يمر الاقتصاد الوطني بمرحلة فاصلة في تاريخه في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي من أزمات كبيرة نتيجة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي ألقت بظلالها على الوضع الداخلي، والذي لم يستفق بعد من تداعيات أزمة كورونا، وتسبب ذلك في وجود مشاكل كبيرة بسوق الصرف وندرة للنقد الأجنبي في توفير متطلبات السوق من مستلزمات الإنتاج وغيرها من الواردات، الأمر الذي دفع الحكومة لمعالجة ذلك عن طريق السعي وراء الاتفاق حول برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، وتم بالفعل الاتفاق على مستوى الخبراء وما زالت الإجراءات بين الحكومة وصندوق النقد مستمرة لتفعيل هذا البرنامج. وفي هذا السياق، استضاف مشروع حلول السياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة ندوة بعنوان «قرض جديد لمصر: كيف يكون مختلفا هذه المرة؟» حاضر فيها الدكتور جودة عبدالخالق، المفكر الاقتصادي وزير التموين الأسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، وأيضا الدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق، حيث أكدوا أن الاتفاق مع صندوق النقد لن يأتي بجديد عن المرات السابقة، مشددين على أن هناك بالفعل سياسات بديلة تغني عن برامج صندوق النقد، ولكنها تتطلب بأن يدير المشهد الاقتصادي «اقتصاديون»، وأيضا الاهتمام بالتصنيع وخفض الواردات وترشيد الإنفاق غير الضروري، وتحقيق مرونة فعلية لسعر الصرف. ………………………………………………………… جودة عبدالخالق: الجنيه فقد 50% من قيمته خلال عام.. واقتصادنا لا يديره «اقتصاديون» ضرورة إعلان اقتصاد حرب.. وإعادة النظر في سياسة الإنفاق الحكومي الفجوة التمويلية تتراوح بين 25 إلى 50 مليار دولار.. ومصر تمر بأزمة عملة طاحنة هناك بدائل للتعويم.. ويجب التفرقة بين الحماية والعدالة الاجتماعية مطلوب وضع سقف معلن للدين العام.. وتشغيل المصانع المتوقفة أكد الدكتور جودة عبدالخالق، المفكر الاقتصادي ووزير التموين الأسبق، أن الحكومة أعلنت عن البرنامج الجديد للصندوق والوصول إلى اتفاق على مستوى الخبراء، بالتزامن مع عقد المؤتمر الاقتصادي، موضحا أن هذا يطرح تساؤلا حول إذا كان المؤتمر الاقتصادي قصد منه قطاعات أوسع من أصحاب المصلحة حول الشأن الاقتصادي، ثم يفاجأ الجميع بإعلان الحكومة بهذا الشأن، والتساؤل هو الغاية من عقد المؤتمر الاقتصادي. وأكد أن آليات التواصل مع صندوق النقد الدولي مع جميع البلدان واحدة، مضيفا أنه ليس هناك جديد في البرنامج الأخير، وأنه بالتشخيص المتعمق لهذه الحالة، وما إذا كان يمكن أن نسميه إصلاحا من عدمه، يتبين لنا أن تشخيص أزمة الاقتصاد الوطني على مدار السنوات الماضية، هو يميل إلى النزعة المركزية، حيث إن هذا المجتمع له اتجاه عام واضح من الناحية الاقتصادية، مضيفا أن الاقتصاد المصري لا تديره جهة واحدة فهناك أكثر من 5 جهات مختلفة، ويتعرض لكثير من الصدمات الخارجية، وفي نفس الأمر فإن الاقتصاد الوطني لا يديره اقتصاديون، والفكر الهندسي والمحاسبي، هما اللذان يقودان المشهد الاقتصادي، والأمر يتطلب أشخاص بفكر اقتصادي، مشيرا إلى أننا إزاء عدة اقتصادات تتصارع مع بعضها البعض، مما يضعف الهيكل العام، وإهدار كبير للطاقة المجتمعية. وقال إن اللجوء إلى صندوق النقد ومها كانت شروطه جيدة، إلا أنه ليس كافيا لإصلاح الاقتصاد، وتابع أنه في 11 أغسطس 2016، تم التوصل إلى اتفاق بين مصر والصندوق على مستوى الخبراء بفتح الطريق لحصول مصر على قرض قيمته 12 مليار دولار، وتم إعلان تعويم الجنيه في 3 نوفمبر، ورفع