المخرج: صلاح أبوسيف- دينار فيلم- قصة : نجيب محفوظ- سيناريو: السيد بدير – صلاح أبوسيف- حوار : السيد بدير- مدير التصوير: وحيد فريد- بطولة : هند رستم- عبدالسلام النابلسي- عبدالمنعم إبراهيم- محمود المليجي- سعيد أبوبكر- نعيمة وصفي- قدرية قدري- عبدالغني النجدي- عبدالمنعم مدبولي- أمين وهبة- شفيق نورالدين- يعقوب ميخائيل- محمود عزمي- ثريا فخري- سامية رشدي- علي رشدي- حسن الدويني- أحمد لوكسر- محمود مختار- كامل أنور- خالد العجاني- ناهد سمير- بالاشتراك مع الوجوه الجديدة: زيزي مصطفي- سيد القاضي- ميمي صدقي- تاريخ العرض : 9-11-1959- مدة الفيلم : 85 دقيقة يحتل الفيلم الترتيب (58) في استفتاء أحسن مائة فيلم مصري, كما جاء في الترتيب (34) في قائمة مكتبة الإسكندرية 2007, صورت أحداثه في عمارة لوبون بالزمالك, قوبل الفيلم بهجوم من النقاد, وعزفت الجماهير عن مشاهدته, لكن أعيد له الاعتبار بعد عقد كامل, أغلب الظن أن الفيلم أصاب الجماهير بالاكتئاب عند رؤية 14 شخصا داخل اسانسير معلقين في الهواء بين الحياة والموت. روي صلاح أبو سيف في محاوراته مع هاشم النحاس: عندما كانت زوجتي حاملا في ابني, وكنا في الطريق إلي الدكتور, صعدنا بمصعد العمارة, وفي منتصف المسافة انقطع التيار الكهربائي, وتوقف المصعد, قضينا حوالي ساعة ونصف داخل المصعد في الظلام, وشعرنا أن الموت يقترب منا, ومن هذا الموقف جاءتني فكرة الفيلم, وفي نفس الليلة ذهبت إلي نجيب محفوظ في مقهي بورفؤاد وعرضت عليه الفكرة, اعجبته الفكرة, كنت أشعر وأنا أنفذ الفيلم أنني مقبل علي عمل جديد تماما في السينما سيحقق نجاحا عالميا بفكرته غبر المسبوقة, وان تكررت فيما بعد في أفلام أجنبية, وعندما حضرت العرض الصباحي للفيلم كان كلى ثقة, ولكني فوجئت بأحد المشاهدين في منتصف العرض يقوم ويصيح في وسط الصالة محتجا علي ما يراه: ايه القرف ده, وفي المساء حضرت عرض حفل الافتتاح الذي يحضره المسئولون والفنانون والاصدقاء, بعد العرض لم ألمح علي وجه واحد منهم علامة الرضا, بل الوجوم والاعتراض, اخذت سيارتي ورحت أدور بها في شوارع القاهرة في منتصف الليل وأنا أبكي وتساءلت ما الخطأ, ولم تكن عندي اجابة, كيف يفشل كل هذا الجهد؟ انتظرت عدة أيام حتي تهدأ نفسي, وعقدت جلسة مع الأصدقاء كامل التلمساني وكمال الشيخ وفطين عبد الوهاب واحسان عبد القدوس, اسألهم لماذا سقط الفيلم؟ ولم نستطع الوصول إلي اجابة مرضية. وبعد عشر سنوات عرض الفيلم في التليفزيون, وفوجئت وأنا أدخل نادي الجزيرة أن النادي كله يتكلم عن الفيلم, وكيف أنهم فوجئوا به ولم يسبق لهم مشاهدته, وأصبح الفيلم من كلاسيكيات السينما المصرية, وحصل علي جائزة أجرأ مخرج من المركز الكاثوليكي. ويصيف أبو سيف:" وضعت داخل المصعد 14 شخصية مختلفة لأعبر عن أكبر عدد ممكن من فئات الناس ونوعياتهم, من المشاهد الصعبة التي تم تصويرها مشهد للمصعد يقف بين دورين ويحاول عبد السلام النابلسي أن ينزلف من الفجوة المتاحة إلي خارج المصعد, بالطبع استخدمنا دوبلير, ليقوم بالدور حرصا علي