الولايات المتحدة ترسم حدود أوكرانيا من جديد بعد نزاع الدنباس وتريد التأكيد على الحدود الدولية لأوكرانيا واشنطن ليس لديها ترف التخلى عن أوكرانيا بعد تخليها عن أفغانستان د. نبيل رشوان مما لا شك فيه أن التصعيد على الحدود الأوكرانية – الروسية قد زاد من حدة الخلاف بين الولاياتالمتحدة وأوروبا وحلف الناتو من ناحية وروسيا وحليفتها بيلاروسيا من جهة أخرى، حلفاء روسيا الآخرون بعيدون عن مسرح الأحداث. البعض رسم سيناريوهات مدمرة وعنيفة لما يمكن ان يحدث فى حال قيام روسيا باقتحام الحدود الأوكرانية، روسيا من جانبها لم تعط الأمر الاهتمام الكافى فهى كما يقول المتحدث باسم الكرملين ديميترى بيسكوف دولة ذات سيادة وتحرك قواتها هو داخل الأراضى الروسية، ولم يجد تفسيرا لحالة الهيستيريا التى انتابت الجانب الأوكرانى والغرب معاً، من جانبه صرح مستشار الرئيس بوتين للشئون الدولية أوشاكوف بأن تحرك القوات هو داخل الأراضى الروسية وليس الهدف منه أى تصعيد بأى حال، أما أوكرانيا فقد أعلنت أن روسيا ستهاجمها فى بدايات ديسمبر الجارى، ثم أجلت الميعاد وفق الجانب الأوكرانى إلى نهاية يناير بداية فبراير المقبل وفق توقعات مدير المخابرات الأوكرانية بودانوف (بالمناسبة نفس الشيء حدث عام 2014، عقب الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش، كل أسبوع كانت أوكرانيا تنتظر الهجوم الروسى)، لكن الجهود الدبلوماسية بين الولاياتالمتحدةوروسيا أخذت الطابع العملى تمثل فى تهديد روسيا بعقوبات شديدة، هذا بالطبع على خلفية حرب دبلوماسية تدور رحاها الآن من خلال طرد دبلوماسيين بالعشرات من البلدين. قوات روسيا اختلف البعض فى تقدير عدد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، البعض قدرها بحوالى 94 ألفاً فيما ذهب البعض لأبعد من ذلك ووصل بالعدد إلى حوالى 110 آلاف فرد، وفق مصادر من الجانب الأوكرانى ومن خلال أحاديث أجهزة المخابرات فى كييف مع وسائل إعلام أجنبية. لكن يجب التنويه هنا إلى أن كييف لم تأخذ التقارير الغربية عن الحشود الروسية على الحدود على محمل الجد، ومن خلال تصريحات رئيس مجلس الأمن القومى الأوكرانى والرئيس زيلينسكى نفوا أن يكون للحشود أى نوايا عدوانية، بعد ذلك تغير الموقف، وأصبح المتداول أن بوتين على وشك الهجوم وأن الاستعدادات اكتملت لبدء الهجوم واحتلال أوكرانيا، وهو تغير فى تقديرى أوعز به الغرب لأوكرانيا لأنهم يريدون سكب الزيت على النيران فيما يتعلق بالحشود على الحدود الروسية – الأوكرانية، الغرب ينفخ ويحاول تأجيج النيران رغم أنه لم يتحدث ولا مرة عن أنه سيدافع عن أوكرانيا، بل يتحدث عن معدات ومعونات عسكرية وتدريبات للجيش الأوكرانى وفرض عقوبات على روسيا، وهم هنا ربما يريدون اختبار أسلحة جديدة فى مواجهة مع السلاح الروسى سيكون ضحاياه بلا شك من الشعبين الشقيقين فى روسياوأوكرانيا. هجوم متوقع ورغم الشكوك التى أثيرت حول أن روسيا عازمة على الهجوم، فإن البعض يؤكد أن الهجوم سيقع فقط فى حالة تدهور الأوضاع داخل أوكرانيا نفسها وانزلاق البلاد لحالة من الفوضى، خاصة أن القيادة الأوكرانية تنتابها حالة من الشك فى المحيطين بها بعد تسريب معلومات عن مقاتلين لشركة "فاجنر" الروسية كانت أوكرانيا عازمة على اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة، والعملية فشلت بسبب تسريب معلومات للجانب الروسى والبيلاروسى من داخل ديوان الرئاسة. ومن الممكن أن تكون الفوضى بمساعدة بعض الأفراد غير المؤيدين لحالة العداء بين البلدين داخل كييف نفسها والتى كما يتصورون يكسب منها الغرب والناتو فقط. وبصرف النظر عن حجم الحشود العسكرية الروسية، فهى داخل الأراضى الروسية، وأكد القادة الروس سواء