أسعار الطاقة بما يتراوح بين 30% إلى 50%، وحول مكونات برنامج الإصلاح طبقا للاتفاق مع الصندوق، أكد أن البرنامج يستهدف تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة بإقرار ضريبة القيمة المضافة وترشيد الدعم، وتقليل الدين العام المحلي من 98% إلى 88% من الناتج خلال 2015/2016 وحتى 2016/2019، وأيضا تحسين عمل سوق الصرف الأجنبي، بجانب رفع معدل النمو الاقتصادي من خلال تسريع الإصلاحات الهيكلية لزيادة الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص، إضافة إلى توسيع شبكات الحماية الاجتماعية في اتجاه التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي. وأضاف المفكر الاقتصادي، أنه في 22 أكتوبر 2022، تم الإعلان عن اتفاق على مستوى الخبراء بين الجانب المصري وصندوق النقد الدولي بشأن برنامج الإصلاح الوطني الشامل والممتد لمدة أربع سنوات، مضيفا أن برنامج الصندوق الجديد، سيتيح لمصر 3 مليارات دولار من صندوق النقد، و1 مليار دولار إضافي من آلية الاستدامة، و5 مليارات دولار من البنوك والمؤسسات المالية، حيث تنوي الحكومة تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي من شقين، هما إجراءات مالية ونقدية لاستعادة الاستقرار الاقتصادي، وإجراءات للإصلاح الهيكلي "من التدابير التي تساهم في زيادة تنافسية الاقتصادي الوطني وتحسين بيئة الأعمال ودفع معدلات الإنتاجية ومعدلات التصدير السلعية والخدمية". وتحدث «عبدالخالق» حول تشخيص الحالية للاقتصاد الوطني، موضحا أن الفجوة التمويلية بمفهومها المالي أو حتى ميزان المدفوعات، تتراوح بين 25 مليار دولار أو في بعض التقديرات تصل إلى 50 مليار دولار، مضيفا أن مصر تمر بأزمة عملة طاحنة، فالمراقب للأسواق يرى جيدا الأزمة التي يمر بها الجنيه المصري، وفي المقابل ما يحدث من إجراءات معلنة عنها لا ترتفع لمستوى الحدث، موضحا أنه خلال عام مضي فقد الجنيه أكثر من 50% من قيمته. وأضاف وزير التموين الأسبق، أن الاقتصاد المصري ينتج سلعا ومنتجات لا تتدخل في مجال التبادل التجاري وهو قطاع الخدمات، وما ينتجه من خلال الزراعة والصناعة نسبيته ضعيفة جدا وتقل مع الوقت، وهذا يوضح سبب وجود أزمة كبيرة في ميزان المدفوعات، ويجب أن يكون لدينا ما نتناوله في الساحة الدولية، موضحا أننا أمام اقتصاد ريعي، يشهد تراجع الصناعة والزراعة وافتقاد للأمن الغذائي، وكذلك فإن نسبة المكون الأجنبي كبيرة جدا، وتبعية السياسة النقدية للسياسة المالية وهذا يحتاج منا إلى تركيز شديد لاستهداف التضخم وخفض معدلاته وتقليل العجز المالي. وفيما يخص سعر الصرف، أكد أن هناك بدائل للتعويم، ومنها تعديل سعر الصرف بالربط بسلة عملات بدلا من الربط بالدولار الأمريكي وحده، مع استهداف استقرار سعر الصرف الحقيقي الفعال بالسيطرة على التضخم، أيضا تخفيض الواردات بتفعيل نص المادة 12 والمادة 18 ب من اتفاقية الجات، ويسمح هذا بالسيطرة على العجز التجاري بقدر أقل من التخفيض. وقال المفكر الاقتصادي، إن هناك فرقا كبيرا بين الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية، مضيفا إنه ليس هناك داع لسياسات تفقر المواطنين، وأن البرامج التي تتم حاليا هي تخفيف الإضرار عن بعض الفئات تماشيا مع برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تزعم الحكومة تنفيذه، مشيرا إلى أن الاقتصاد الوطني حاليا محكوم ب"الثالوث المستحيل". وأكد أنه بالفعل هناك بدائل تغني عن برامج صندوق النقد الدولي، مشددا على ضرورة إعلان اقتصاد الحرب للتغلب على الأزمة الحالية، وتطبيق