رسائل لعبدالناصر: «ماكنتش عارفة أقولك إيه كنت مكسوفة منك» دفتر الزيارات يحمل توقيعات عرب وأجانب وسفراء وشكاوي شباب «مُحبط وزعلان» تقرير: نسمة تليمة كنت أندهش وأنا في الجامعة من هؤلاء الشباب صغير السن الذي يرفع صور ذلك الرجل الذي حكم مصر في فترة ما ورحل.. كنت أتساءل من أين يعرفونه؟ ومن أين جاءوا بكل هذا الحماس في الهتاف باسمه؟ ويومها ذهبت لأسأل والدي.. مين جمال عبدالناصر؟.. لأن كتب التاريخ التي درسناها لم تذكر لنا الكثير عنه وأجابني والدي إجابات حتي لا أقع فريسة المبالغة كانت تمثل لي لحظتها بداية عشق من طرف واحد، وبعد سنوات كثيرة علمت فيها الكثير وأن سيرته تستحق أن يسطرها التاريخ بحروف من نور، لما أداه من دور لنصرة فقراء هذا الوطن وبناء نهضة لانزال نعيش علي أصدائها حتي اليوم.. من مشروعات عملاقة ضخمة كالسد العالي ونهضة مصانع حربية عملاقة ومحاولة ليست للاكتفاء الذاتي ونهضة فنية باللونين «الأبيض والأسود» مازلنا نعيش علي ذكراها، وإحساس بالمسئولية وتقدير لاسم مصر يوم الجمعة تحل الذكري الثانية والأربعين لرحيل جمال عبدالناصر واحتفالاتها ذهبت إلي ضريحه علني أجد ما يختلف ووجدت بالفعل دفتر زيارات كبير يمتلئ بما أبقاه في نفوس الكثيرين من محبة وعرفان بالجميل «أول مرة أحس إني عايزة أكتب لك انتقدتك كثيرا لكن لما شاركت في ثورة وعيشتها وشوفت ناس عايزة تركبها وناس عايزة تجهضها وناس تنهشها فهمت.. كان عندك حق يا ريس» والإمضاء لمنة شرف الدين يوم 23 يوليو 2012، في دفتر زيارات ضريح الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، دفتر كبير الحجم احتوي علي الكثير من العبارات المهمة والمؤثرة والتي لا نبالغ إذا قلنا أنها يمكن تحليلها بشكل نفسي للخروج بصورة أوضح عن حال المصريين.. الدفتر يمتلئ عن آخره رغم عدم انتهاء العام الحالي وقد أكد لنا الحارس إنه دفتر هذا العام فقط رغم حديثه عن قلة الزيارات للضريح عن العام الماضي نتيجة حالة الانفلات الأمني وأحداث العباسية وغيرها، إلا أنه امتلأ بإمضاءات وكلمات خرجت من القلب لزعيم وطني حمل معه حلم وطن ومشروع «حقيقي».. ولأننا حاولنا الاقتراب من قلوب هؤلاء لم نجد مفرا من المرور الهادئ علي صفحات دفتر زيارات عبدالناصر وتدوين بعض الكلمات لعلها تقرب الصورة المرتبطة بمشاعر إنسانية مميزة لرجل من المؤكد أنه صدق قومه فأخلصوا له. «ماكنتش بكتب كل مرة في الدفتر.. كنت مش عارفة أقولك إيه، كنت مكسوفة منك جدا عددنا قليل ومشتتين النهارة أنا بكتب لك لأننا عملنا ثورة بنفس أهدافك الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطني..». «عشت زعيما ومت زعيما ولم يأت من بعدك زعيم إلي جنة الخلد» «يشرفني ويطيب لي زيارة الزعيم جمال عبدالناصر أبوخالد للمرة الرابعة، رجل لا يتكرر، رجل في زمن قلت فيه الرجال»، هذا التوقيع جاء من شخص «سعودي»، البعض فضل أيضا كتابة النشيد الذي قيل في وداعه عام 1970 «الوداع يا جمال يا حبيب الملايين، الوداع ثورتك ثورة كفاح عشناها طول السنين» أيضا جاءت رسالة أخري مؤثرة تقول: لم أر دموعا في عين أبي وأنا صغير إلا يوم وداعك ولم أبك علي أحد إلا يوم فراقك، أحبك إلي أن القاك علي الحوض مع الرسول صلي الله عليه وسلم». أيضا شخص آخر كتب يتعجب من شخصية الزعيم الراحل: «عجيب انت يا سيدي.. تموت فتهب لأمة بأثرها الحياة، تثور فتتجلي ثورتك علي العالمين» «جئتك من اليمن.. وكل خطوة أحمد الله فيها سلاما