المستندات المطلوبة للتصالح على مخالفات البناء في المدن الجديدة    قصواء الخلالي: تهجير الفلسطينيين كان ولا يزال خطا أحمر للدولة المصرية    تفاصيل مشادة علي معلول مع لاعب الزمالك المعار.. مشهد لم ترصده الكاميرات    بعد مصرع 4 أشخاص.. القبض على السائق المتسبب في وقوع حادث مروع على الدائري    «الصحفيين» ترفض قرار «الأوقاف» بمنع تصوير الجنازات.. وتؤكد: مخالف للدستور والقانون    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    سر الأهلي.. هل ينهي الزمالك خطيئة جوميز مع جروس؟    وزير الشباب: إنشاء حمام سباحة وملعب كرة قدم بمدينة الألعاب الرياضية بجامعة سوهاج    واشنطن بوست: الولايات المتحدة تعرض على إسرائيل دعما استخباراتيا بديلا لاقتحام رفح الفلسطينية    الصور الأولى من حفل زفاف ابنة مصطفى كامل    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية وعلاج الإدمان    خنقها برباط حذائه.. الإعدام لعامل بناء قتل ابنة شقيقه بسوهاج    وزير الرياضة يطمئن على لاعبة المشروع القومي بعد إجرائها عملية جراحية    سلوفينيا: ممتنون لمصر لمساعدة مواطنينا في غزة على العودة    فيلم السرب يواصل سيطرته على شباك تذاكر السينما.. وعالماشي يتذيل القائمة    هدى الأتربى تكشف تفاصيل مسلسلها القادم مع حنان مطاوع    بكلمات مؤثرة.. إيمي سمير غانم تواسي يسرا اللوزي في وفاة والدتها    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    في عيد النصر بوريسينكو: مصر عانت مثلنا من الحروب    شراكة بين بنك القاهرة وشركة متلايف لتقديم خدمات التأمين البنكي عبر 150 فرعا    «جوالة جامعة الزقازيق» تُنظم دورة تدريبية عن الإسعافات الأولية    اليوم العالمى للمتاحف.. متحف إيمحتب يُطلق الملتقي العلمي والثقافي "تجارب ملهمة"    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    وزير الأوقاف يحظر تصوير الجنائز بالمساجد مراعاة لحرمة الموتى    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    محافظ القليوبية يناقش تنفيذ عدد من المشروعات البيئة بأبي زعبل والعكرشة بالخانكة    إحالة أوراق طالب هتك عرض طفلة للمفتي    خالد عبدالغفار: وزارة الصحة وضعت خططا متكاملة لتطوير بيئة العمل في كافة المنشأت الصحية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    «هشمت رأسه وألقته من أعلى السطح».. اعترافات المتهمة بقتل زوجها في قنا    سانت كاترين تستقبل 1300 سائح من مختلف جنسيات العالم    محافظ كفر الشيخ يعلن بدء التشغيل التجريبي لقسم الأطفال بمستشفى الأورام الجديد    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    مواصفات وأسعار سيات إبيزا 2024 بعد انخفاضها 100 ألف جنيه    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    جيش الاحتلال الإسرائيلى: نحو 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح الفلسطينية    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    آخرهم فرنسا.. دول تدعو الاحتلال لوقف عملياته داخل رفح    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 11-5-2024    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يكتبها: طارق الشناوي
حكايات فنية
نشر في صوت الأمة يوم 10 - 10 - 2009

المسافر هل يولد من جديد في أبوظبي؟!
· لن يحضر بطل الفيلم عمر الشريف إلي مهرجان أبو ظبي لكنه أرسل توضيحاً
· نشاهد خالد النبوي بعد أن قرر تقليد عمر الشريف في الأداء الصوتي والحركي بل في نظارته في فيلم إشاعة حب
الآن وأنت تقرأ هذه الصفحة يعرض في افتتاح مهرجان "أبوظبي" للشرق الأوسط في دورته الثالثة فيلم "المسافر".. جاء الفيلم للمهرجان وهو مثقل بمشكلات وتراشقات اشتعلت عند عرضه بمهرجان "فينسيا" قبل أقل من شهر.. لن يحضر بطل الفيلم "عمر الشريف" إلي مهرجان "أبو ظبي" ، لكنه أرسل توضيحاً لا أقول رداً ولكن توضيحا لما حدث وأثار الكثير من اللغط ومرفق توضيح "عمر".. فيلم الافتتاح في كل مهرجانات الدنيا يحمل بداخله قيمة الاختيار، فهذا يعني أن المهرجان يري فيه تكريماً لصناعه وكان العرف السائد قبل نحو 20 عاماً أن فيلم الافتتاح لا يشارك في التسابق علي الجائزة لأنه حصل علي تكريم خاص ولكن حطم هذه القاعدة مهرجان "كان" فصار مسموحاً له بالتسابق وهكذا يشارك الفيلم هذه الدورة في مسابقة أفضل فيلم وأفضل فيلم في مسابقة الشرق الأوسط وأيضاً العمل الأول.. ثلاث فرص أمام الفيلم فهل يولد "المسافر" من جديد في "أبو ظبي"!!