برنامج جاد للتقشف لتقليل الطلب الكلي، وإجراءات لدفع عجلة الإنتاج لزيادة العرض الكلي، لافتا إلى أن هذا يتطلب إعادة النظر في سياسة الإنفاق الحكومي، وترشيد الإنفاق على بعض المشروعات القومية أو إبطاء بعضها وفقا للمصلحة العامة، وأيضا تشغيل المصانع المتوقفة، وكذلك فرض الضرائب التصاعدية، وإعادة الضرائب عن الأرباح الناتجة عن التعاملات في البورصة. وأضاف أن البرنامج البديل يتضمن أيضا وضع سقف معلن للدين العام لا يمكن تجاوزه لحماية الأجيال القادمة، وأيضا محاربة الفساد، ووضع حد أقصى لكمية النقود بمعدل يساوي زيادة الإنتاج لضمان الاستقرار النقدي، إضافة إلى إعادة النظر في نظام دعم القمح والخبز والسلع التموينية لمكافحة وردع المتلاعبين بأقوات الغلابة. وشدد «عبدالخالق» على ضرورة وضع قيود على الواردات إعمالا لحقوق مصر كعضو في منظمة التجارة العالمية، وأيضا تغيير نظام سعر الصرف بربط الجنيه بسلة عملات، إضافة إلى إصدار تشريعات لتحقيق الكفاءة والعدالة. ………………………………………. أحمد جلال: قرض صندوق النقد لن يكون الحل السحري لمشكلاتنا الاقتصادية بداية حل الوضع الاقتصادي الحالي يتوقف على السياسات التي نتبناها روشتة الصندوق لعام 2016 أتت ببعض الثمار.. خدمة الدين وصلت إلى 54% من إيرادات الموازنة لعام 2022/2023 برنامج الحكومة للإصلاح الهيكلي غير موجود على أرض الواقع ضرورة تبني آلية فعالة لصياغة أولويات الإنفاق العام
أكد الدكتور أحمد جلال، وزير المالية الأسبق، أن الحديث عن أن صندوق النقد لديه روشتة مختلفة لمصر هذه المرة ليس صحيحا، موضحا أن الصندوق تتم الاستعانة به لحل مشكلتنا الاقتصادية، على الرغم من أنه هو من تسبب في المشكلة في المقام الأول. وقال وزير المالية الأسبق، إن الصندوق ليس لديه سوى روشتة واحدة لكل البلدان والعصور بتنويعات بسيطة، ومن المؤكد أن قرض الصندوق الجديد ليس الحل السحري لمشكلتنا الاقتصادية، مؤكدا أنه علينا أن نعترف بأن الحل يبدأ وينتهي بالسياسات التي تتنباها الدولة. قال «جلال» إن برامج الصندوق يمكن اختزالها في 3عناصر، التوازن الكلي، عن طريق ضبط السياسية النقدية لتحسين ميزان المدفوعات، بتبني سياسة سعر صرف مرنة، ورفع سعر الفائدة، حتى لو كان ذلك على حساب معدلات النمو مؤقتا، وأيضا ضبط المالية العامة عن طريق تقليل عجز الموازنة، وبالتالي الدين العام، من خلال تخفيض المصروفات وزيادة الإيرادات وربما بيع بعض الأصول العامة، والتي أطلق عليها "الخصخصة". وتابع أنه من برامج الصندوق أيضا الدعوة الخجولة لتشجيع القطاع الخاص من أجل النمو والتوظيف، موضحا أنها دعوة خجولة لأنها لا تتعدي التشجيع، وتقع في اختصاصات البنك الدولي. وأضاف أن من برامج الصندوق تتضمن أيضا، الحماية الاجتماعية، وليس العدالة الاجتماعية، ويتم ذلك عن طريق الدعم النقدي المشروط أو غير المشروط، مضيفا أن هذا جاء نتيجة الانتقادات التي لحقت ببرامج الصندوق. وشدد وزير المالية الأسبق، على أن روشتة صندوق النقد لعام 2022 لا تختلف كثيرا عن روشتة عام 2016، قائلا إننا لا ننكر أن روشتة عام 2016 أتت ببعض الثمار في وقتها، ومنها القضاء على السوق السوداء للدولار، وانخفاض التضخم بعد موجة ارتفاع مصاحبة للتعويم، وإنهاء مسلسل تناقص الاحتياطي النقدي من العملة الحرة، وكذلك تراجع عجز الموازنة وتحقيق فائض أولي يقارب 2% من الدخل القومي، موضحا أن هذا كان يدل على تراجع الدين العام مع مرور الوقت. وأضاف أنه مع هذه الإيجابيات، إلا أن الاقتصاد الوطني بدأ يعاني في الشهور الأخيرة من نفس الاختلالات الكلية