عرف الرأي العام في مصر المستشار محمود الخضيري خلال العقد الأول من القرن الحالي (الواحد والعشرين) كأحد قضاة تيار الاستقلال من خلال موقعه كرئيس نادي قضاة الإسكندرية، وتابع بتقدير واعجاب دور قضاة تيار الاستقلال في الدفاع عن استقلال حقيقي للسلطة القضائية مؤكدين أن هناك «قضاة مستقلين» ولكن استقلال القضاء منقوص، ودورهم في كشف التزوير في الانتخابات العامة ومطالبتهم في جميعتهم العمومية في 2 سبتمبر 2005 بضرورة أن يكون إشراف القضاة علي الانتخابات كاملا وأن القضاة «يعلنون براءة ذمتهم من أي انتخابات ما لم تتحقق مطالبهم بإشراف قضائي كامل علي العملية الانتخابية منذ إعداد الجداول حتي إعلان النتائج» وإزاحة الستار عن تزوير انتخابات 2005 ودور الشرطة في التزوير في بيان نادي القضاة في 22 نوفمبر 2005، وتصديهم للدفاع عن الحريات العامة ورفض قانون مكافحة الارهاب والمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ.. إلخ. كان تيار الاستقلال في القضاء المصري يضم مئات وآلاف القضاة من اجيال مختلفة يقودهم مجموعة يحفظ الرأي العام اسماءهم، مثل زكريا عبد العزيز ومحمود مكي وهشام البسطويسي وناجي دربالة وحسام الغرياني واحمد مكي ومحمود الخضيري وأحمد صابر.. ويجلهم ويتطلع إليهم ليشاركوا في قيادة التغيير. قدم القاضي «محمود الخضيري» استقالته من القضاء بعد 46 عاما قضاها في سلك القضاء يوم 2 سبتمبر 2009 ورشح نفسه بعد ذلك في انتخابات مجلس الشعب، واختارته الأغلبية التي تنتمي لحزبي «الحرية والعدالة» و«النور» لرئاسة اللجنة التشريعية بالمجلس. ومنذ ذلك الحين وبدء ممارسته للسياسة منتميا لتيار الإسلام السياسي بوضوح بدأت صورة «محمود الخضيري» في التغيير. وبالطبع لا أحد يملك الاعتراض علي حقه في الانتماء الحزبي والسياسي طالما لم يعد عضوا في سلك القضاء. بل الطبيعي طالما قرر ممارسة العمل السياسي أن ينتمي لحزب سياسي أو ينحاز لتيار سياسي علي الأقل. وهو نفس ما فعله القاضي الجليل «هشام البسطاويسي» أحد أبرز قضاة تيار الاستقلال عندما قرر خوض انتخابات رئاسة الجمهورية، فقدم استقالته من سلك القضاء واستعاد عضويته في حزب التجمع وخاض الانتخابات مرشحا عن الحزب. ولكن مثار التساؤل والتعجب هو موقف «القاضي» محمود الخضيري من أحكام القضاة فعندما وصل الطعن علي بعض مواد قانون انتخابات مجلس الشعب إلي المحكمة الدستورية العليا واحتمال صدورحكم بعدم دستورية هذه المواد وبطلان انتخابات مجلس الشعب، سارع الخضيري بالقول بعدم جواز نظر المحكمة لهذه الدعوي «لوجود صدام قانوني بين مجلس الشعب والقضاء وبينه وبين المجلس العسكري، ووجود خصومة بين المحكمة والبرلمان نشرت في الجرائد قبل الحكم بشهر، وهذه الخصومة تمنع المحكمة الدستورية قانونا من نظر الدعوي». ولكن الكارثة هو الهجوم الذي شنه «القاضي السابق» يوم السبت الماضي علي المحكمة الدستورية العليا لأن حكمها بعدم دستورية مواد في قانون انتخابات مجلس الشعب وبطلان تشكيل مجلس الشعب الحالي لم يصادف هوي في نفسه، فيتهم المحكمة بالخروج علي كل القواعد والاعراف القانونية في تفسير القانون وتنفيذا لأحكام «فلأول مرة نري محكمة تتحدث عن تنفيذ حكمها وكيفية تنفيذه»، وإن المحكمة «التي لم تكن تستطيع أن تقول لا لأي رئيس سابق فمن كان لا يتمتع بالشعبية وأتي كما نعرف جميعا بالتزوير تقول لا لأول رئيس منتخب» تفرض ارادتها علي أول رئيس جمهورية جاء بإرادة شعبية، ويتهم القضاة الاجلاء واعضاء المحكمة الدستورية العليا بأن «الغرور» قد انتابهم. وأن يتورط قاض «سابق» في مثل هذا الهجوم علي أعلي محكمة في البلاد، فماذا إذن يقول العوام والناس العاديون عندما تأتي أحكام المحاكم بدرجاتها المختلفة علي غير ما يشتهون؟! ولم يتوقف القاضي السابق ورئيس اللجنة التشريعية في البرلمان المنحل عند هذا الحد. بل يطالب علنا بتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا «بحيث لا تكون للمحكمة مطلق الحرية دون رقيب في إصدار أحكامها كيفما تشاء وفي أي وقت تريد»، «وأن حكم المحكمة الدستورية يجب أن يباح الطعن عليه أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض المكونة من أحد عشر مستشارا من كبار قضاتها خاصة في القضايا المهمة التي يترتب عليها مصير إحدي سلطات الدولة» الغريب أن نائب رئيس محكمة النقض نسي أو تناسي أنه لا يوجد في أي بلد ديمقراطي طعن علي أحكام المحكمة الدستورية أمام أي محكمة قضائية أخري، وأن حكم المحكمة الدستورية في مصر وفي أي بلد في العالم- حكم نهائي وبات ولا يجوز الطعن عليه، وهو نافذ بذاته، كما يقول الحكم ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب ومجلس الشعب المنحل). إن صفة العدل والصدق واحترام أحكام القضاء ليست لصيقة فقط بأعضاء السلطة القضائية ، يتركونها إذا ما تركوا منصة القضاء، ولكنها صفات في الإنسان العادي السوي.. فما بالنا إذا كان قاضيا سابقا!