بدء التصويت في جولة الإعادة ب19 دائرة ملغاة بانتخابات النواب    مصدر أمني: انتظام الخدمات الأمنية بمحيط لجان الدوائر ال 19 الملغاة من انتخابات النواب    تراجع رسمي بعد ساعات.. البحيرة تلغي قرار منع جلوس السيدات بجوار السائق    روسيا تعلن إسقاط 7 مسيّرات أوكرانية وكييف تتعرض لهجوم صاروخي    الأرصاد تحذر من اضطراب الملاحة البحرية على هذه الشواطئ    الإعلان التشويقي لفيلم الإثارة Apex وهذا موعد عرضه رسميا (فيديو)    في غياب الدوليين.. قائمة النادي الأهلي لمواجهة المصرية للاتصالات "وي" اليوم بدور ال 32 من كأس مصر    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 27 ديسمبر 2025    مصرع شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى مدينة 6 أكتوبر    أخبار مصر: قرار لمحافظ البحيرة بشأن ركوب "السيدات بالمقعد الأمامي"، موقف ترامب من "أرض الصومال"، درس من أبوريدة لمحمد هاني    اليوم.. جنايات الإرهاب بوادي النطرون تنظر محاكمة «تكفيري» أسس جماعة إرهابية    من 8 صباحا والعودة مفتوحة، فصل الكهرباء اليوم عن 5 مناطق في إسنا جنوب الأقصر    انفصال بعد 21 عامًا يشعل السوشيال.. داليا مصطفى في صدارة الاهتمام وتفتح صفحة جديدة فنيًا    منها السرطان والخصوبة، النوم بجانب هاتفك يصيبك ب 4 أمراض خطرة على المدى الطويل    "التحالف الوطني" يُطلق مسابقة "إنسان لأفضل متطوع" ويوقع أعضاؤه أول ميثاق أخلاقي مشترك للتطوع في مصر| صور    ضبط 11 محكومًا عليهم والتحفظ على 4 مركبات لمخالفة قوانين المرور    عماد الزيني رئيسًا ل "هواة الصيد" ببورفؤاد.. والجمعية العمومية ترسم لوحة الانتصار ب 2025    افتتاح مسجد «عبد الله بن عباس» بمدينة القصير بتكلفة 7.5 مليون جنيه| صور    جاهزية 550 مقرًا انتخابيًا في سوهاج لجولة الإعادة بانتخابات مجلس النواب 2025    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد    بورسعيد تهدي الوطن أكبر قلاعها الطبية.. افتتاح المستشفى الجامعي| صور    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    مدرب مالي يهاجم التونسي هيثم قيراط حكم ال VAR بعد التعادل أمام المغرب في أمم إفريقيا    شاهد.. حريق هائل يلتهم أكشاك بمحيط محطة رمسيس| فيديو    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    البروفيسور عباس الجمل: أبحاثي حوّلت «الموبايل» من أداة اتصال صوتي لكاميرا احترافية    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    طارق سليمان: شخصية محمد الشناوى الحقيقية ظهرت أمام جنوب أفريقيا    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    الشدة تكشف الرجال    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    إقبال كبير من أعضاء الجمعية العمومية لانتخابات الاتحاد السكندري    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    الليلة في أمم إفريقيا.. المغرب يصطدم بمالي في مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الاتصال».. حاجة إنسانية..يتحول الفرد بدونه إلي مريض نفسي 1-4
نشر في الأهالي يوم 12 - 08 - 2010

يحاول الدكتور قدري حفني في دراسته الضافية «الاتصال والعولمة» تقصي جذور وحاجات الاتصال بين أفراد المجتمعات وعلاقة ذلك بالعولمة وما تفرضه من أشكال اتصال جديدة، وفي هذا الجزء من الدراسة يتتبع طرق الاتصال البدائية وأنواعها وكيف نشأت الحاجة لها، كما يفسر أسباب وضرورات ظهور طرق الاتصال الحديثة، ويشير قدري
قبل هذا وذاك إلي أهمية الاتصال بين المجتمعات وأفرادها وضرورات ذلك النفسية.
الاتصال حاجة إنسانية قبل أن يكون ضرورة اجتماعية. وتؤكد تجارب علم النفس، فضلا عن الخبرة الإنسانية العامة، أن إغلاق منافذ الاتصال يؤدي بالفرد إلي معاناة نفسية - بل بدنية - قاسية - وتؤدي تلك الحالة إذا ما استمرت إلي انهيار نفسي كامل يتحول معه الإنسان إلي كائن رخو فاقد تماما لجهاز مناعته النفسية إذا ما صح ذلك التعبير. ولو تركنا علماء النفس وتجاربهم جانبا، ونظرنا في أنفسنا، وإلي البشر من حولنا، لوجدنا الصورة أكثر وضوحا. فالمرء مهما كانت انطوائيته، ومهما كان عزوفه عن البشر، لا بد أن يضيق بوحدته بعد فترة تطول أو تقصر. ولا بد أن يبحث لنفسه عن «آخر» يأتنس به، ويتفاعل معه. ولا بأس بعد ذلك من عودته إلي قوقعته من جديد.