حياة عبد السلام النابلسي أو أن يصيبه أذي, ولكن الدوبلير أيضا انسان, وكان قلبي يرتجف خوفا من وقوع أي خطأ يؤدي إلي موته أو اصابته بضرر, وأن كانت تجربتي بالمونتاج لمدة عشرة سنوات قبل الاخراج تجعل تنفيذ مثل هذه المشاهد أسهل نسبيا حيث يمكنني تقطيع المشهد إلي لقطات وزوايا تجعل المشهد مقنعا عند تركيبه علي الموفيولا بينما هو في حقيقته مصطنع وملفق.. تكوين الصورة أيضا في "بين السماء والأرض" كان يقتضي معاملة خاصة, فحشر 14 شخصية في مكان ضيق كان يقتضي عدم ظهور أي لقطة لشخص وحده حتي لو كانت لقطة قريبة لإحدي الشخصيات, كان لابد أن يظهر فيها إلي جانبه جزء من شخصية أخري, وذلك لتأكيد الموقف الذي يجمعهم وتأكيد المكان في كل لحظة, وإلا فقد الحدث مصداقيته.. وقد تم تصوير عدد كبيرمن اللقطات داخل ديكور, ولكن هناك أيضا العديد من اللقطات التي كان لابد من تصويرها باستخدام مصعد حقيقي رغم حيزه المحدد وحركته المحدودة.. ويختتم كلامه : "الجمهور لم يتعود مثل هذه الموضوعات داخل مصعد طوال الفيلم, لم يتقبل الجمهور هذه المعالجة التي فاجأته, وقد تعود أن يري في الفيلم الانتقالات بين المشاهد الداخلية والخارجية في الهواء الطلق.. كانت تجربة جديدة حتي علي المستوي العالمي, وأن تكررت فيما بعد. وجاء تعقيب هاشم النحاس: فيلم "الحبل" لهتشكوك دار في مكان واحد وأيضا فيلم "قارب النجاة" لنفس المخرج, وكذلك فيلم "12 رجلا غاضبا", وأفلام أخري, لكن الفرق أن فيلم "بين السماء و الأرض" وهذه الأفلام, أن الحبكة في هذه الأفلام تنمو في خط طولي, أما في فيلم "بين السماء والأرض" فلا توجد حبكة واحدة وانما مواقف متفرقة وعديدة بتعدد الشخصيات, الاحداث هنا لا تنمو ولكن تتراكم. والمتفرج يفضل متابعة العمل الدرامي ذي الحبكة المتنامية حيث تكون أكثر جاذبية, ولعل ذلك هو السبب الرئيسي لعدم اقبال الجمهور علي الفيلم. كتب موسي صبري في جريدة الأخبار تحت عنوان "لماذا علقت نفسك يا صلاح": "خرجت من فيلم "بين السماء والأرض" وانفعالي به معلقا أيضا بين السماء والأرض, لقد أجبرتني القصة علي تتبع أحداثها, ولكنها لم تقنعني بها, أثارت فضولي ولكنها لم تشبعه, لقد كنت في لهفة أن أعرف ماذا سيجري لهذا العدد من الرجال والنساء الذين توقف بهم المصعد علي غير انتظار, فجمعت بينهم فجأة كارثة واحدة, رغم اختلاف طباعهم ومقاصدهم, وحل لي المؤلف المشكلة, وتركت قاعة السينما, ولكنني لم أحس أن أحداث القصة قد تسربت إلي أعماقي أو أوضحت لي غامضا في حياتي, أو أضافت إلي تأملاتي وميضا يبهر وجداني. لماذا؟ هذا السؤال حيرني ثلاثة أيام والمخرج صلاح أبو سيف واحد من النفر القليل الذين يجلسون عن جدارة فوق القمة, والمؤلف نجيب محفوظ, سيد مطاع في دنيا القصة, لماذا لم "تضرب" هذه القصة, كما يقول السينمائيون؟