الفيلم كما أشرت إليه من قبل يروي ثلاثة أيام يتذكرها من حياة البطل الذي غادر الحياة.. الفكرة التي اتكأ عليها "أحمد ماهر" أراها شديدة الذكاء والخصوصية فهي حميمية داخل صانع الفيلم وكأنها قد مرت بمرحلة الحضانة التي طالت ربما أكثر مما ينبغي فلقد ظل يحلم بالمشروع قرابة عشر سنوات.. ما الذي يحدث بعد انتهاء الرحلة مع الحياة "عمر الشريف" يروي لنا بعد انتهاء رصيده من السنوات أن ما تبقي له ثلاثة أيام فقط خريف 48 وخريف 73 وخريف 2001.. وكأنه يستعيد قول الشاعر أحمد شوقي "قد يهون العمر إلا ساعة وتهون الأرض إلا موضعاً".. أي أن كل ما مر بنا من أيام بحلوها ومرها وكل الأماكن التي رأتها أعيننا بجمالها وقبحها لا يتبقي منها إلا هذا القليل الذي نحيا عليه لأنه يعيش فينا.. الجديد الذي أضافه "أحمد ماهر" هو أن تبقي الذكري بداخلنا بعد انتهاء الحياة.. ولكن هل ما يتبقي فعلاً هو الواقع كما حدث أم أننا دائماً ما نضيف لهذا الواقع خيالا معتقدين أن هذا هو الواقع الذي حدث وليس الواقع بعد الإضافات والتحسينات.. الحقيقة هي أننا لا يمكن أن نستعيد الحدث القديم بمعزل عن سنين العمر التي عشناها والتي تضيف وربما أيضاً تحذف الكثير وهكذا قدم "أحمد ماهر" الأيام الثلاثة في حياة بطل الفيلم "حسن" بعد أن منحها خيالا لا يعرف حدودا ولا قيودا. اليوم الأول في السفينة الذي ينتقل إليه بالقطار.. إنه الشاب "حسن" موظف في البوسطة أدي دوره "خالد النبوي" ونستمع إلي صوت "عمر الشريف" وهو يروي حكاية البطل الذي لديه خطاب من "فؤاد" أدي دوره "عمرو واكد" حبيب "نورا" سيرين عبد النور إلا أنه يريدها لنفسه ويخون واجبات وظيفته ويشعر بأنها قدره المحتوم لابد من العثور عليها.. اختار المخرج موقع السفينة التي قدمها مهندس الديكور "أنسي أبو سيف" بكل تفاصيل الأربعينيات مع أجواء للرقص بالشمعدان وموسيقي أغنية "يا حسن يا خولي الجنينة ادلع يا حسن" وهي موسيقي فولكلورية أعاد الموسيقار الراحل "محمود الشريف" تقديمها بكل ما تحمله من شجن نبيل.. القبطان "يوسف داود" يحاول أن يعثر علي الفتاة التي يبحث عنها "حسن" ويريد أن يغير القدر، يرتبط بها بدلاً من حبيبها الحقيقي "فؤاد" يتبقي من تلك العلاقة محاولة "خالد النبوي" في الاستحواذ علي "سيرين" عنوة.. أوحي الفيلم بذلك في لقطات ثم تراجع في لقطات لأننا لا نري عيون البطلة والبطل فقط يد "خالد النبوي" وهي تحاول نزع الفستان ويد "سيرين" ومقاومتها الحادة ثم استسلامها رغم أن العيون لو اقتربت منها الكاميرا سوف تقول الكثير.. ويرتدي "خالد" زي العريس وبدلته ثم يلقي بنفسه في البحر وينقذه "عمرو واكد" تتزوج "نورا" من "عمرو" في نفس اليوم من خريف 1948 ويعترض "خالد النبوي" ويكتفي بأن يستعيد فقط من العريس البدلة؟!
