في الكتابة السابقة تحدثنا عن رأي مجموعة من القياديين السابقين من جماعة الإخوان والذين تركوا الجماعة احتجاجا علي افتقاد الرؤية الإخوانية للديمقراطية سواء في بنائها الداخلي أو في علاقاتها بالآخرين من خارجها. وتوقفنا عند رأي د. عبدالله النفيسي الذي وجه انتقادات شديدة القسوة للهيكل التنظيمي للجماعة ولفكرة المرشد العام واحتكار السلطة في الجماعة في عدد محدود من القادة، ونمضي مع الدكتور النفيسي الذي يطالب الجماعة «بضرورة التفريق بين الدين كمعتقد وغاية وبين التنظيم كحشد ووسيلة، ذلك أن الخلط الحاصل بين الاثنين في جماعة الإخوان صار يؤدي أحيانا إلي استعمال الدين كوسيلة بهدف الحفاظ علي التنظيم كغاية في حد ذاته، وهذا مكمن الخطر علي الدين وعلي التنظيم وعلي المجتمع السياسي ككل، فالدين لا يمكن القبول بنقده لكن لأن الخلط حادث بين الدين والتنظيم صار بالإمكان تحريم انتقاد التنظيم وهنا مكمن الخطر سواء علي الدين ذاته أو علي التنظيم، ولكن لا يبدو أن قيادة الجماعة مقتنعة بأنه كلما شجعنا النقد هيأنا ظروفا أفضل للأداء والعكس بالعكس، ويعود الدكتور النفيسي ليلاحظ ذات الملاحظة التي سجلها الدكتور توفيق الشادي وهي أن «النظام العام للإخوان المسلمين الصادر في 9 شوال 1302ه الموافق 29 يوليو 1982 يتضمن شروط العضوية وواجبات العضو في المواد من 4 إلي 7 وهي تتحدث جميعا عن واجبات العضو والتزاماته والعقوبات والإجراءات الجزائية التي تتخذ في حقه إذا ما قصر في الأداء، وليس هناك نص واحد يتحدث عن حقوق هذا العضو. ويعود الدكتور النفيسي إلي تجربة إخوانية مريرة لكنه رغم ذلك يري أنها كانت أفضل مما يجري تطبيقه الآن، ففي عام 1953 نسبت اتهامات إلي ثلاثة من كبار قادة الجماعة هم صالح عشماوي والشيخ محمد الغزالي وأحمد عبدالعزيز فشكل مكتب الإرشاد برئاسة الأستاذ الهضيبي لجنة للتحقيق في 16 تهمة وجهت إليهم، وجرت التحقيقات عبر ثماني جلسات استمرت 34 ساعة من النقاش. صحيح أن قرار اللجنة كان فصل القادة الثلاثة لكنهم علي أية حال أتيحت لهم الفرصة في شرح وجهة نظرهم والدفاع عن أنفسهم، ثم يقول «أما اليوم فإن عشرات بل مئات من الأعضاء يتم فصلهم أو تجميدهم دون استدعائهم أو التحقيق معهم أو إعطائهم أي فرصة للدفاع عن أنفسهم أو إبداء وجهة نظرهم، وهذا أمر لا تقره الشريعة ولا حتي القوانين التي يقول الإخوان إنها كافرة» ونترك الدكتور النفيسي لنلتقي برأي شيخ جليل هو الدكتور سعدالدين صالح العميد السابق لكلية أصول الدين بالزقازيق والذي يقول في كتابه «الإخوان المسلمون إلي أين» (1998) «لقد أعجبت كثيرا بمنهج الشيخ حسن البنا عليه رحمة الله» ثم يتأمل الشيخ أحوال الجماعة ومما هي عليه الآن ويلخص أزماتها في أزمات أربع، وهي أزمة القيادة – سيادة الروح الفردية في اتخاذ القرار – سيادة الخنوع وروح القزمية بين القواعد وأخيرا سوء فهم مبدأ السمع والطاعة، ويقول الشيخ «إن أزمة القيادة بدأت في الظهور في عهد المرشد الأول ثم ظلت تتفاقم حتي وصلت إلي مرحلة خروج أعضاء الجماعة من السجن في زمن السادات عندما تولي القيادة العليا مجموعة من الكبار الذين استهلكوا نفسيا وبدنيا في السجون وغُيبوا عن الأحداث المحلية والعالمية، وكانت كل مؤهلاتهم أنهم سجنوا وعذبوا وكان هذا هو القانون الذي تختار به القيادة من المرشد العام وحتي المكاتب الإدارية في الأقاليم وعن سيادة روح الديكتاتورية في اتخاذ القرار وتعطيل مبدأ الشوري بحجة أن الشوري غير ملزمة، وحتي بعد إقرار الجماعة بإلزامية الشوري تحت ضغوط علي مستوي مجلس الشوري العام مع بقائها غير ملزمة بالنسبة لمجالس شوري المحافظات التي تمثل الجسم الأساسي للجماعة. ويمضي الشيخ قائلا «إن القيادة تلجأ إلي الطرق التي توصلها إلي التعيين لأهل الثقة من خلال انتخابات شكلية وقد ارتكبت بعض المكاتب الإدارية الأخطاء نفسها التي يأخذونها علي الحزب الحاكم، بل ووصلت هذه التجاوزات إلي أعلي المستويات وهو مستوي اختيار المرشد العام للجماعة، أما الأزمة الثالثة فهي سيادة الخنوع وروح القزمية بين شباب الجامعة وقواعدها الأساسية وهكذا نجد أنفسنا أمام نوع غريب من البشر ليسوا علي استعداد لقول كلمة الحق مادامت مستغضبة الأخوة الكبار وليسوا علي استعداد لإعمال عقولهم وتحكيم ضمائرهم فيما يوجه إليهم من أوامر» ثم هناك سوء فهم مبدأ السمع والطاعة الذي أصبح يعني عند الجماعة إلغاء العقل ومصادرة الفكر والتسليم المطلق بكل ما تقول القيادة دون أدني تفكير أو مناقشة لرأي أو قرار الأخوة الكبار، ومن لم يكن رأيه وفكره ومنهجه صورة طبق الأصل من فكر القيادة فهو معاد وغير منتم ومنشق ومفتتن. .. وبعد ذلك كله والجماعة لم تزل في المعارضة فماذا بعد أن أصبحت حفنة من القادة تتحكم في الوطن ومعها مفاتيح الحكم والمنح والمنع وتتمكن من السخاء علي المطيع والخاضع وتمنحه مناصب ومواقع كثيرة ووفيرة؟ لا شك أن الأمر سيزداد سواء وسيكون الخضوع الخاضع تماما هو القول الفصل في مستقبل العضو وفيما يناله من مناصب أو إنعامات.