أفلام محمد خان اشبه بالفواكه الطازجة، تصلح للأكل في أي وقت - نقصد المشاهدة- ليس لها تاريخ صلاحية، ولا يمكن تصنيفها ضمن مرحلة بعينها - رغم أنها كذلك- فهي حقيقية بنت أيامها وأيام أخري .. أحداثها واقعية وملتصقة بالناس تعبر عن طموحات عوالم سفلية وفوقية وتطرح بأمانة وجهات نظر شخصياتها وتفاصيل حياتهم بتلقائية وعمق.. لأنه يعشق الحياة فهو يصورها كما يراها، أو كما تراها شخوصه بتفاصيلها البعيدة والقريبة ، محاولا تجاوز الأشكال السائدة والتقليدية، فهو يهتم بالكادر اهتماما بالغا ويحرص علي إبراز جمالياته، من خلال عشقه للمكان والزمان، ويري ان الاهتمام بالصورة امر بالغ الاهمية، خصوصا انه يلمس ان هناك استهتارا من البعض بالشكل في التكنيك السينمائي وهذا سبب من اسباب تراجع سينمانا. تدور الشخوص في فلكها ولا تخرج عن مدارها المرسوم لها بحكم ظروفها الاجتماعية والثقافية، تحلق أو تسقط،، تموت أو تحيا، تخون أو تخلص، كل حسب مقتضيات الظرف الذي يفرضه الواقع دون نقص او زيادة، فلا "كلمة" ولا "هدمه" ولا "لقمه" خارج السياق، فهو لا يجيد تفصيل الادوار حسب المقاسات المطلوبة، انما يحددها وفق معايير دقيقة جدا، لذا تأتي اختياراته النهائية صائبة بدرجة مذهلة، والمدهش في الأمر أنه يأتي بشخوص حقيقية تعيش بيننا وتقتسم معنا الحياة، ولكن برؤي جديدة ومبتكرة لم تعهدها السينما من قبل. كادرات خارج السياق يملك محمد خان كادرات "بكر" غير مستهلكة مليئة بالتفاصيل الصغيرة التي لا ترهق العين، لكنها تصنع في نهاية حدثا يستحق المشاهدة المتأنية لما يحويه من دلالات وايحاءات تُخدم علي العمل ككل، فهو يعتمد علي اللقطات الصغيرة والمتعددة داخل المشهد الواحد محاولا ابراز انفعالات شخوصه، دون التقيد بحسابات المتفرج الذي اعتاد علي خلطة جاهزة تحتوي عنف وجنس وايفيهات، فهو يطلق العنان لخياله ويتخلص من أي قيود تجارية. عندما يتوافر نص ممتع (سوبر ماركت - شقة مصر الجديدة) أو اداء تمثيلي مذهل (احمد زكي - نجلاء فتحي) أو مواقع تصوير ساحرة (خرج ولم يعد - طائر علي الطريق) فهذه اشياء جيدة تساعد علي انجاح العمل، تحتاج فقط لمخرج واعد لتضفيرها في مشاهد جميلة، اما اذا كان الأمر لا يتعدي مجرد مشهد عام لمدينة او مصنع او حتي رجل يرتجل الشارع، فأن الامر يبدو يسيرا، ولكن مع "خان" يختلف الأمر فهو يستطيع ان يضخ الروح في المشاهد الميتة لتبدو جميلة وملهمة. عاشق الشوارع استطاع خان أن يعبر كما لم يعبر غيره عن عوالم المهمشين الذين يعيشون خارج المؤسسات الاجتماعية والتي تم نسيانهم عمدا، وبالتالي التغافل عن أحلامهم وطموحاتهم ومشكلاتهم، مؤمنا بأنهم يؤثرون في المجتمع بصفتهم جزءا اصيلا منه، اقترب ليتيح لهم فرصه التعبير عن همومهم دون ان يخدش حياءهم او يزايد علي فقرهم وقلة حيلتهم واستغلال معاناتهم بحجة تجسيد الواقع، فكانت كاميرته أمينة وصادقة دون ابتذال، لم يصنع ديكورا خياليا، بل حرص علي التواجد في اماكنهم الحقيقية، وحرص علي الا يخفي القبح ولا يبالغ في تجسيده سواء في المكان او شخوصه، محرضا علي ابراز الجمال الداخلي للبشر دون مغالاة، فقد كان يعني ان نلقي النظر علي هؤلاء البسطاء ونشعر بوجودهم وحقهم في الحياة. عشق الشوارع والمدن كما هي، بحلوها ومرها، لذلك عاشت افلامه وستعيش مع الناس، واستمدت بقاءها من تفاصيل حقيقية دون رتوش. فهو لا يضع حلولا وردية لمشاكل مستعصية بل يشرك المتفرج فيما يراه لكي يفكر معه، فعندما قدم فيلم "الحريف" والذي كان يحكي عن لاعب كرة شراب كان يطرح مشكلة الفقر، ولم يلجأ للشعارات. المرأة المحرض المرأة في أفلام محمد خان ليست مجرد كائن ديكوري تتم الاستعانة به