أنت لا تتعامل مع واقع بالطبع ولكن المخرج يحاول أن يخرج بعيداً عن هذا القيد لنتعايش مع هذه الحالة من الرؤية وهو الجزء الذي قدمه المخرج بإيقاع نابض وأيضاً لا يخلو من خفة ظل.. مثل هذا المشهد الذي نري فيه مجموعة من الشباب يستمعون إلي أصوات العاهرات مقابل دفع أموال وهن في علاقة مع جنود الاحتلال البريطاني علي أساس أن شم رائحة الكباب أفضل طالما أنه من المستحيل أكله.. هكذا انتقل إلي اليوم الثاني واختار له 73 تحديداً يوم 6 أكتوبر.. وهو ما يدعم الاختيار الأول في 48 بأننا نتابع الإطار الخارجي الذي عاشته مصر والأمة العربية من 48 عام النكبة إلي انتصار 73 مع الأغنيات التي ارتبطت بتلك المرحلة مثل "علي الربابة بغني" و "خلي السلاح صاحي".. أي أنه قد مرت 25 عاماً علي تلك الواقعة ماتت الأم "نورا" سيرين عبد النور وأنجبت ابنة تشبهها تماماً "نادية" أدت دورها أيضاً "سيرين عبد النور".. هل هي ابنته هكذا نعتقد كمشاهدين خاصة وأن الصورة التي كانت تحتفظ بها الأم التي التقطت فوق ظهر السفينة كنا نري فيها ملامح "خالد النبوي" وتؤكد له "سيرين عبد النور" أن شقيقها التوأم نسخة منه.. في هذا الجزء يبدأ تحول في فن أداء الممثل "خالد النبوي" حيث نشاهد "خالد النبوي" بعد أن قرر تقليد "عمر الشريف" في الأداء الصوتي والحركي بل في نظارته في فيلم "إشاعة حب" ويبدأ تقييد الفيلم في هذا الإطار الضيق وهي بالطبع ليست مسئولية الممثل منفرداً ولكنها إرادة النجم هي التي فرضت علي المخرج الإيقاع أو ربما كانت هي أيضاً رؤيته لا أدري بالضبط ما الذي حدث ولكن كان هذا الجزء أضعف ما في الفيلم لأنه سرق منه الإحساس الذي كان ينبغي أن نعايشه أحال الفيلم إلي مجرد تماثل بيولوجي بين الشخصيتين والغريب أن هذا اليوم امتد ليستحوذ علي 50% من أحداث الفيلم!!
وينتقل إلي المرحلة الثالثة مع "حسن" عمر الشريف بعد أن تجاوز السبعين واختار خريف 2001 ضرب البرجين حدث عالمي أثر علي الإنسان العربي في العالم كله.. اللقاء مع حفيده "علي" ابن "نادية" أدي دوره "شريف رمزي" ونكتشف أنه مثله في شبابه غير قادر علي الاقتحام يخشي العراك مع الحياة علي المستوي المادي والعاطفي ثم تلك الأنف التي تذكره بأنف "عمر واكد" المميزة وهو ما ينفي أنه حفيده، نري الأنفين يتطابقا ومن هنا كانت أهمية المشهد الذي يجمعه مع "نورا" ولكنه للمرة الثانية يقيم علاقة وينجب طفلاً يكتشف مع الزمن أنه أبوه رغم أن اسمه أيضاً "علي" وبالمفهوم المصري فإن "حسن" هو "أبو علي".. كان نسيج الفيلم وسياقه الفكري يسمح بكل ذلك لأنك لا تتعامل مع الواقع إلا أن هناك بالتأكيد قصورا ما في الرؤية لدي المخرج أو لأن هناك كما تردد عيونا أخري تدخلت وحاكمت الفيلم أخلاقياً وكان لها القرار النهائي لتحديد المحذوفات نظراً لانتماء الفيلم في نهاية الأمر لوزارة الثقافة.. في الأتوبيس النهري في اللقاء الأخير لعمر الشريف قبل أن يمضي في النهر منهياً حياته الافتراضية نري امرأة مع طفليها وفي أحشائها جنين لا تدرك بالطبع من هو أبوه تحديداً وكأنه يعيدنا إلي مرحلة الشك إنها نظرة وجودية يبحث فيها الإنسان عن علاقته بالحياة والخالق وحدود الصراع وهل الإنسان نفسه أم أنه مقيد بإرادات أخري!!
