم 21 يناير 2009 كأول رئيس أفروأمريكي يتولى رئاسة أمريكا مجسدًا حلم كنج بواقعيته لا بورديته و أثناء تسلم (أوباما) لجائزة نوبل للسلام عام 2009 قال: (لقد قال كنج لدي حلمًا و أنا أقول لكم على الملأ أنا الحلم).