لملأ الفراغ في حياة الرجل، بل كانت المحرك والدافع الرئيسي للاحداث، وفي كثير منها المحرض الذي يؤججها ويوقظها من سباتها لتؤثر فيمن يحيط بها، وفي احيان اخري كان ضعفها مقصودا لاستفزاز الرجل بحثا عن حلول لمشاكل تراكمت، ورغم اختلاف وتباين الظروف الاجتماعية ودرجات القهر التي مورست عليها من قبل الرجل والمجتمع نري أن "بطلاته" لم يرضخن أو يتخلين عن انوثتهن ورومانسيتهن وعقلهن الراجع، فهي سمات ظلت مصاحبة لهن طوال الوقت، ويلاحظ ذلك رغم التباعد الثقافي بينهن فنري "فوزية- طائر علي الطريق" و"نوال - موعد علي العشاء" و"دلال - الحريف" و"خيرية - خرج ولم يعد" و"نجاج - مشوار عمر" و"فوزية - عودة مواطن" و"مني -زوجة رجل مهم" وصولا ل "هند وكاميليا" وسعيهما للخروج من عالمهما السفلي الذي فرض سطوته عليهما، ثم نري "أميرة - سوبر ماركت" التي تنجرف نحو المال في محاولة للاحتفاظ بابنتها، وتكتمل الدائرة ب (جومانا وياسمين-بنات وسط البلد" في قهر الظروف المحيطة، حتي نصل إلي "تهاني - شقة مصر الجديدة" التي تسوقها اقدارها لعلاقة عاطفية شديدة الرومانسية والرقي. نجوم وأدوار لا يعتمد "خان" علي القواعد السائدة في اختيار الأبطال، ففي "ضربة شمس" كانت ليلي فوزي في دور جديد مركب ونادر وكذلك فردوس عبد الحميد في "طائر علي الطريق"، حسين فهمي يخرج من عباءة الفتي الوسيم في "موعد علي العشاء"، عبد الله فرغلي في "الحريف" في دور "رزق"، أما ليلي علوي في "خرج ولم يعد" لها طعم مختلف، وايضا ممدوح عبد العليم في"مشوار عمر"، وينتقل بيحيي الفخراني خطوات ساهمت في نجوميته "خرج ولم يعد وعودة مواطن"، وسعيد صالح في "نصف ارنب" يكشف عن امكانات اهدرتها سينما المقاولات، وفي "احلام هند وكاميليا" مباراة تمثيلية بين نجلاء فتحي وعايدة رياض في اول ظهور حقيقي، اما حسن العدل ومحمد كامل وعثمان عبد المنعم فهي نجاحات لم تتكرر مرة اخري ، وتؤكد غادة عادل في "شقة مصر الجديدة" أن لها وجوها تمثيلية اخري لم تكتشف بعد. ويأتي في النهاية أحمد زكي والذي قدم معه 6 اعمال من افضل ادواره في السينما، ربما لأنه كان يفهم جيدا ما يريده ويعبر بدقة عن الشخصية واحيانا كان يضيف لها تفاصيل تلقائية اثناء المعايشة. محمد خان واحد ممن يرون مصر جميلة رغم الزحام والضوضاء والفقر والجهل والفساد، وهذا ينعكس بشكل كبير علي اعماله السينمائية التي يرصدها بكاميرته التي تجول الشوارع والمدن، والتي توثق في بعض منها لحال الشارع القاهري الذي يعشق النزول اليه وتسجيل انفاسه ولهاثه في ساعات الذروة، كما حدث في فيلمه الاول "ضربة شمس" ، وفي فيلم "موعد علي العشاء" ينتقل الي شوارع الاسكندرية الجانبية والخلفية، وشوارع مصر الجديدة في "احلام هند وكاميليا" وفي "شقة مصر الجديدة" الامثلة كثيرة لا يمكن حصرها لمخرج كان يجد ضالته في الشوارع والاماكن المفتوحة ، ولا نغفل الصعوبات التي يمكن ان يلاقيها من تجمعات البشر وفضول البعض في افساد الامور. من باب العشق والهواية دخل محمد خان الي السينما حتي اصبح واحد من اهم مخرجيها، شارك في كتابة 12 قصة من 21 فيلما قام باخراجها ، هو واحد من جيل الواقعية الجديدة الذي حمل علي عاتقه مهمة تقديم سينما جديدة متمردة علي الاسلوب السردي التقليدي سواء من ناحية الشكل أو المضمون، فخرج ليلتقط تلك التفاصيل التي كانت غائبة عن الكادر السينمائي، ونستطيع القول في النهاية انه بالفعل شكل وعيا جديدا لمتفرج اصبحت له ثقافة سينمائية، ان محمد خان نجح في أن تكون لافلامه رائحة خاصة ونكهة لا يمكن تقليدها، فهي افلام لم تمتد لها بعد المبيدات الكيماوية، لذلك فهي تفيد ولا تضر وتعيش طازجة مهما مرت الايام.