عندما تصبح جماعة الإخوان حاكمة، وعندما تقوم دولة مكتب الإرشاد، تصبح النظرة الإخوانية لمسألة الديمقراطية مسألة ملحة، ذلك أنها لم تعد أمرا يخص الجماعة في تعاملها مع أعضائها أو مع خصومها، وإنما أصبحت تخص الوطن ككل ومستقبله. ومنذ البدايات الأولي لنشأة الجماعة كانت الديمقراطية أحد أهم مشكلاتها، ففي الأيام الأولي للدعوة وعندما اختلف بعض أعضاء الجماعة مع الأستاذ حسن البنا وأبدوا شكوكا حول التصرفات المالية للمرشد، يعترف الأستاذ البنا ربما في مباهاة «بأنه أمر بضربهم علقة ساخنة»، مستندا إلي الحديث الشريف «ومن خرج علي الجماعة فاضربوه بحد السيف» (حسن البنا – مذكرات الدعوة والداعية) وينسي الأستاذ البنا أن «الجماعة» التي قصدها الرسول في حديثه هي كل الأمة وليست مجرد مجموعة من المسلمين. ويتناقل الإخوان القدامي والجدد قصة خطأ وقع فيه صهر الأستاذ البنا وكيف أحيل الأمر إلي مكتب الإرشاد وأجمع أعضاء المكتب علي ضرورة معاقبته عقابا صارما لكن الأستاذ البنا رفض وقال قولته الشهيرة «إن من حق المرشد أن يخالف إجماع أعضاء المكتب» وثمة شهادة للأستاذ فريد عبدالخالق وهو واحد من رواد الجماعة منذ بداية الأربعينيات وكان عضوا في مكتب الإرشاد علي زمن الأستاذ البنا يطالب فيها بضرورة أن يراجع الإخوان المقولات والآليات وضرورة الالتزام بمبادئ الشوري واحترام حرية الرأي وحق النقد ورفض الوصاية والهيمنة علي الأعضاء ونزعة تقديس أشخاص القيادة وتصنيف المسلمين حسب درجات قربهم أو بعدهم عن الجماعة.. ثم قال «وفي ذلك مفسدة للمسلمين وللجماعة» (الحركة الإسلامية – رؤية مستقبلية.. مجموعة من الكتاب، دراسة الأستاذ فريد عبدالخالق)، وفي ذات الكتاب نقرأ دراسة لواحد من تلاميذ الأستاذ المرشد الأول وهو الدكتور حسان حتحوت يقول فيها «وجدنا لدي الجمعيات الإسلامية عموما – أفرادا وجماعات – ضيقا بالرأي الآخر وتضييقا عليه، ومن لم يكن رأيه نسخة طبق الأصل من رأي الجماعة فهو إما منشق عليها أو معاد لها، ورأينا كثيرا من الاجتهادات المخلصة تثير لدي الجماعة الهجوم الحاد أو الدفاع الحاد ويصنف أصحابها في مراتب منها الخيانة أو العمالة أو المروق من الدين أو ابتغاء الفتنة أو تفريق الصف وذلك كله في غياب كامل لمفهوم الحوار الموصول الهادئ الذي ينشد الحقيقة ويري أن لها أكثر من باب، وأن للطرف الآخر حقا في رأي آخر، ولا بأس بذلك لما لم ينكر معلوما من الدين بالضرورة، أو يحل حراما أو يحرم حلالا، وقد رأينا الجماعة تحشد الأتباع والأنصار وتأخذ منهم العهد في السمع والطاعة لا علي تكريم الإنسان والمطالبة بحريته، بل آنسنا تكريسا للولاء للجماعة، ينافس الولاء للإسلام مع أن الإسلام غاية والجماعة مجرد وسيلة من الوسائل»، وفي دراسة انتقادية أخري وردت في ذات الكتابة كتبها الدكتور توفيق الشاوي ينتقد فيها ما قال إنه «هذا التداخل الخطير والملحوظ بين الدين وأمره ونهيه من جهة وبين التنظيم كإدارة بشرية وأمره ونهيه من جهة أخري، بحيث أن الحد الفاصل بين الدين كأمر رباني والتنظيم كأمر بشري لم يعد واضحا بالنسبة للقاعدة العريضة من الأتباع، وهذا الاختلاط أضفي علي التنظيم الذي هو جهد بشري محض لبوسا دينيا بحيث يشعر العضو بالإثم لو أنه خالف أمرا تنظيميا أو اعترض عليه، خاصة مع وجود بعض رجال العلم الشرعي الذين يسخرهم التنظيم في الدفاع عن تأويلاته وتخريجاته، بينما الاجتهادات الشرعية والعلمية التي لا تساير الخط العام لقيادة الجماعة تقمع، وتتعرض للتشويه» وثمة دراسة أخري في ذات الكتاب للدكتور محمد فتحي عثمان والذي ارتبط بالجماعة منذ عام 1942 يحدد فيها سلبيات الجماعة في مجال التنظيم مؤكدا «غلبة الطاعة للقيادة علي الشوري في حقيقتها وجوهرها، وغلبة الولاء للتنظيم والتقوقع فيه» وفي الكتاب أيضا دراسة للدكتور عبدالله النفيس عنوانها «الإخوان المسلمين في مصر.. التجربة والخطأ» ونقرأ فيها «لم يعد التركيب الإداري القيادي لجماعة الإخوان مجديا اليوم بل أصبح هو ذاته عقبة أمام الدعوة الإسلامية في مصر وفي أقطار أخري امتدت إليها يد الجماعة»، ويقول «أقصد أن العصر الذي نعيش فيه لم يعد يحتمل تركيبه من «المرشد العام – «مكتب الإرشاد» – مجلس الشوري» وهو تركيب يكرس كثيرا من الأمراض الإدارية في القيادة وأخطرها تركيز السلطة والقرار في يد فئة قليلة من الأفراد ربما يعدون علي أصابع اليد الواحدة كما هو حاصل اليوم. ولابد من التفكير بصيغة أخري تفتت مواقع السلطة الإدارية القيادية وتنقلها للقواعد، وتفويض المستويات الأدني باتخاذ القرارات اللازمة، فنحن في عصر كثرت فيه التساؤلات جراء الثورة المعرفية والمعلوماتية ولم يكن من الممكن القبول بفكرة الإمام، المرشد، الحجة ذي العلم المحيط الذي ينهل منه الجميع الحكمة والمعرفة والرأي السديد. نحن في زمن المؤسسات الكبيرة والنظم المرنة وتفتيت السلطة وليس تركيزها، وكل ذلك غير متحقق في جماعة الإخوان بصيغتها الحالية». .. ونواصل في كتابة قادمة..