نعمة محمد علي عرفت الصديقة العزيزة الغالية وزميلتي في حزب التجمع نعمة محمد علي، قبل نحو أكثر من عشرين عاما، شابة سمراء جميلة الملامح مفعمة بالحيوية، والمشاعر الإنسانية الدافقة، التي تفيض بها علي كل من حولها، تزاملنا في العمل في مجلة «اليسار» التي كان يرأس تحريرها حسين عبدالرازق في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت تعمل في قسم التجهيزات الفنية والكمبيوتر بالمجلة بحماس لافت للنظر وكأنها ترعي مشروعا خاصا تمنحه جهدا استثنائيا، لا علاقة له بمقتضيات الوظيفة وواجباتها، حين اقتربت من نعمة، أدركت لماذا كان «اليسار» و«التجمع» جاذبا لمن كان في مثل ظروفها. تنتمي «نعمة» لأسرة من أصول نوبية فقيرة الموارد، لكنها كبيرة الطموحات وفي السنوات الأولي من إنشاء التجمع، التحقت نعمة بفرع الحزب في شرق القاهرة الذي كان يقوده آنذاك المفكر والكاتب والمترجم الدكتور «فخري لبيب»، وبفضل تشجيعه ورعايته، التحقت نعمة بفصول محو الأمية والحياكة والتفصيل التي كان الحزب يديرها بكفاءة عالية، فأتقنت القراءة والكتابة والحياكة، وقادتها إرادتها القوية ورغبتها في التعلم والمعرفة إلي الالتحاق بالدراسة لتحصل علي شهادتي الابتدائية والإعدادية وواصلت التحصيل الدراسي، بفضل مساعدة صديقتي عمرها الزميلة الراحلة مريم وديد والفنانة ماجدة منير، حتي اقتربت من الحصول علي الثانوية العامة، لكن ظروف الحياة ومطالبها، دفعتها للبحث عن عمل، فقادها شغفها بالمسرح والفنون الراقية للعمل في كواليسه لبضع سنين، مصممة للأزياء. طالما تأملت بإعجاب هذه الصداقة العميقة التي ربطت نعمة بماجدة ومريم التي كان من بين طقوسها، احتفالها السنوي بأعيادهما المسيحية، وفرحها الطفولي ومباهاتها، بأن العام لديها، لا يشبه مثله لدي الآخرين، فهو مليء بالأعياد المسلمة والقبطية. مارست نعمة العمل الحزبي والاجتماعي بكل ما أوتيت من قوة وجهد، فلا تخلو مظاهرة من وجودها، ولا يكتمل عمل حزبي لرعاية المعتقلين، أو المتضررين من سياسات الحكم، إلا وتكون في المقدمة، تحفز من يتخاذلون، وترعي من يحتاج الرعاية، وحين التحقت للعمل باتحاد المحامين العرب، أظهرت نشاطا بارزا في لجنة المرأة بالاتحاد، ووظفت ذكاءها والخبرات التي اكتسبتها في تنمية قدراتها للمشاركة في أنشطة العمل العام داخل الاتحاد وخارجه. في بداية تعارفنا، لفتت نعمة نظري إلي عيوب في شخصيتي، لا تجلب لي سوي المشاكل، وكان هذا التنبيه بداية لصداقة غير مشروطة معها، أضفت علي أمومتها وحنانها، مع أنني أكبرها بنحو خمسة عشر عاما، لكنها لم تخصني وحدي بذلك، ففي قلبها دائما متسع لعالم كبير من الأصدقاء، الذين ترعي شئونهم بسخاء عاطفي، وتتابع أحوالهم بهمة وعزيمة وإصرار دون حسابات، مع أنها لم تكن في الغالب، أكبر هؤلاء لكنها القدرة الخارقة للتواصل مع الآخرين ليست فحسب هي أقوي ملامح شخصيتها، بل هي وسيلتها للتصالح والسلام مع النفس. وفي مجتمع شكلي، يحفل بالاستعراض المخزي للممتلكات والثروات، تعاملت نعمة محمد علي مع نفسها ومع الآخرين بكبرياء وعزة نفس واستقامة تندر هذه الأيام، ولأنها نموذج لعبقرية الشخصية المصرية، التي تسلك طريقا مليئا بالعقبات، فتزيح ما يعترض هذا الطريق بالإرادة والذكاء والعمل الدءوب والجهد المتواصل، وبمخزون سخي من العواطف الفياضة، فقد أجمع مجتمع الأصدقاء والأحبة الذي يحيط بها من شباب وشيوخ ونساء ورجال وفتيات وفتيان - برغم ما بينهم من تباينات - علي محبتها، ويتمنون من الله العلي القدير، أن ينجيها من المحنة المرضية التي ألمت بها.