قضية للمناقشة لويزة حنون فريدة النقاش أفرجت محكمة جزائرية قبل أيام عن ” لويزة حنون” رئيسة حزب العمال الجزائري وعضو البرلمان ، وكانت النيابة العامة في الجزائر قد وجهت لها تهمة التآمر على الدولة والجيش مع مجموعة أخرى من السياسيين ، ومن بينهم ” السعيد بوتفليقة ” شقيق الرئيس ” عبد العزيز بوتفليقة ” الذي أزاحته عن الحكم إنتفاضة شعبية عارمة ضد الفساد والاستبداد وتأبيد السلطة . وكانت ” لويزة ” إبان حكم ” بوتفليقة ” مقربة من الرئيس رغم معارضتها للسياسات ، وهو ما أثار غضب خصومها ومن بينهم كان الراحل ” أحمد قائد صالح ” رئيس أركان الجيش والرجل القوي الذي رتب للانتخابات الرئاسية قبل رحيله بأيام. وانطلق نضال ” لويزه حنون” على مدى أربعين عاما من مبادئ علمانية راسخة ، فقد دعت بقوة لفصل الدين عن الدولة ، وتحرير النساء إعمالاً لمبدأ المساواة ، ودافعت عن العدالة الاجتماعية ، ولقبها أنصارها ” بتشافيز الجزائر ” وأطلقوا حملة دولية للإفراج عنها . وقبل الإفراج عنها كانت وزيرة الثقافة السابقة ” خليدة تومي ” قد شكلت مجموعة من السياسيات والسياسيين للدفاع عن ” لويزه” وكان من بين هؤلاء المناضلة ” زهرة بوظريف” التي شاركت في العمل المسلح ضد الاحتلال الفرنسي إبان الثورة الجزائرية ، وكانت شأنها شأن ” جميلة بوحريد ” أيقونة ثورية ومثلا أعلى لنساء الجزائر وشبابها . وجاءت ” لويزه حنون” في واقع جديد حاملة هذا الإرث العظيم لنساء الجزائر رغم كل المعوقات ، والأفكار القديمة والرجعية والثقافة الذكورية السائدة التي طبعها التطرف الديني بطبعه حتى كادت أن تكتسب صفات القداسة ، ذلك ” أن معظم تيارات الفكر العربي لا تزال مسجونة داخل النفق المظلم نفسه الذي حصر سؤال النهضة في بعد الدين وحده ” كما كتب ” نصر حامد أبو زيد ” قبل عشرين عاما . وحين تقترن الثقافة الذكورية بالدين يصبح النضال ضدها أشد صعوبة بما لا يقاس ، وحين تصبح هذه الثقافة ركنا أساسياً في تكوين بعض المثقفين حتى الجدد منهم والذين من المفترض أن يكونوا دعاة تنوير ومساواة ، حين يحدث ذلك يتحول عمل النساء من أجل تحررهن إلى معركة حقيقية ،لا فحسب لكشف ذهنية الواحد الأوحد الذكورية وإنما أيضا لتجاوز ردود الأفعال إلى بناء ثقافة جديدة ، وإطلاق رؤي وأفكار، والسعي لتعبئة كل المجتمع التقدمي للدفاع عنها . يقول روائي شاب ” أدهشني اكتشاف أنه لا توجد رواية أو فيلم أو مسرحية بلا قصة حب ، وبلا وجود امرأة ، وقلت لنفسي يقول الروائي : هذا اكتشاف عظيم ، عليك الآن أن تأتي بجديد ، أي أن تكتب رواية ليس فيها امرأة ، ولا قصة حب ” . انتهى الاقتباس من الروائي الذي يجسد الرؤية الذكورية الاستعلائية في أجلى صورها ، فإرادة الرجل هي التي تنفي المرأة ، ليصبح العالم جميلا وملائماً للرجال وحدهم ، وبوسع هذه الإرادة أيضا إن شاءت أن تفسح مكانا لوجود النساء تفضلا منها . ويظن البعض أن هذه العقلية الذكورية تخص الرجال فقط ، وحقيقة الأمر أن تجارب الحياة تدلنا على تجذر هذه العقلية في أوساط النساء أيضا. تخاطب الأميرة ” حويدان ” زوجة الخديو ” عباس حلمي ” الثاني زوجها قائلة ” ليتني كنت رجلا يا أفندينا لكي أستطيع خدمتك وخدمة بلادك ” . وحين فتشت الروائية المجددة ” فيرجينيا وولف ” في أضابير التاريخ الأدبي تبين لها ” أن شقيقة ويليام شكسبير ” كانت تملك موهبة أكبر من موهبته ، لكن المجتمع الأبوي ” الذكوري” وأدها ” . وقالت الباحثة في الانثروبولوجيا ” فيلفن كونر ” ” إن الرجال أنجزوا طبعاً أشياء عظيمة .. نعم لكن بالنظر إلى أنهم عطلوا مسارات المرأة نحو تحقيق إنجازات عظيمة في جميع المجالات لآلاف السنين ، فإن المقارنة لا تعتبر عادلة ” . قالت ” كونر ” ذلك في سياق بحثها عن ” نهاية التفوق الذكوري ” كانت ” لويزة حنون” قد زارت القاهرة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي ، ونظمت لها لجنة الدفاع عن الثقافة القومية لقاء فكريا سياسيا موسعا مع مجموعة من المثقفات والمثقفين. كان ذلك قبل السنوات العجاف التي عاشتها الجزائر في ظل الصراع بين السلطة والإسلاميين ، وناقشناها مطولا في موقفها من الجماعات الإسلامية ، وكانت هي قد دافعت عن حقها في العمل السياسي كأي قوة أو حزب آخر في البلاد ، حدث ذلك رغم علمانيتها ، ورفضها لتدخل الدين في السياسة وهو ما رأينا فيه نحن المصريات والمصريين تناقضا صارخاً ، خاصة وأن هذه الجماعات كانت مسلحة وماتزال . ولم تمض سوى سنوات قليلة على هذه الزيارة إلا وانفجرت العشرية السوداء في الجزائر ، بكل ما حملته لشعبها من ويلات واغتيالات قام بها الإسلاميون المتطرفون راح ضحيتها ما لايقل عن مائتي مثقف ومثقفة من خيرة من أنجبتهم الجزائر بينهم فنانون وكتاب ، مغنون وعلماء اجتماع وغيرهم . واقترحت علينا الدكتورة ” لطيفة الزيات” رئيسة لجنة الدفاع عن الثقافة القومية أن نكتب رسالة ” للويزة ” وندعوها لزيارة مصر مجدداً لإستئناف الحوار وهو ما لم يحدث . والآن وبعد أن جرت مياه كثيرة في الأنهار يستأنف سياسيون ومثقفون جزائريون هذا الحوار مع ” لويزة” الخارجة لتوها من السجن في ظل خشية هؤلاء من دور متزايد للجماعات الإسلامية المتطرفة في الانتفاضة الشعبية المشتعلة الآن ، وإذ تحاول هذه الجماعات العودة إلى الساحة السياسية بعد أن دفع الشعب الجزائري ثمناً باهظاً لإخراجها منها ، ولابد أن لدى ” لويزة حنون ” حججاً جديدة بعد التجارب المريرة لا في الجزائر وحدها وإنما في كل بلدان الوطن العربي دون استثناء .