*******
الكل في انتظار «الزمن المتبقي»!
· الفيلم توثيق لتلك الذاكرة التي تحاول إسرائيل محوها ولا نستطيع أن نضعه في إطار أفلام السيرة الذاتية بمعناها المباشر
· "الزمن المتبقي" فيلم فلسطيني ولد ليبقي شاهداً علي تاريخ لا يمكن لجغرافيا الاحتلال الإسرائيلي أن تمحوه لا من الذاكرة ولا علي أرض الواقع!!
داخل المسابقة الدولية يشارك فيلم "الزمن المتبقي" والذي سبق له التسابق في مهرجان "كان" الأخير.. نعم نحن بصدد فيلم سينمائي فلسطيني الهوي والهوية للمخرج إيليا سليمان.. الفيلم يملك الجرأة لكي يهتف باسم فلسطين فلا مساهمة إسرائيلية في التمويل.. والحقيقة أن إسرائيل لم تدع أن الفيلم إسرائيلي لكن بعض الكتابات العربية المتسرعة هي التي أدت إلي انتشار تلك المعلومات الخاطئة والمجحفة في نفس الوقت.. الفيلم إنتاج فلسطيني فرنسي وبمساهمة أيضاً من محطة M.B.C.. يهدي المخرج فيلمه إلي الغائب الحاضر وينهيه أيضاً بإهداء إلي روح والديه فهما الغائبان الحاضران.. إن الفيلم توثيق لتلك الذاكرة التي تحاول إسرائيل محوها ولا نستطيع أن نضعه في إطار أفلام السيرة الذاتية بمعناها المباشر.. فلا أتصور أنها سيرة مباشرة للأسرة بل تسللت إليها تفاصيل كثيرة مما عايشه الآخرون أيضاً - أقصد بهم الأقارب والجيران - كما أن هناك أحداثاً عامة عبر عنها برؤية تمزج بين كتابة اليوميات المباشرة والحس الأدبي الروائي الذي يأخذ تفصيلة ما وينسج حولها العديد من الخيوط.. النص الكوميدي الساخر لا يغادر الشريط السينمائي ودائماً الأغنية العربية حاضرة بأصوات "ليلي مراد" ، "عبد الوهاب" ، "نجاة" ، "فيروز" فهي أيضاً أحد أسلحة إعلان الهوية.. الطفل "إيليا سليمان" ولد بعد نكسة 1948 ب 12 عاماً ولهذا فإن السنوات الأولي من الفيلم تستطيع أن تعتبرها من حكايات والديه وخياله وما يدخل في إطار الذاكرة الجماعية للشعوب.. وحرص المخرج علي تأكيد أن الفلسطينيين قاوموا الاحتلال ببسالة وتعرضوا لكل أنواع القسوة والعنف وأن مجرد الشك وردود فعل أي رجل أو شاب فلسطيني قبل وقوع النكبة كانت تؤدي مباشرة إلي تعذيبه ثم قتله ليصبح عبرة لمن يحلم بالمقاومة كحق مشروع!!
ومن المشاهد المؤثرة في الفيلم "إيليا" وهو طالب في المدرسة يغني ليوم الاستقلال الإسرائيلي بالعبري والعربي وهكذا كان علي الإنسان الفلسطيني أن يشارك في الاحتفال بذكري النكبة الفلسطينية علي اعتبار أنه يوم الاستقلال.. نري العديد من الأنماط مثل هذا الرجل الذي يضع الكيروسين علي جسده وفي كل مرة يهدد بإشعال النيران ثم يتراجع.. نري أيضاً الرجال علي المقهي وبينهم "إيليا سليمان" لا يفعلون شيئاً سوي الصمت ومتابعة ما يجري في الشارع بعيون تبدو محايدة لكنها في الحقيقة مثقلة بالغضب الكامن.. نشاهد رجلين يذهبان للصيد يومياً وفي عز الليل تأتي عربات الجيش الإسرائيلي متسائلة عن أسباب وجودهما خارج البيت وبذكاء إبداعي يكثف المخرج دائماً زمن الحدث المتكرر ويترك المتفرج هو الذي يكمل ما تم اختصاره.. ونقترب من النهاية ونجد أن الشباب في "رام الله" يذهبون إلي "الديسكو تيك" متحدين قرار حظر التجول الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية.. الشباب الأعزل يقاوم بالهتاف والحجارة وأيضاً بممارسة الحياة بينما المحتل الإسرائيلي لديه الجنود والعتاد والذخيرة وليس لديهم الحق في مصادرة حق الحياة!!