, هل لأنها مغامرة من صلاح أبو سيف الذي شاء أن يجازف باعتقال فنه داخل غرفة صغيرة مغلقة, هي غرفة المصعد, وشاء أن ينتصر بالقدرة الفنية المعتمدة علي تصوير النفوس وانفعالاتها, وجمهورنا لم يألف هذا النوع من القص السينمائي, وجمهورنا لايزال يريد الأحداث التي تهز مشاعره في قصة طويلة عريضه تنتقل في رحابه إلي اكثر من مكان.. هل هي المغامرة التي سلبت صلاح أبو سيف حقه من النجاح؟.. إنها مغامرة جديدة, ليس في هذا شك. وتجربة سينمائية تستلزم من المؤلف والمخرج جهدا ضخما, وإرهاقا ذهنيا, ولا خلاف علي ذلك, ولكن هذا ليس هو السبب في عدم نجاحها, بل لعله السبب في لهفة الكثيرين, علي رؤية هذا العمل الجديد.. هذا المأزق الذي اختار المخرج أن يضع نفسه فيه, عن إيمان بفنه, كيف خرج منه؟.. والاجابة علي هذا السؤال. كيف خرج المخرج من المأزق؟ هو العنصر الوحيد الذي اعتمد عليه الجمهور في الحكم علي الفيلم, بأنه محاولة فنية لم ترتفع إلي قمة الإدراك, ولم تهبط إلي درك الغفلة.. وقد وضح لي, بعد أن انفردت بنفسي طويلا, لكي أعدل في تسجيل انطباعاتي أن المخرج والمؤلف, كانا مترددين كثيرا, وهما يعالجان القصة, وهذا التردد جعلهما يخطئان في الحكم علي وعي الجمهور, كان شبح عدم الثقة, باستجابة الجمهور لهذه التجربة الجديدة, يهدد انساق تفكير المخرج والمؤلف .. فيحجمان ثم يقدمان.. حتي اهتزت الفكرة الأصلية, ففقدت شجاعتها في كثير من المواضع, وهذا الخوف من الجمهور هو الذي جعلهما يحشران أربعة عشر رجلا وامرأة, ويجريان علي ألسنتهم الصورة الواضحة لكل شخصية ومما بتر من اكتمال رسمها, وجعل الأمر في كثير من الأحيان, يختلط في وعي المتفرج, من كثرة تداخل الحوار, وكثرة تشابك الأصوات, والحركات. *** المجنون : طلعت اصيلة عنك يابو السييد العريس المتصابي: دي عشرة العمر كله, أنا استاهل كل اللي يجراللي, كان جرالي ايه في عقلي لما اخطب بنت اد ولادي المتحذلق: دناوة.. عين فارغة, البني ادم العبيط دايما كده, يفكر في اللي ناسيه وينسي اللي فاكره البواب : احسن كلمة زينة قلتها انهاردة المتحذلق: اسكت انت يا صلصة (السيدة الحامل تتوجع وتصرخ, الكل يلتفت ناحيتها) المتحذلق : الولادة الممثلة: اجمدي.. اجمدي.. طب استريحي, استريحي.. الشنطة.. ياخي اوعي رجليك يا اخي.. اجمدي ياختي اجمدي.. والنبي خلي دي معاك المجنون: يحضروا القماط قبل ما ييجي العيل الممثلة: ياخويا اتنيل كدك البلا.. هو ده وقته.. يووه يادي النصيبة المتحرش: سامحني يارب, كنت ماشي في سكتي عدل, لكن نويت الشر, سامحني يارب المتدين: يا لطيف "إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ".. يا خفي الالطاف نجنا مما نخاف يارب العشيقة: استغفر الله العظيم, كل ده بسببك يا ابليس, نيتنا الوحشة ودتنا كلنا في داهية العشيق: بلاش الكلام ده عيب, الناس سمعنا العشيقة: ربنا بينتقم مني عشان كنت هخون جوزي الطيب, صاحبك اللي فتحلك بيته, فضحتني قصاد جوزي واولادي ربنا ينتقم منك المجنون: آه قوللينا الحكاية كده, وأنا بقول لازم يكون وسطنا واحد يكون المتحذلق: انت معندكش عقل أبدا المجنون: عندي كتير.. كتير أوي البواب: وسمعتي كلامه ليه يا مهشكة, اتاري العمارة ملغمة واحنا مش داريين, خلقات نضيفة وقلوب عالم بيها ربنا المتدين: " وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" صدق الله العظيم الحرامي: سامحوني يا جماعة زعيم العصابة: الله اثبت الحرامي : مش قادر مش قادر.. أنا حاسس اني أنا هاموت خلي ربنا يسامحي.. أنا غلطت في حقكم ونشلتكم المتحذلق: آه .. اللص التائب.. محفظتي.. محفظتي حالا.. الف جنيه.. الف جنيه الحرامي : اديله خمسة وتمانون قرش, اديله, وتحقيق الشخصية بتاعك اهو يا استاذ اتفضل البواب : تحقيق الشخصية الحرامي : اتفضل افتكر كان فيه حاجة البواب: كان فيه خمسة صاغ الحرامي: حطيتلك نص ريال البواب : كتر خيرك الحرامي: والمحفظة بتاعتك يا ست هانم.. اتفضلي البواب : النشال ضميره وجعه.. انت كرشك موجعكش تدفع تمن الديك المجنون: أنا كمان تبت خلاص.. معدتش اكل اكل حد ابدا.. انا هادفعلك تمنه هاتوا بقي لما اكله البواب : أوعي ايدك الحرامي: والاقلام.. الاقلام بتوعك يا استاذ اتفضل.. اتفضل.. والساعة دي يا جماعة بصراحة أنا مش عارف مين صاحبها المتحرش: وريني.. بتاعتي دي.. ساعتي.. ساعتي الحرامي: راحت منك فين المتحرش: راحت مني امبارح في اتوبيس نمرة 6 بالامارة كان فيه اتنين ستات تخان كده واقفين قدامي المراهقة: الحقوه.. هيموت نفسه.. هيرمي روحه من فوق العمارة رئيس العصابة: ما كفاية عياط بقي المراهقة: زمانه رمي نفسه المتحذلق: دي مؤامرة علي أعصابي المنمقة, دق فوق النافوخ يفتت اليافوخ – قطع- في هذا المشهد -الذي وصفه علي أبو شادي – تأتي لحظة المواجهة الحقيقية, فالموت قادم لا محالة حيث مساحة المصعد والهواء بداخله لا يتناسب مع عدد الركاب, ويبدأ البعض في محاسبة النفس والندم, وانتظار لحظة الموت, وتخلق اللحظة علاقات جديدة مخالفة لما قبلها.. فالنجمة السينمائية تتتحول إلي "داية" تساعد المرأة الحامل علي ولادتها, ويرد النشال سرقاته إلي أصحابها.. ويتضامن الجميع في محاولة إنقاذ الشاب صديق الفتاة المراهقة, ويقوم أحدهم بتمريض ومساعدة العريس العجوز المتصابي, ويعتذر الارستقراطي عن سفاهته, ويتحالف المجنون/العاقل مع الخادم, ويتنازل عن البالطو رغم أن ذلك سيكشف عن هويته التي أخفاها في مقابل ستر المرأة التي تلد, ويتحقق في لحظة, حلم المجتمع الفاضل, المجنون العاقل يقترح: "نقسم نفسنا فرق فرق, ناس تزرع وناس تقلع.. الستات تعجن والرجالة تخبز" صيحة العدل والحق والمساواة وتكافؤ الفرص.. ويعلو صوت الخادم "تحيا الديمقراطية".. وتتجسد رؤية الفنان, فالطبقات والفئات تتحد وتتأزر وتتناسي خلافاتها الطبقية في حالة مواجهة الخطر.. فإذا زال الخطر عادت كل فئة, أو طبقة للبحث عن مصالحها, وتدخل في صراع الفئات الاخري مثلما حدث مع مجموعة المصعد.. فما أن شعروا بزواله حتي عاد النشال لممارسة عمله, وعاود ملاحق النساء متابعته لخلفياتهن.. وبرغم مأساوية اللحظة ودلالتها علي المستوي الفردي والجماعي.. ورغم أنها يمكن أن تشكل ملامح تراجيدية .. إلا أن السيناريو يختار الاسلوب الكوميدي علي بناء المواقف المركبة .. والتي يكون قد سبق التمهيد لها في مشاهد سابقة .. أو علي المفارقات اللفظية في الحوار..