من ساند ثورته وناصرتها يا ناصر..». كما يظهر من الموقعين علي الدفتر شخصيات أجنبية باللغة الفرنسية والإنجليزية والعربية ومن دول عربية كثيرة مثل اليمن، سوريا، السعودية، الكويت، الإمارات، لبنان، ليبيا من عرب يعيشون بدول أوروبية مثل هولندا، أيضا من حركات عربية ومصرية مختلفة مثل التيار الشعبي، الأحزاب، فنانين مخرجين، حركة نساء بلا حدود، الملاحظ أن الموقعين يزيد عددهم في ذكري ميلاده شهر يناير وذكري ثورة يوليو المجيدة. أما عن حارس الضريح الذي رفض الحديث معنا في البداية وطالبني بالذهاب للحصول علي تصريح من مدير الأمن علي بعد خطوات كثيرة من وزارة الدفاع فهو رجل في العقد الرابع من عمره يحرس الضريح منذ 12 عاما بعد وفاة الحارس السابق يؤكد لي الحارس أن الكثير من الشباب يأتي لزيارة الضريح «أجيال جديدة بتيجي تقرأ له الفاتحة يا ست»، عم فلان ده اللي رفض يقول اسمه خوفا من العقاب لا ينسي موقف معمر القذافي عندما جاء لزيارة ناصر في 2002 وبكي بكاء شديدا كأنه يبكي علي ابنه وكانت آخر زيارة له أيضا قبل ثورة يناير لا ينسي زيارة «روفائيل كاسترو» من كوبا وهوكان آخر رئيس دولة يزور ناصر في ضريحه واستقبلته ابنته من عبدالناصر وابنها جمال مروان، الحارس يؤكد أن الزيارات قلت علي الضريح خوفا من الانفلات الأمني خاصة وأنه بقرب وزارة الدفاع والعباسية وكلاهما مناطق سبق وحدث بها أحداث «مؤسفة» أما عيد الفلاح فلا ينسي عبدالناصر الذي أنصف الفلاحين ففي كل عام يأتي عدد كبير من الفلاحين لزيارة الضريح وآخر مرة منذ أيام قليلة حضر عدد كبير من الفلاحين وأحضروا ورود وقرأوا له الفاتحة وقد تكون هذه الزيارات من وجهة نظر الحارس أسعد الزيارات لأنها تعبر عن الوفاء والامتنان لرجل نصف أناس طيبون.. أكثر من يحضر للزيارة هم الفلسطينيون، الليبيون، اليمنيون كما يقول الحارس، وهناك كبار سن أيضا يأتون في أيام مختلفة دون تمسك بمناسبة ما، الأسبوع الماضي عندما ذهب كانت لاتزال أعمال التجديدات قائمة في الضريح والتي تقوم بها الأشغال العسكرية قبل ذكري الوفاة بفترة حيث يتم طلاء المكان وصيانته وتجديده. الحق أحدثكم أنني أول مرة أذهب لزيارة الضريح لكنها مرة مميزة بالنسبة لي، خاصة ونحن علي أعتاب عصر جديد قديم لا نعلي منه أو نضمن ما يأتي به لكنني فضلت التأمل في الضريح والحديث مع النفس وتخيل وجود عبدالناصر الآن، حتي أيقظني الحارس بكلماته «بعتنا دعوات للرئيس مرسي والوزراء في عيد يوليو لزيارة الضريح لكن ماحدش جه، وحضرت أسرته وبعض الشباب وهتفوا ضدهم، أيام مبارك كان بييجي في 6 أكتوبر كل عام ويبعت ممثل عن طنطاوي في ذكري وفاته» وينهي الحارس كلماته «أنا مبسوط إني بخدم في قبر عبدالناصر لأني من أصل بسيط من الناس اللي طبق عليهم قانون الإصلاح الزراعي واستلم أبويا أرض يزرعها.. الله يرحمهم الاثنين».. وعن إمكانية نقله إلي ضريح أي شخصية أخري يقول الحارس «هارفض طبعا هاقدم استقالتي لو طلبوا مني أحرس حد تاني». خارج الضريح شجرتان للزيتون تم زرعهما منذ فترة بجوار الضريح كهدية من فلسطينيين جاورهما وخاصة كتب عليها «من قلب فلسطين ومن أكتاف بيت المقدس أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين حُمل زيتون فلسطين وترابها وحجرها ليأخذوا مكانهم في مسجد المغفور له زعيم الأمة العربية وقائدها جمال عبدالناصر طيب الله مثواه تقديرا ووفاء للرجل الذي خدم شعبه وأمته وناضل من أجل فلسطين ومات في سبيلها».