وحتي في بعض حالات المرض العقلي المتطرفة، وحين يتعذر علي «المريض» ممارسة الاتصال المتبادل بالآخرين، فإنه يصطنع - أو يتوهم- لنفسه آخرين يقيم معهم من العلاقات الاتصالية ما يبدو لنا غريبا وشاذا. خلاصة القول إذن أن الحاجة إلي الاتصال حاجة إنسانية، شأنها شأن حاجة الإنسان للطعام والشراب والنوم وما إلي ذلك من حاجات أساسية.
ولعلنا لا نجاوز الحقيقة إذن إذا ما سلمنا بأن الإنسان يمارس الاتصال منذ بداية الوجود البشري. ولعلنا لا نجاوز الحقيقة كذلك إذا ما سلمنا أيضا بأن ممارسة الاتصال باعتباره حاجة إنسانية كان سابقا علي توصل الإنسان لأبجديات اللغة كما نعرفها اليوم، ولكن تري كيف كان ذلك؟
لقد كان أول أشكال الاتصال البدائي يتمثل في استخدام الإنسان التعبيرات الجسمية كوسيلة لنقل انفعالاته وأحاسيسه إلي الآخر. وقد شملت تلك التعبيرات الجسيمة أجزاء الجسد جميعا :العيون، الأنف، الشفتين، الذراعين، اليدين، الأصابع، الكتفين، حركة الجسد ككل... إلي آخره. ومازالت لغتنا اليومية المنطوقة بل والمكتوبة أيضا تحمل آثارا من تلك اللغة القديمة، لغة التعبيرات الجسمية. ويكفي أن نتأمل تعبيرات مثل : " أوليته ظهري" - "فتح له ذراعيه" - "شمخ بأنفه" - "ربت عليه" - "قلب شفتيه" - "تمايل طربا" - "هز كتفيه".. إلي آخره.
ولو تركنا جانبا لغتنا المنطوقة والمكتوبة لوجدنا دليلا آخر علي عمق جذور تلك اللغة القديمة إذا ما تأملنا أساليب الاتصال لدي الطفل قبل اكتسابه اللغة. إن الأطفال يشبعون حاجاتهم الاتصالية منذ البداية بذلك الاستخدام الماهر التلقائي لتعبيرات الجسد. والطريف أن الكبار - وخاصة الأمهات - يستعيدون فورا قدرتهم المرهفة القديمة علي " قراءة" تلك التعبيرات الجسمية الصادرة عن أطفالهم، وترجمتها، والرد عليها. الأم " تقرأ" نظرات طفلها، وهمهماته، وحركات رأسه. بل إنها كثيرا ما تستطيع أن تميز بدقة بالغة بين بكاء العتاب، وبكاء الخوف، وبكاء الجوع وبكاء الرغبة في النوم، أو الحاجة إلي تغيير الملابس، أو الرغبة في أن تحمله علي ذراعيها... إلي آخره. ولكن ما إن يبدأ الطفل في النمو واكتساب اللغة، حتي يعزف شيئا فشيئا عن الاعتماد علي تلك اللغة القديمة. وعادة ما يشجعه الكبار علي ذلك سواء بالتعبير له عن فرحتهم به وهو ينطق كلماته الأولي، أو بتوجيهه مباشرة إلي ضرورة استخدام اللغة المنطوقة وإلا كفوا عن استقبال رسائله : "قل ما تريد... تكلم... عبر بالكلمات... كف عن استخدام الإشارات ". ولو حاولنا أن نصنف تلك اللغة القديمة وفقا للتصنيفات التي تعرفها علوم الاتصال الحديثة، لوجدنا أنها نوع من أنواع الاتصال الشخصي، أو بعبارة أخري أكثر أصالة "الاتصال وجها لوجه ". ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلي تعبيرنا العامي الدارج "عيني في عينك " بمعني واجهني مباشرة لأعرف مدي صدق ما تنطق به.
خلاصة القول إذن أن الاتصال الشخصي، أو الاتصال وجها لوجه، هو أقدم أنواع الاتصال من حيث السياق التاريخي سواء علي مستوي المجتمع، أو علي مستوي الفرد. ولكن، تري ما الذي حتم ظهور نمط آخر من أنماط الاتصال هو " الاتصال الجماهيري "، بل سيادته شيئا فشيئا ؟ هل يرجع ذلك إلي مجرد حداثته أو كفاءته؟ قد يكون كل ذلك صحيحا، ولكنه غير كاف وحده للتفسير. لابد من حتم اجتماعي جعل من انتشار الاتصال الجماهيري ضرورة اجتماعية.
