الحريري لا يسعي للانتقام .. وحسن نصر الله لا يستبعد احتلال بيروت المبدأ الاستراتيجي الشائع الذي يقول «لا توجد صداقات دائمة .. ولا توجد عداءات دائمة» ينطبق علي الساحة اللبنانية جملة وتفصيلا، سواء علي صعيد الأوضاع الداخلية أو علي صعيد العلاقات الإقليمية، وخصوصا مع الشقيقة الكبري سوريا. آخر مستجدات الأحوال اللبنانية يتمثل في تحول دفة الاتهامات باغتيال رئيس الحكومة الأسبق الرئيس رفيق الحريري في فبراير 2005 نحو حزب الله، بعد سنوات من اتهام المحكمة الدولية المخصصة للتحقيق في تلك القضية من الارتباك وتوزيع التهم ما بين سوريا نفسها كنظام سياسي، وإلي شخصيات كبيرة في الجيش اللبناني، وجري بالفعل اعتقال أربعة من كبار الجنرالات، ثم أفرج عنهم بعد أكثر من عام من السجن لعدم كفاية الأدلة. رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري سارع بإلقاء بيان أكد فيه أن والده الشهيد رفيق الحريري قدم حياته من أجل لبنان الموحد القوي، وأنه لن يقبل ولن يسمح بأن تتحول دماء والده إلي سبب جديد لانفجار حرب أهلية أو مواجهات دموية مجددا في لبنان ، ومؤكداً في الوقت نفسه أن ملف اغتيال الحريري ليس وليد اليوم وإنما هو ملف قديم في عهدة جهات تحقيق محايدة، وأن القانون يجب أن يأخذ مجراه بعيدا عن أي تأثيرات خارجية، ومستبعدا أيضا دعاوي الثأر من قتلة الحريري في حال الكشف عنهم. والمهم أن سعد الحريري الذي يحاول نزع فتيل انفجار أزمة مع حزب الله، أقوي قوة مسلحة ومنظمة علي الساحة اللبنانية بعد الجيش اللبناني الرسمي، أكد لزعيم حزب الله حسن نصر الله أنه لن يعتبر أي اتهامات تصدر ستكون موجهة ضد حزب الله وإنما ضد أفراد منفلتين بحزب الله! محاولة تفادي صدام سريع بين سعد الحريري رئيس الحكومة زعيم تيار المستقبل وتحالف 14 آذار (مارس) من ناحية وحسن نصر الله زعيم حزب الله والقائد الفعلي لتحالف8 آذار (مارس) من ناحية أخري تهيمن علي الشارع السياسي في لبنان، حيث دخل علي الخط زعماء وقادة فصائل أخري طالبوا بضبط النفس،ومحاولة حصر قضية اغتيال الحريري في شقها الجنائي، وتأجيل النظر في الأبعاد السياسية لهذه الجريمة الآن حفاظاً علي حالة التوافق التي تسود الحياة السياسية اللبنانية في الوقت الذي أصر فيه نصر الله علي أن المحكمة مسيسة وأن حزب الله هو الهدف من الملاحقة. هدد نصر الله بالتصدي لهذه المؤامرة مهما كان الثمن، ما لم يتم ايقاف الاتهامات ضد حزبه ودون أن يبدي أي استعداد للدفاع عن حزب الله وكوادره وأعطائهم فرصة لتقديم أدلة النفي والبراءة التي قال الحزب إنه يمتلكها! مأزق حزب الله والحقيقة أن حزب الله في مأزق حقيقي، فالمحكمة حقيقة واقعة وأن كانت تستند إلي القوانين اللبنانية إلا أنها محصنة دوليا وتعمل وفقا لقرارات مجلس الأمن وخاصة الفصل السابع الشهير. ولا تقتصر المحاكمة علي اغتيال الحريري وإنما تمتد لمحاكمة الذين اغتالوا 22 شخصية