السياسيين أو العسكريين على أن روسيا لا تعتزم بأى شكل الهجوم على أوكرانيا، وفى تقدير الخبراء إن العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة وصلت إلى طريق مسدود سواء على مستوى حلف الناتو حيث أغلقت الممثليتان الروسية فى بروكسل والناتو فى موسكو، وها نحن نشهد حرباً دبلوماسية اندلعت بين البلدين طردت على أثرها الولاياتالمتحدة 50 دبلوماسياً روسيا، وبالطبع الأخيرة لن تقف مكتوفة الأيدى وستقوم بطرد دبلوماسيين أمريكيين بنفس العدد على أساس المعاملة بالمثل، ومن هنا كان لابد من تصعيد حتى تمتد أيدى الدبلوماسية للتهدئة، فروسيا نتيجة الأزمات مع الغرب وجدت نفسها معزولة بعض الشيء رغم وجود دور محورى لها فى الأزمات التى يسعى الغرب لحلها، ومن هنا جاء لقاء وزير الخارجية الروسى بنظيره الأمريكى فى بروكسل، حيث حذر الأمريكى بلينكن زميله الروسى لافروف من مغبة الهجوم على أوكرانيا، مهدداً بعقوبات لم تحدث من قبل، من جانبه أشار وزير الخارجية الروسى إلى أن مشكلة الدنباس مشكلة داخلية أوكرانية ولا علاقة لروسيا بها وعلى القيادة الأوكرانية الجلوس والتفاوض مع مواطنيها فى شرق البلاد والتفاهم على أساس اتفاقية مينسك وصيغة شتاينماير، اللذين وقع عليهما الجانب الأوكرانى من قبل. مباحثات افتراضية على صعيد آخر هناك جلسة مباحثات افتراضية ستعقد بين الرئيسين بوتين وبايدن على الأرجح فى السابع من الشهر الجارى، وهى من الممكن أن تخفف بعض الشيء من حدة التوتر، وفى اعتقاد الكثير من المراقبين قد تطالب روسيا بتعهد أمريكى بعدم توسع الناتو شرقاً على حساب دول الاتحاد السوفيتى السابق، وهو ما تعتبره روسيا تهديداً مباشراً لها ( نفس الشيء طلبته روسيا من الغرب عند انهيار الاتحاد السوفيتى ولم ينفذ الغرب شيئا، منه واستيقظت موسكو ذات صباح على وجود حلف الناتو فى جمهوريات البلطيق المتاخمة لحدود روسيا) فهل سيستجيب الرئيس الأمريكى أم أنه سيعتمد على أن الانضمام للناتو من عدمه هو مسألة تخص كل دولة على حدة، أم من الممكن أن يطالب الرئيس الأمريكى نظيره الروسى بالانسحاب من الحدود الأوكرانية والتخلى عن القرم مقابل ذلك، لا أتصور أن روسيا ستذهب لمثل هكذا الاقتراح، فهى متمسكة حتى الآن بورقة الدنباس لأنها تدرك أن حلها سيمنح أوكرانيا قوة اقتصادية هائلة، وسيجعلها تطالب بالقرم. وفى الوقت الذى تسعى فيه روسيا لتبرئة نفسها من أى علاقة بقضية جنوب- شرق أوكرانيا (الدنباس)، وتصر على أن الحل هو فى اتفاق مينسك، أو فى صيغة شتاينماير الرئيس الألمانى، تحاول الولاياتالمتحدة استغلال الحشود، للتأكيد على دور روسيا الحاسم فى دعم المتمردين فى شرق أوكرانيا، ومن ثم هى من لديها مفتاح الحل فى هذه المنطقة الأهم لأوكرانيا من الناحية الاقتصادية، وتعتبر أوكرانيا أن صيغة شتاينماير واتفاق مينسك سيفضيان إلى فصل شرق أوكرانيا عن البلاد، حيث يصر الانفصاليون فى دنيتسك ولوجانسك على أن تقف القوات الأوكرانية على الحدود بينهما وبين بقية الدولة الأوكرانية، وليس بين روسياوأوكرانيا، وهو ما يعنى انفصال لوجانسك ودنيتسك (الدنباس) عملياً، كما أننى كما قلت من قبل، روسيا وبرغم عدم مشاركتها فى الجدل والقتال الدائر فى شرق أوكرانيا إلا أن الرئيس زيلينسكى صرح بوضوح بأنه بدون روسيا لن يتم التوصل إلى حل فى الدنباس، معتبراً موسكو الداعم الرئيسى لهاتين المقاطعتين (دنيتسك ولوجانسك)، ومصلحة روسيا أن يبقى النزاع مستمراً إلى ما لا نهاية لأنه كما قلت النزاع فى شرق أوكرانيا سيجعل استرجاع روسيا للقرم أمرا واقعا، على المدى البعيد، وعلى أى حال روسيا صرحت أكثر من مرة بأن مسألة القرم منتهية. أمر دولى واقع فيما يتعلق بالولاياتالمتحدة فإنها هى الأخرى تريد