قضية للمناقشة أمومة وأبوة فريدة النقاش يدور الجدل بين الحين والآخر حول وضع المرأة في المجتمع, ومجال حقوقها وواجباتها, وهو ما يستدعي علي التو حالة من الارتباك العام والأخلاقي علي نحو خاص ذلك ان عودة الجدل حول موضوع ما بين الحين والآخر يعني انه لم يحسم بعد, وفي حالتنا هذه يعني ان وضع المرأة لا يزال ملتبسا وتحيط به الشكوك. ولا يخفي علي أي مراقب مدي تجذر وعمق الميول والتوجهات والمشاعر الذكورية في المجتمع المصري, وربما تكون مثل هذه الميول والتوجهات أقل حدة في المجتمع المصري منها في بعض المجتمعات العربية والاسلامية لأسباب تاريخية كثيرة, ولكنها قائمة. ولكن علينا في هذا الصدد ان نسجل حقيقة ان التمييز ضد المرأة والميل لتهميشها وأحيانا وصمها بصفاتها الأنثوية التي جري عادة ربطها بالضعف والعاطفية والهوائية مازال قائما, وبدت هذه الصفات في نظر المعادين للمرأة كأنها عابرة للزمان وثابتة لا تتغير رغم أنه من الثابت والواضح أن التغير الذي يطول كل شيء, ولا يكف عن العمل عبر الزمن, قد طال لا فحسب أوضاع المرأة وانما أيضا ما يعتبره البعض خدمات ثابتة وراسخة لا يطولها التغير في كل جوانب الحياة, خاصة بعد أن دخلت المرأة بقوة الي كل من التعليم والعمل والحياة السياسية. وتعمل العقلية الذكورية المتأصلة لا في وجدان وقلوب وأفكار غالبية الرجال فقط وانما أيضا في وجدان وقلوب وأفكار نسبة لا يستهان بها بين النساء. ويندهش المرء أحيانا حين يكتشف في النقاش العام ميولا معادية للنساء أكثر حدة بين النساء أنفسهن, مما اصطلح علي وصفه بالمرأة ضد المرأة. والمرأة ضد المرأة هي بالمناسبة أفكار ومشاعر تعبر أولا عن عدم ثقة الكثير من النساء في أنفسهن, وتتجلي مظاهر انعدام الثقة هذه حتي في الممارسات اليومية لكثير من النساء, ولا تزال هناك قوانين تدعم وتشرع سيادة الذكور علي النساء. وكلما ثار نقاش عام حول هذا الموضوع أتذكر واقعة لم تبهت مع السنين بسبب دلالاتها المحزنة والمثيرة للجدل, حين كنا مجموعة من الصحفيات نتجادل حول موضوع مصيري في نقابة الصحفيين وارتفعت أصوات تقول – دون أي شعور بالقلق أو التردد- ان هذا الموضوع يحتاج إلى رجل, حتي ان الاحتياج لم يكن لزميل بعينه, بل لزميل فقط لأنه رجل. وقد لعبت كل الجماعات المحافظة والرجعية وفي القلب منها الجماعات الدينية علي هذه الأفكار والمشاعر التي انحدرت الينا من عمق التاريخ لتضفي عليها طابعا دينيا بهدف تأبيدها, وترسيخها في الوجدان العام. وإذا ما فككنا وحللنا هذه الأفكار وما يرتبط بها من مشاعر وانحيازات شخصية, سوف يتبين لنا ان هناك مصالح راسخة ترتكز اليها. فللذكور امتيازات يمنحها لهم المجتمع الطبقي الأبوي لمجرد أنهم "ذكور" أولها حق التحكم في النساء وصولا حتي الي قتلهن باسم الشرف. ونتابع ما يثور في مجتمعنا هذه الايام حول المشروع الجديد لقانون الأحوال الشخصية, وفي القلب منه حق الولاية, وبطبيعة الحال هي الولاية علي المرأة والقصر أي مساواة النساء بالأطفال الذين لم تنضج عقولهم وأفكارهم بما يكفي لتولي أمر انفسهم وللتفكير والتخطيط لمستقبلهم, فما بالنا بالولاية علي الأطفال التي لا تجوز للمرأة بطبيعة الحال, وهو جدل يعيدنا للوراء مائة عام. وللأسف فإن القول بحق الولاية علي المرأة في كل الحالات حتي لو كان هذا الولي قاصرا لمجرد أنه "ذكر" إن هذا القول يستمد بعض مصداقيته من الدين سواء "القرآن" أو السنة النبوية, وإن كانت هناك أيضا نصوص دينية قوية تؤكد علي المساواة, وهو ما يتجاهله المعادون للمرأة والذين يرون فيها منافسا لهم. وقد نجحت القوي المحافظة والرجعية علي مر الزمان في الحجب والتعتيم علي القراءات المتقدمة والتفسيرات المستنيرة للنصوص, والقائمة علي المساواة بين البشر, والانطلاق من مبدأ الكرامة الانسانية التي لا يجوز المساس بها او الانتقاص منها باسم أي فكرة أو قوة, فالكرامة هي حق وجودي للبشر كافة أكدتها الأديان والفلسفات إلا نادرا. وسوف يدور الصراع طويلا بين كل التوجهات والقوي المحافظة من جهة, والتوجهات والقوي التقدمية من الجهة الأخري حول أوضاع وحقوق النساء, وسوف يكون الصراع قاسيا لأن الوصول بعد طول الطريق ومشقته الي المساواة سوف يري فيه المحافظون والرجعيون نيلا منهم وانتقاصا من حقوق كانوا قد انتزعوها عنوة علي مر التاريخ, ويرفضون التنازل عنها, بينما تحد القيود الديمقراطية من قوة النساء. ويتعين علي القوي الديموقراطية عامة رجالا ونساء وبخاصة المنظمات الحقوقية والحزبية- أن تخوض هذه المعركة حتي النهاية, فلو حدث ذلك ربما ينفتح باب أمام التقدم الشامل دون "كعبلة" من قبل الذين يريدون توقيف عجلة التاريخ بدءًا بقمع النساء, وتقييد انطلاقهن الي المستقبل كمواطنات ينعمن بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات في مجتمع يري في وظائف الانجاب والأمومة عملا خلاقا لتجديد المجتمع والحياة الانسانية بدلا من النظرة ا لسائدة له الآن باعتباره انتقاصا من قيمة المرأة وأدوارها, بينما إعلاء شأن الأبوة تأكيدا لتفوق الذكور "الأقوياء" علي النساء الضعيفات كما يدعون, بينما تؤكد الرؤية الموضوعية التكامل بين الادوار. ما أحوجنا لإعادة نظر نقدية وعادلة في بعض المفاهيم الراسخة التي تعطلنا.