وللدلالة علي المقاومة المدنية المغلفة بروح التحدي والسخرية يقدم "إيليا سليمان" مشهداً لامرأة تجر عربة بها طفلها الرضيع يقول لها الجندي الإسرائيلي "عودي إلي بيتك" ترد عليه قائلة "عد أنت إلي بيتك" وتستمر في طريقها.. أيضاً من المشاهد التي قدمها بخفة ظل وفي الوقت نفسه تملك القدرة علي أن تقول الكثير بلا صخب هذا الشاب الذي يتحدث في الموبايل وفي الوقت نفسه تتابعه فوهة الدبابة الإسرائيلية.. إنه يتحرك في الشارع أمام بيته ويجري مكالمة مع صديق له لكن الخوف الإسرائيلي الكامن في الأعماق لا يعترف إلا بالقوة الغاشمة التي لا تشعر بالأمان إلا وهي تشهر أسلحتها الثقيلة في وجه المواطنين العزل الأبرياء.. نري في الفيلم الأحداث السياسية والعسكرية التي عاشتها الأمة العربية وانعكاسها علي الفلسطينيين داخل حدود الوطن بعد هزيمة 67 ورحيل "جمال عبد الناصر" أما انتصار 73 فمن الواضح أن المخرج لم يجد فيه شيئاً علي مستوي العلاقة بين الفلسطينيين المقيمين في الداخل والسلطة الإسرائيلية لهذا لم يستوقفه في تقديم ردود الفعل!!
الملاحقات الأمنية الإسرائيلية نراها طوال الأحداث تعبر عن خوف إسرائيل أكثر مما تعبر عن قوتها.. يقدم "إيليا سليمان" ثلاث مراحل من حياته من خلال ثلاثة ممثلين وهو الذي يؤدي في النهاية دوره في الجزء الأخير من الأحداث واستعان بممثلين يشهبونه كثيراً سواء في أداء دور "إيليا" طفلاً ثم "إيليا" شاباً.. وكانت شفرة هذا التشابه هي تلك النظرة وملامح العينين التي تميز بها "إيليا".. ومثل آخر أفلامه الذي اشترك به في "كان" قبل 7 سنوات "يد إلهية" لجأ المخرج إلي التعبير بالخيال وهو يعبر فوق الحاجز الذي أقامته إسرائيل رغم عمق ودموية المأساة فلقد تخيل نفسه لاعب "زانة" ويمارس القفز باستخدام تلك العصا الطويلة وكأن ما يعجز عن تحقيقه في الحياة تنجح الأحلام في إحالته إلي واقع.. المخرج حرص علي أن يظل فيلمه متمتعاً بروح ساخرة وكان يلجأ إلي التوثيق في رؤية أشبه وأقرب إلي التسجيل اليومي للأحداث عندما يجد أن تلك الوسيلة قادرة علي الوصول للجمهور والحفاظ علي روح فيلمه وأحياناً أخري يتكئ علي الخيال ويرسم للشخصيات الواقعية مواقف درامية عندما يكتشف أنه الوسيلة الأنسب للتعبير عن الحقيقة التاريخية!!
"الزمن المتبقي" فيلم فلسطيني ولد ليبقي شاهداً علي تاريخ لا يمكن لجغرافيا الاحتلال الإسرائيلي أن تمحوه لا من الذاكرة ولا علي أرض الواقع!!