فرض أمر دولى واقع فيما يتعلق بوجود حلف الناتو فى هذه المنطقة المتاخمة لحدود روسياالجنوبية، وهى تتسلل ببطء من خلال الخبراء وتدريب الجيش الأوكرانى وإمداده بالسلاح الأمريكى، وهو أمر جعل مسألة توجيه ضربة لأوكرانيا محفوفة بالمخاطر، ذلك أن معظم سلاح الجيش الأوكرانى كان من مخلفات الفترة السوفيتية ولم يتم تحديثه، والآن تم استبداله بسلاح غربى، كما أن روسيا حدثت سلاحها بالكامل تقريباً. ولذلك حذر خبراء عسكريون من أن الخسائر ستكون فادحة من الجانبين فى حال حدوث حرب، على اعتبار أن الجيش الأوكرانى الحالى يختلف عما كان عليه عام 2014 عند حدوث الأزمة، كما يقول عسكريون. فى اعتقاد البعض تريد الولاياتالمتحدة فى قرارة نفسها وقوع الحرب لأن ذلك سيتيح لها التخلص من أسلحة قديمة وتجربة سلاح جديد فى مسرح عمليات أوروبى انقطعت عنه الولاياتالمتحدة منذ حرب يوغسلافيا. لكن الأمر الأهم هو التأكيد على وجود حدود دولية لأوكرانيا خارج الدنباس يمكن الدفاع عنها، لأن الحدود الأوكرانية بعد استرجاع روسيا للقرم وانفصال تقريباً الجزء الشرقى (الدنباس) عنها أصبحت باهتة ومستباحة. وأخيراً ربما أرادت الولاياتالمتحدة الحصول على ثمن وقف العقوبات عن خط أنابيب الغاز "السيل الشمالى 2" التى الغت واشنطن العقوبات عليه وسمحت باستكماله وعمله، مما أغضب الجانب الأوكرانى واتهامه للأمريكيين بأنهم باعوا أوكرانيا، ويحاولون استرضاءهم من خلال اتخاذ موقف متشدد من الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية، وتقديم الدعم العسكرى المكثف، الذى يشبه الدعم المقدم للدول الأعضاء فى الناتو وهو ما أزعج موسكو بشدة، فكان التصعيد ومن ثم التفاوض على عدم ضم أوكرانيا للناتو، لكن ماذا ستقدم روسيا مقابل ذلك للغرب ولأوكرانيا نفسها. تهديد الناتو ووسط دعوات التهدئة والعمل على عدم اندلاع حرب، وتراوحت تصريحات المسئولين فى الغرب والشرق، ففيما هدد وزراء خارجية دول الناتو بفرض عقوبات شديدة على روسيا، وطالبوا بالتهدئة وخفض الحشود، قامت روسيا بنصب صواريخ فى جزر الكوريل التى تطالب بها اليابان منذ الحرب العالمية الثانية ولم توقع معاهدة سلام سواء مع الاتحاد السوفيتى ومن بعده روسيا على أمل استردادها لكن هذا لم يحدث حتى الآن، ربما كانت القيادة الروسية تقوم بذلك بتوسيع جبهة المواجهة أمام الغرب لتشتيت قواه وصرف الانتباه عن الأزمة الأوكرانية، خاصة ان جميع العقلاء لا يتوقعون حدوث حرب سواء هنا أو فى أقصى شرق آسيا، والعملية هى لعبة عض أصابع بين روسيا والغرب، وربما تقديم تنازل مقابل تنازل لتخفيف التوتر وتحقيق الاستقرار الاستراتيجى الذى تحدث عنه بايدن وبوتين فى لقائهما الأخير. لكن على ما يبدو أن الأمور لا تسير نحو التهدئة ونزع فتيل التوتر، فقد أعلن الرئيس الأمريكى أنه لا يعترف بأى خطوط حمراء فى إشارة إلى تصريحات سابقة للرئيس الروسى بأن ضم أوكرانيا للناتو خط أحمر، غير أن وسائل إعلام أشارت إلى أن وزير الخارجية الروسى اقترح هدنة مفتوحة فى الدنباس، مما يكرس الحالة الموجودة. الموقف غير مفهوم حتى الآن، المعلن فقط من قبل صحيفة "الواشنطن بوست" عن أن روسيا ستحشد 175 ألف جندى وأن هجومها سيكون من ثلاثة محاور، والغرب يهدد بالعقوبات. لقاء الفيديو بين بايدن وبوتين قد يضع النقاط على الحروف وقد يسكب الزيت على النار، الولاياتالمتحدة ليس لديها ترف التخلى عن أوكرانيا خاصة بعد انسحابها المهين من أفغانستان، وستحاول لأخر نفس دعم كييف. وهل ستقبل بذلك روسيا بعد الحشود الضخمة، حتى وإن كانت تكتيكية؟ لكن مهما ستكون النتائج فإن القلق والتوتر يجتاح أوكرانيا فى انتظار قمة بوتين- بايدن، فأوكرانيا دولة لا تستطيع العيش تحت ضغط لفترة طويلة.