سياسية لبنانية كلهم تقريبا ينتمون إلي تيار سياسي متقارب، وليس بينهم من يقترب سياسيا من أطروحات ونظريات حزب الله. وبالتالي لم يستبعد حسن نصر الله امكانية الرد علي مؤامرة المحكمة الدولية بتصعيد عنيف، مذكرا بتجربة الحزب في احتلال بيروت وفي أحداث شلل سياسي كامل في لبنان لم ينقذها سوي «حزب الله» نفسه باعطائه الموافقة علي انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة بعد انتخابات مجلس النواب التي فاز فيها تيار 14 أذار بالأغلبية. ضربة وقائية لحزب الله وهناك مخاطر حقيقية في اندلاع مواجهة جديدة في لبنان علي خلفية محاولة الحكومة تطبيق قرارتها وقرارات مؤتمر الدوحة للتوافق الوطني بضبط سلاح الميلشيات في ظل تصاعد قوة حزب الله العسكرية، وهو ما اعترف به نصر الله بامتلاك الحزب صواريخ قادرة علي ضرب الأسطول الإسرائيلي في البحر المتوسط. تمهيد الحرب ومع التصعيد المستمر في الأزمة بين إيران من ناحية والولاياتالمتحدة وحليفاتها وإسرائيل في المقدمة، فأن امكانية شن ضربة وقائية ضد حزب الله لتصفية أسلحته تبدو واردة جدا قبل حدوث أي تصعيد عسكري مع إيران. فإسرائيل تدرك أنها ستصبح هدفا مباشرا لصواريخ حزب الله في حالة حدوث هذا التصعيد، وهي لا تريد تكرار ما حدث عندما ضربت الولاياتالمتحدة العراق ، ورد العراق بضرب إسرائيل بالصواريخ. الموقف السوري أخيرا فإن سوريا تبدو في أفضل أحوالها السياسية هذه الأيام، فتوجيه الاتهام لحزب الله يثبت براءتها وقد عانت لسنوات من الاتهامات، وبالتالي انفتحت الطرق أمام زيارات الحريري لدمشق وقرب زيارة الأسد لبيروت حيث أصبح خصوم الأمس أصدقاء اليوم. سوريا لها حسابات إقليمية دقيقة، ولا تبدو دمشق مستعدة للمساهمة بأي دورفي حرب إيرانية أمريكية فهي وقفت إلي جانب إيران سياسيا، ولكنها الآن تريد تحقيق مصالحها باستعادة أراضيها المحتلة، وبالتالي لم تفقد الأمل في الدور التركي رغم الأزمة الطارئة مع إسرائيل في انجاز اتفاق سلام، وهي أيضا تراهن علي أن الرئيس أوباما يريد ابعاد سوريا عن التحالف مع إيران عبر المساهمة في انجاز اتفاق سلام مع إسرائيل، حيث تريد الولاياتالمتحدة وإسرائيل تهدئة الجبهة السورية، وتصفية جبهة حزب الله في لبنان واستمرار حصار حماس في غزة قبيل مواجهة مع إيران. حزب الله وحيدا وفي ضوء تلك الأوضاع يبدو حزب الله وحيدا دون حلفاء هذه الأيام فسوريا تركز علي قضاياها المباشرة، وتتجه نحو دعم النظام المدني العلماني بحظر النقاب وهي رسالة ذات مغزي في أنها لن تتحالف مع أنظمة عقائدية تقوم علي ولاية الفقيه، والقوي السياسية المختلفة في لبنان حتي داخل تحالف 8 آذار لا يمانعون في تقليم أظافر حزب الله بأي طريقة، بعد أن اختلت المعادلة السياسية اللبنانية بشدة، وقد يكون قرار الاتهام ضد حزب الله أو أي من كوادره بداية لتصحيح هذا الخلل سواء بحكم المحكمة أو بالقوة الكامنة في الفصل السابع.