التي سبقت اتفاق 2016، فعلى صعيد السياسة النقدية، تزايدت الضغوط على الجنيه مقابل الدولار، وتراجع الاحتياطي النقدي، وارتفع معدل التضخم، وندر الدولار لاستيراد مدخلات الإنتاج. وأوضح وزير المالية الأسبق، أن أسباب هذه الاختلالات ترجع إلى افتقاد السياسة النقدية محور ارتكاز واحد، رغم إعلان استهداف معدل تضخم 7%، ومحاولة التحكم في سعر الصرف، وسعر الفائدة، في وقت مسموح فيه بحرية حركة رؤوس الأموال، مشيرا إلى أن هذا غير ممكن. كما أشار إلى استهداف سعر الصرف الأسمي، رغم تعويمه، مبرهنا على ذلك ثبات قيمة الجنيه مقابل الدولار لسنوات عند 16 جنيها، ومن الأسباب أيضا، فرض قيود على الواردات عندما زادت الضغوط على الجنيه قبل السماح له بالحركة مرة أخرى من عدة أشهر، مشددا على أن المشكلة القائمة ليس المتسبب فيها صندوق النقد، ولكنها مشكلة القائمين على السياسة النقدية. وعلى صعيد السياسة المالية، قال إنه بدأ عجز الموازنة والدين العام في الزيادة، إلى أن وصلت خدمة الدين طبقا لوزارة المالية، ما يساوي 54% من إيرادات الموازنة لعام 2022/2023، موضحا أن أسباب ذلك هو اضطرار الحكومة لمواجهة ظروف عالمية استثنائية "كورونا وحرب أوكرانيا"، وأيضا غابت المبادرات لزيادة مرونة وإعادة هيكلة الإيرادات والمصروفات، فضلا عن التوسع في الاستدانة كنتيجة طبيعية لزيادة العجز، وقد تفاقمت ظاهرة الإخلال بمبدأ "وحدة الموازنة" في شكل إنشاء صناديق سيادية خارج الموازنة، مشيرا إلى أن هذه المشكلة ترجع جزئيا للظروف غير المواتية عالميا، لكنها ترجع جزئيا لاختيارات الحكومة. وحول المسكوت عنه في برامج الصندوق قال «جلال» إن الصندوق يعتقد أن الدعوة لمساندة القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال هما أفضل السبل للإسراع بمعدلات النمو، ولكن هذا الاعتقاد لا يعكس فهما جيدا لواقع الاقتصاد الوطني، مضيفا أنه على الرغم من أن الاقتصاد الوطني حقق معدلات نمو معقولة في السنوات الإخيرة، مع تحسن كبير في البيئة التحتية، لكن مصادر النمو اعتمدت تاريخيا على تراكم عناصر الإنتاج وليس الإنتاجية. وأضاف وزير المالية الأسبق، أن هيكل الاقتصاد لم يشهد تغيرا كبيرا بانتقال عناصر الإنتاج إلى القطاعات الأكثر إنتاجية، بل استمر الاعتماد على الإيرادات الريعية، لافتا إلى أنه مؤخرا شهدنا توسعا في القطاع العقاري والذي يعد "ضعيف العائد والاستخدام"، قائلا إنه بالفعل تمتلك الحكومة برنامجا للإصلاح الهيكلي، ولكن النتائج على أرض الواقع غير ملحوظة حتى الآن. وفيما يخص قضية عدالة توزيع عوائد النمو، أوضح أن الصندوق لا يرى غير فكرة الحماية عن طريق الدعم النقدي المشروط أو غير المشروط، وهذا ما فعلته مصر في إطار الاتفاقين الأول والثاني، إضافة لمبادرة حياة كريمة في الريف، مضيفا أن الإشكالية هنا، هو أن الدعم النقدي لا يغطي سوى جزء يسير ممن يقعون تحت خط الفقر، وآخر تقدير لهم كان حوالي ثلث السكان، كما أن مبادرة حياة كريمة ما زالت في بدايتها. وتابع أن الإشكالية الأكبر هو أن الفهم يغفل فكرة تكافؤ الفرص، خاصة عن طريق التعليم والصحة، حيث توجهت الحكومة في السنوات الأخيرة نحو التوسع في التعليم الخاص، والتأني في تطبيق التأمين الصحي الشامل، مؤكدا أنه ليس هناك آلية لحماية الدخول من التآكل بسبب التضخم، قائلا: إذا كان الصندوق غير مختص بهذا الشأن، فهذه مسألة هامة للمصريين. سياسات بديلة وشدد وزير المالية الأسبق، على أن هناك سياسات بديلة بعيدا عن برنامج صندوق النقد الدولي، ولكن يجب الإشارة أولا إلى أنه من حق الصندوق