لماذا نشأ الاتصال الجماهيري؟
إن الضرورة الاجتماعية التي حتمت ظهور وانتشار الاتصال الجماهيري تتمثل - فيما نري - في ثلاثة عوامل متكاملة: زيادة أعداد البشر، واتساع المعمورة، وتبلور ظاهرة السلطة المركزية .
1- زيادة أعداد البشر
إن فعالية الاتصال الشخصي - بحكم طبيعته - ترتبط بصغر حجم الجماعة التي يتم في إطارها الاتصال، وإذا ما تجاوز حجم جماعة الاتصال حدا معينا تحول نمط الاتصال إلي الشكل الأقرب للجماهيري، أو تفتتت الجماعة إلي جماعات اتصالية أصغر تمارس الاتصال الشخصي، ولسنا بحاجة للإشارة التفصيلية إلي تجارب علم النفس الاجتماعي في هذا الصدد، بل يكفي أن نشير إلي ما نشاهده في حياتنا اليومية مما يؤكد ذلك.
لو تصورنا مجموعة من الأفراد يتوافدون علي مكان ما لحضور حفل أو اجتماع معين، أو لأي مناسبة اجتماعية أخري. سوف نلاحظ أن أوائل الحاضرين عادة ما يتحادثون "معا" في موضوع أو آخر. ومع تزايد عدد المتوافدين يتسع نطاق "الحديث معا". بعبارة أخري يتسع نطاق ممارسة الاتصال الشخصي. فإذا تجاوز حجم الجماعة حداً معينا لاحظنا أحد أمرين: قد تنقسم الجماعة إلي مجموعات أصغر أو " شلل" يتحادث أفراد كل شلة مع بعضهم البعض في موضوع أو آخر. أما إذا كان ثمة موضوع مهم يجذب اهتمام أفراد الجماعة جميعا -وقد يكون هذا الموضوع هو السبب المعلن لاجتماعهم- فإنهم عند بلوغ حجم الجماعة حدا معينا يكفون عن "الحديث معا"، ويبدأون في الانتظام وفقا لقواعد اتصالية معينة: يستمعون لمحاضرة مثلا، أو لموسيقي، أو لغير ذلك.
وتشير نتائج بحوث علم النفس الاجتماعي إلي أنه يصعب جداً إقامة تفاعل شخصي مباشر بين أفراد جماعة يزيد عدد أفرادها علي خمسة عشر فردا، وكلما قل العدد علي ذلك كان التفاعل أفضل. وإذا ما صدق ذلك علي جماعة لا يتجاوز عدد أفرادها العشرين، فكيف بنا إذا ما كنا بصدد الآلاف بل الملايين من البشر؟ كان لابد إذن لكي يتحقق اتصال فعال بين هذه الجماهير الغفيرة، دون أن تتفتت إلي جماعات صغري معزولة عن بعضها البعض، كان لابد من ظهور نمط جديد من أنماط الاتصال إلي جانب النمط الأصيل للاتصال الشخصي.
2- أتساع المعمورة
إن أعداد البشر لم تتزايد فحسب، ولكن المساحة المعمورة المأهولة بهم قد ترامت أطرافها وتباعدت. ولم يعد ممكنا والأمر كذلك أن تفي الأنماط التقليدية الأصيلة للاتصال وعلي رأسها الاتصال الشخصي بإشباع الحاجة الاتصالية للتفاعل بين قاطني هذه المساحات المترامية الأطراف.
إن الاتصال الشخصي بحكم طبيعته يقتضي أن يتواجد أفراد جماعة الاتصال معا بحيث يتبادلون التأثير الاتصالي، ومع التقدم التكنولوجي لوسائل الاتصال (البريد - الهاتف - الراديو - التليفزيون - الفاكس - التلكس.. إلي آخره) أصبح الاتصال غير المباشر أكثر إغراء حتي لو توافر القرب المكاني نسبيا. فالأيسر مثلا أن أتصل بجاري تليفونيا بدلا من زيارته وما قد تتكلفه تلك الزيارة من جهد ووقت لكلينا. والأيسر بطبيعة الحال أن أبعث بخطاب إلي صديق أو قريب يقيم في الطرف الآخر من نفس المدينة بدلا من أن أتكلف مشقة الانتقال إليه.
خلاصة القول إن التباعد المكاني، بالإضافة إلي التقدم التكنولوجي قد ساهما - فضلا عن التزايد السكاني - في تشكيل الضرورة الاجتماعية التي حتمت ظهور وانتشار الاتصال الجماهيري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.