من حق أوائل الثانوية العامة أن يشعروا بالفرح لتحقيق مراكز متقدمة في قائمة التفوق. من حق الحاصلين علي مجاميع مرتفعة التمتع بثمرة ما بذلوه من جهد واجتهاد وأن يسعوا لإحتضان لحظات السعادة مع أولياء أمورهم الذين لم يبخلوا بتوفير كل عوامل النجاح وامكانيات التفوق وسط الهموم والمشاكل التي تحاصر الجميع. لابد أيضاً أن نسأل ونتسائل.. هل نظام التعليم في المدارس الخاوية يمكن أن ينتج تفوق حقيقي؟ وهل الحصول علي مجموع مرتفع في ظل تدهور أوضاع التعليم يجعل المتميزون بالدرجات يتمكنوا من مواصلة التعليم الجامعي دون عقبات؟ يري د. حسني السيد بمركز البحوث التربوية أن الحصول علي درجات مرتفعة يعتبر «نوعا» من التفوق لكنه ليس تفوقا حقيقيا فالتفوق يعني تحقيق الطالب لما يهدف إليه المنهج الدراسي وتحقيق ذاته أيضا. بينما يرجع د. فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري التفوق إلي ما أسماه «الفيتامينات» التي تتمثل في الدروس الخصوصية التي تساعد علي التفوق الذي نراه الآن في ظل نظام تعليمي غير جيد وبالتالي لا يمكننا القياس علي هذا الوضع. استبعد د. فاروق ربط المجموع الكبير بالتفوق لأنه يراه نتيجة «برشامة مركزة وبمجرد زوال تأثيرها تعود حالة الجهالة للطالب». بينما يري د. محمد سكران رئيس رابطة التربية الحديثة إن حصول الطالب في الماضي علي نسبة 80%كان يعتبر متفوقا ويحصل علي مكافأة التفوق، لكن ما يحدث الآن يؤكد اختلاف معايير التفوق حيث من يحصل علي 90% لا يعتبر متفوقا. ويري د. جلال ناصف بهندسة الإسكندرية أن نسبة نجاح الطلاب المتفوقين في الثانوية العامة بعد دخولهم الجامعة لا تكون نسبا عالية بل قد يرسب الكثير منهم خلال سنوات دراستهم بكلية الهندسة وهي إحدي كليات القمة، بما يعني اعتمادهم علي الحفظ أثناء الدراسة الثانوية وعدم الاعتماد علي الفهم بشكل أساسي، لهذا لا يحصل الطالب علي نفس التقديرات خلال دراسته الجامعية. عبدالفتاح عبدالسلام مدير مديرية التعليم بالقاهرة سابقا يؤكد أن الطالب الحاصل علي مجموع عاليا في ظل نظام التعليم الحالي لا يعد متفوقا لاعتماده علي الحفظ والتلقين والامتحانات تركز علي قياس هذه القدرات، ونتيجة وجود سؤال عن كل باب بالمنهج الدراسي أعطي الفرصة لمدرسي الدروس الخصوصية بتوقع الأسئلة. ويتفق معه «د. محمد فتح الله» بالمركز القومي للامتحان ويعتبر تفوق الطالب في ظل نظام التعليم الحالي تفوق بالنسبة للزملاء وليس بالضرورة تحقيق التفوق العلمي مؤكدا أن النظام الحالي لا يساعد علي اكتشاف مبدعين لأن الاهتمام بالنجاح في الامتحان فقط وليس في المهارات، والمدرسين يهتمون بالأجزاء المهمة فقط بالمنهج التي يأتي منها الامتحان ولا توجد امتحانات جيدة، هناك امتحانات بها أخطاء تصل لنسبة 40% فكيف نثق في النتائج. أما د. شريف وصفي عميد هندسة حلوان يري أن الطلاب الذين يلتحقون بكليات القمة جميعهم متفوقون والدراسة الجامعية مختلفة تماما عن الدراسة المدرسية حيث يتم تأهيل الطالب من جديد لاستيعاب الطرق العلمية الجديدة