ان يركز على السياسات الكلية قصيرة الأجل، على أساس أن هذا هو الدور الملقى على عاتقه بحكم ما توافق عليه مؤسسوه بعد الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أن الحكومات يقع عليها واجب اختيار السياسات الملائمة من بين ما يعرضه الصندوق، وواجب عليها أيضا أن تولي قضيتي النمو وعدالة التوزيع ما يلبي طموحات شعوبها. وأضاف أن من أبرز السياسات البديلة، لعلاج مشكلة ميزان المدفوعات، فيجب توفير حزمة من السياسات لزيادة المعروض من العملة الصعبة من المصدرين، والعاملين بالخارج، والمستثمر الأجنبي، وعودة السائح لمصر مرة ثانية، مضيفا أن برنامج دعم الصادرات الحالي انتقائي، وكذلك فكرة الإحلال محل الواردات أثبتت أنها مكلفة، وأيضا العائد من مبادرة السيارات الخاصة للعاملين بالخارج مقابل وديعة دولارية حل جزئي وغير متكرر، بجانب أن الترويج للسياحة غير كاف، ويجب علينا تحسين ظروف العرض. وطالب وزير المالية الأسبق بوجود إدارة رشيدة ومعلنة للسياسة النقدية، وتكون اهم ملامحها، تفعيل سياسة استهداف التضخم، والاستمرار في القرارات الأخيرة للحكومة بعدم تبني البنك المركزي مبادرات مكلفة للموازنة العامة، وأيضا اختيار القائمين على السياسة النقدية بخلفية اقتصادية وليست بنوك تجارية. وأوضح أنه لعلاج مشكلة عجز الموازنة والدين العام، فيجب تبني آلية فعالة لصياغة أولويات الإنفاق العام، وضمان شمولية المالية العامة، وكذلك إعادة النظر في المنظومة الضريبية وآلياتها. وفيما يخص النمو والإنتاجية، أكد ان هناك محاولات لتحسين مناخ الأعمال، لكن ترتيبنا ما زال متدنيا بدرجة كبيرة مقارنة بالدول المثيلة وهناك المغرب نموذجا على ذلك، مضيفا أن هناك تركيزا مُبالغا فيه على الاستثمار الجديد، وتعاونا أشد في استغلال الطاقات المتاحة، وهي أكبر بكثير من إسناد المهمة لصندوق مصر السيادي، لآن الأصول غير المستغلة موجودة في كافة أنحاء البلاد، وتابعة لكل الوزارات، مشددا على أن السياسات القطاعية القائمة تحابي قطاع العقارات على حساب الصناعة والزراعة، حتي وإن كانت النتيجة إنشاء منتجعات لا يتم استخدامها غير شهور قليلة في العام. وأشار «جلال» إلى أنه من السياسات البديلة أيضا، هو تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، حيث لا يحظى الانفاق على التعليم والصحة بالنسب المنصوص عليها في الدستور، أو بما يسمح لهذين القطاعين بتقديم الخدمة بشكل جيد وكاف، موضحا أن قلة الموارد ليست مبررا إذا ما تم اعتبار أن هذين القطاعين يمثلان أولوية للمواطن، مضيفا أن الحكومة تملك زيادة الإيرادات أو إعادة توزيع الموارد المتاحة. وأوضح وزير المالية الأسبق، أنه بالنسبة لتسعير الخدمات، فما يتم هو التفرقة بين المستهلكين على أساس شرائح متصاعدة، إلا أن تكلفة الخدمة لا يتم احتسابها على أساس معياري، أو عن طريق أجهزة مستقلة عن المنتجين، وفيما يخص الأجور، قال إنه بالفعل يحصل العاملون في الدولة، وغالبية من يعملون في القطاع الخاص الرسمي على زيادات سنوية، ولكن هذه الزيادات ليست مبنية على أساس تفاوضي، ولا يتم ربطها كما يجب بالتضخم والإنتاجية، مشيرا إلى أن العاملين في القطاع غير الرسمي، وعددهم لا يقل عن 40% من القوى العاملة، فهم خارج أي منظومة للأجور. واختتم قائلا: قرض صندوق النقد لن يكون الحل السحري لمشكلاتنا الاقتصادية، وحل المشكلة لابد أن يتجاوز التوازنات الكلية في الأجل القصير، وأن يتضمن طبيعة النمو الذي نسعى لتحقيقه، مع الأخذ في الاعتبار قضية عدالة التوزيع وعوائد النمو التي تضمن السلام الاجتماعي.