********
القطط الفارسية
في لمحة ذكية جداً تم اختيار المخرج الإيراني الكبير "عباس كيروستامي" رئيساً للجنة التحكيم وفي نفس الوقت اشترك في المسابقة الرسمية الفيلم الإيراني المعارض "لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية" هذا الفيلم تسلل عنوة للطبع في باريس بعيداً عن الرقابة الإيرانية وقبل ذلك تم تصويره بعيداً عن أعين الرقابة أيضاً.. فهو يدخل في إطار سينما الغضب الإيرانية التي بدأت تعلن عن نفسها بقوة في كل المهرجانات العالمية.. هذا الفيلم تحديداً سبق عرضه في قسم "نظرة ما" بمهرجان "كان" برغم الغضب الإيراني.. والكرة بالطبع في ملعب "عباس كيروستامي".. الفيلم اختار له المخرج الذي اشترك أيضاً في كتابة السيناريو اسم "لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية".. المخرج كردستاني - إيراني - باهمان جوبادي ويجب ملاحظة أن القطط الفارسية هي أغلي القطط في العالم كما أنه في إيران ممنوع اصطحاب الحيوانات الأليفة في الشوارع مثل القطط والكلاب!!
والفيلم بعيداً عن تحطيمه للإطار الشرعي فلم يحصل المخرج علي تصريح بالتصوير ولم يتقدم بسيناريو إلي الجهات المختصة واستغرق تصويره ثلاثة أسابيع بعيداً عن أعين الدولة وتم ذلك بكاميرا "ديجيتال" تم تهريب الأشرطة خارج الحدود لإجراء المونتاج.. المقصود بالقطط في الفيلم ليس فقط تلك الحيوانات الوديعة التي لا تغادر منازلها ولكن أيضاً البشر الذين لا يستطيعون الإفصاح عن مشاعرهم ويظلون مختبئين تحت سطح الأرض في البدروم.. ويختلط الأمر علي المخرج بين رأي الإسلام في الموسيقي ورأي المتطرفين لأن المتطرفين سواء في العالم العربي أو إيران يحرمون الموسيقي.. وليس الإسلام كدين يحرمها ولكنه أقصد المخرج يعتقد ذلك.. ذهب المخرج إلي هؤلاء وأقام معهم وعاش أحلامهم ولهذا يقول في تترات الفيلم كل ما تراه في هذا الفيلم حقيقة، الأماكن والأشخاص.. ولم يكن في حاجة إلي ذلك لأنه بالفعل ما نراه هو الحقيقة.. الفرقة الموسيقية التي تعزف تحت الأرض وتحلم بمغادرة الأرض لكي يعزفوا للناس فوق الأرض لكن السلطات الإيرانية ترفض بالطبع ولذلك يلجئون إلي أحد المزورين الذي يصنع تأشيرة الدخول إلي العديد من دول العالم وكل دولة لها سعر خاص فأمريكا تساوي مثلاً 10 آلاف دولار بينما أفغانستان نصف دولار!!
والحقيقة التي أشار لها الفيلم هي أن المجتمع الإيراني منقسم جزء منه يؤيد الدولة ومتشدد بطبعه في تعامله مع الفن، وجزء آخر متعاطف ومنفتح ويقدم الفيلم من خلال أحداثه تواطؤ الشرطة.. فهم ينفذون بالطبع القوانين التي تصادر الآلات الموسيقية وتمنع إجراء البروفات ولكن في نفس الوقت يتقاضون رشوة مقابل السكوت وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية!!
يمزج المخرج الروائي بالتسجيلي فهو يقدم أحداثاً واقعية ولكن جزءاً كبيراً منها يعاد تمثيله مرة أخري.. ورغم ذلك فلم يستعن المخرج إلا بعدد محدود جداً من الممثلين المحترفين والآخرين يعيدون سرد تفاصيل حياتهم.. من المفارقات الموحية في هذا الفيلم أن القطط الممنوعة من مغادرة البيوت والانطلاق للناس في الشارع ومثل هؤلاء الفنانين كانت تسترق السمع بمتعة كبيرة إلي تلك الأنغام الموسيقية المنبعثة من أجهزة الصوت وحرص المخرج علي أن يستخدمها في لقطات قريبة وهي في حالة نشوة وكأنهم يتذوقون أيضاً تلك الأنغام وأغلب القطع الموسيقية غربية الإحساس تنتمي إلي نوع يسمي "الميتال" منتشرة في العالم كله!!
إنه أحد الأفلام الممتعة التي تستحق التأمل وأتصور أنه أيضاً من الأفلام التي سوف تتنافس بقوة علي جائزة اللؤلؤة الذهبية!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.