والطالب المتفوق لا يقتصر تفوقه في التعليم فقط بل بعد التعليم في العمل والحياة الوظيفية. أما عن تأثير نظام التعليم في ظهور مبدعين فيقول محمد الشاذلي أحد خبراء التعليم، في ظل هذه الظروف لا توجد أدوات لاكتشاف المبدعين بالإضافة لكثافة الطلبة في المدارس حيث توجد فصول بها 80 طالبا فكيف نكشف الموهوبين؟!. وعن إمكانية أن تنتج المناهج طلبة متفوقين رد قائلا: «لأ طبعا» فالطالب بمجرد تأدية الامتحان ينسي المواد التي درسها. فلابد أن يعاد النظر في نظام التعليم ولابد من توفير موارد مالية لتحقيق التطور لنخرج شباب يستطيع العمل في السوق التوظيفي. «د. وليم عبيد» تربية عين شمس يقول: كثير من المتفوقين ذهنيا وعلميا لا يحصلون علي مجاميع مرتفعة وهذا لا يعني أنهم فشلوا في التعليم، كما أنه ليس بالضرورة أن يساعد نظام التعليم علي اكتشاف موهوبين ومبدعين، فبالرغم من أنه نظام غير سليم ولكن المبدعين يستطيعون شق طريقهم وسط أي صعاب وأكبر دليل علي ذلك ظهور موهوبين ومبدعين مثل «نجيب محفوظ» و«أحمد زويل». النظام التعليمي يحتاج لمزيد من التخطيط للمناهج وتدريب المعلمين حتي يصبح هناك مجال للإبداع، التطوير في مصر هو تطوير وزيري وليس مؤسسيا فكل وزير يأتي يقوم بتغيير نظام التعليم حسب أهوائه الشخصية، فالمشكلة مشكلة وزارة ومشكلة نظام مؤسسي يحتاج للتطوير، ولقد أنشئ «مركز تطوير الامتحانات» ومركز آخر تحت اسم «البحوث التربوية والتنمية» وأطلق عليه «فتحي سرور» وزير التعليم الأسبق لقب «عقل الوزارة»، والآن ماذا فعل عقل الوزارة؟! لم يفعل شيئا ولم يسمن ولا يغني من جوع ولم يساعد علي أي تطوير. د. «نادية جمال الدين» بمعهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة، تري ضرورة توقف «الإعلام» عن إحباط الطلاب وتشكيكهم في أي نجاح، فالامتحان الذي وضع ليقيس قدرات ومهارات معينة تفوقوا فيه، ولا نقول عنهم تفوقوا «بالحفظ والتلقين» فالحفظ في حد ذاته أحد القدرات الأساسية التي ينبغي أن توجد لدي كل إنسان. المشكلة ليست في الثانوية العامة في حد ذاتها وإنما في الرؤية المجتمعية للتخصص الجامعي وأيضا لقلة الأماكن في الجامعات مما يحرم عددا كبيرا من الطلاب للتقدم العلمي والتعلم الذي يأمله الطلاب. بينما يؤكد «محمد سامي أحمد حافظ» خبير تربوي أن معايير التفوق الحقيقية هي التي يدخل منظومتها بجانب «المجموع» قياس قدرات الطالب ومهاراته وقياس تأهيلهم في التعامل مع المجتمع بحيث يكون قيادة في يوم ما. أما د. «محمد عبدالظاهر الطيب» عميد كلية التربية بطنطا سابقا وعضو المجلس القومي للتعليم فيري أن الحصول علي مجموع كبير ليس دليلا علي التفوق وإنما هو جانب محدود يقيس القدرة علي الحفظ والاسترجاع، فيجب تعليم الطلاب ألا يحفظوا المعلومة من أجل المعلومة وإنما لاستخدامها في حل المشكلات. وأضاف أن «القمة» ليست في الكلية وإنما في الطالب الذي يتميز في كليته وينجز بها ويتفوق وأن يخرج منها بوظيفة ومكانة اجتماعية مرموقة ويضرب د، الطيب مثلا «كن رأسا لكلب ولا تكن ذيلا لأسد».