فن وفرحة وضحكة وغنوة, حياة طوبلة وشقية, تنوعت فيها الالام والمأسي بكافة أشكالها وأنواعها, لم تتمكن من قدراته وعزيمته, بل كانت دافعا لرسم البسمة علي وجوه المصريين, دراما حياتية تخللتها اسكتشات فكاهية, وأحيانا فكاهة مضفرة بالاحزان, لكن الفارس المغوار الموهوب الأصيل لم يسقط من فوق حصانه وظل يلقي علينا بابداعاته المختلفة التي لم تقف عند مجال محدد, نهر من العطاء لم تجف مياهه التي جرت في قنوات الفن تثريه وتعلي من شأنه, هو واحد من الآباء الأوائل الذين عانوا الأمرين حتي يتمهد الطريق ويستوي أمام الأجيال التالية الذين وجدوا البوصلة التي حددت لهم سبل الابداع والتعاطي مع الفن. "ضحكات الجمهور هي عزائي, والتي تبعث في قلبي الكثير من الغبطة, كما أنها تمثل الفيتامينات لمواصلة الحياة".. *بديع خيري لم تكن علاقة بديع خيري بالمسرح هي كتابة النصوص المسرحية, وإنما كانت عملية ملاحظة ومتابعة مستمرتين للممثل والجمهور ودراسة من يستجد عليهما من متغيرات, وكذلك معرفة تامة بالتفاصيل والكواليس التي تساعد علي انجاز العمل علي خير وجه, ويمكننا أن نطلق عليه انه صاحب السبع صنايع في مسيرة حافلة لم تقبل غير التجديد والتطوير والإنتاج الوفير في كافة المجالات.. لا مكان للفشل أو الاسترخاء, عمل يعقبه عمل وما بين العملين تخرج أعمال أخري, عرف بالخجل الشديد في علاقاته مع البشر, وبالجرأة المتناهية في التعاطي مع الفن, كتب المونولوج وغناه, وكتب الأغنية وأداها, ولحنها أيضا في سابقة لم تتكرر, وكتب المسرحيات بكافة أنواعها (استعراضية- اوبريت- اوبرا كوميك بانواعها الثلاثة مرحة, جادة, مزيج بينهما, والكوميدي, والفودفيل, وكوميديت, والدراما, والميلودراما والتراجيدي, والدراما الفاجعة, وكتب الفيلم والقصة والحوار والسيناريو ومثل أيضا في السينما, مثلت موهبته أجنحة استطاع أن يحلق بها فوق سماء الفن أنه الرائد العظيم الاستثنائي بديع خيري (18 اغسطس 1893/ 3 فبراير 1966). يا ورد على فل وياسمين الله عليك يا تمر حنة ياللي عاوج لي طربوشك فوق الجبين على سنجة عشرة ماتحط لك حبة ياسمين فى عروة الجاكتة رخره قرب هنا تعالى عندنا خد ورد يا بيه خد فُلة يا بيه في حي الدرب الأحمر كان الميلاد لأسرة متوسطة, والده ذو أصول تركية يعمل مدير حسابات الوالدة باشا أم الخديوي عباس, والأم ابنة الشيخ الليثي الذي كان واحدا من تجار الغورية المعروفين، بدأ تعليمه في الكُتاب مثل أبناء الحي وحفظ القرآن, وبعد ذلك التحق بمدرسة بنباقادن" الابتدائية, وظهرت ملامح النبوغ في هذه السن الصغيرة من خلال الموضوعات التي كان يكتبها في حصص الانشاء, وعندما بلغ الثالثة عشرة كتب أول قصيدة شعر ووقعها باسم مستعار ثم أرسلها إلي جريدة "الافكار", وتواصلت ابداعاته وقراءاته, في مدرسة الحلمية الثانوية بدأت نوازع التمثيل تطوف مخيلته, وكان دائم ارتياد المسارح بغرض المعرفة والشغف, وفي مسرح دار السلام والكلوب المصري بحي سيدنا الحسين كانت الطلة الأولي لهذا العالم السحري, والأمر لم يقتضي سوي قرشين صاغ ثمنا للتذكرة, ثم تتسع خطوات الفتي في محاولاته للاستكشاف والمعرفة وتسوقه قدماه إلي مسرح سلامة حجاري وأسكندر فرح في شارع عبد العزيز, تسلل عشق التمثيل بوعي أو بدون وعي, لكنه أدرك بأن الأمر لم يعد مجرد تقضية وقت الفراغ, وصار قدرا عليه أن يمتثل له ويسعي في تحقيق حلمه بأن يكون ممثلا, وهو ما جعله يتقدم لفرقة جورج أبيض هاويا دون أجر, فقد كان يعي في سن مبكرة أنه يحتاج لصقل هذه الموهبة من خلال التواجد في هذا الصرح العظيم وقضي بالفعل أكثر من سبعة أشهر يتعلم ويخزن في ذاكرته. الكدب شيء ما انزلوش ربنا.. يستجري حد يقول كلامي غلط واشمعني بقي رايج قوي عندنا.. والنفخة سايقانا لشغل العبط كم بيه وباشا في البلد دي هنا .. طالعين لي فيهاوالعقول من زلط مفضلش افندي في البلد إلا انا.. واليوستفندي وبس لا غير فقط يقرر الانضمام إلي جمعية أنصار التمثيل, بعد حصوله علي البكالوريا, وينجح في تكوين فرقة " نادي التمثيل المصري" مع مجموعة من الاصدقاء, وفي هذه الاثناء التحق بمدرسة المعلمين العليا, وبعد حصوله علي الدبلوم عمل في شركة تليفونات مصر الذي لم يستمر بها كثيرا, ثم التحق بمدرسة "السلطان حسين ليعمل بها مدرسا للغة الإنجليزية التي كان يجيدها, وأثناء العمل كان يقوم بممارسة التمثيل مع فرق الهواة التي كانت تقدم كل شهر مسرحية, وقد برع في كتابة الزجل والمونولوجات التي كان يقدمها لأصحابه بغير مقابل, وساقته الظروف أن يغني بعضا منها, بدأ في احتراف الكتابة الزجلية بعد أن ذاع صيته ببيع أول أغنية للمطربة فاطمة قدري نظير خمسون قرشا. وبدأ مشوار احتراف كتابة الأغنية, خصوصا بعد ذيوع أغنيته سالفة الذكر (أن شالله ما حد اتجوز, أن عقلي راح يطير), ويكتب الأغنية الثانية والثالثة, ويرتفع أجره ويصل إلي جنيه, ويبدأ الجميع يتحدث عن موهبة هذا الوافد الجديد, وبالتالي شهد اقبال من المطربين في ذاك الوقت. ياحلاوة ام اسماعيل فى وسط عيالها زي النجفة عم بتلعلط فى جمالها تزرع وتقلع فى الغيط ويا راجلها وتعاود تاني لعجينها وغسيلها تحلب جاموستها حلاوة كتاكيتها ع الملوخية ياختي عليها وعلى بطتها كانت باكورة فرقة نادي التمثيل المصري, مسرحية "أما حتة ورطة" وكان قد تخلي عن فكرة التمثيل وتفرغ للكتابة, واستنت الفرقة عرض شهري علي مسرح نجيب الريحاني (حفلة ماتينيه) من الساعة السادسة حتي التاسعة, علي أن تعرض فرقة الريحاني أعمالها (سواريه) من التاسعة والنصف حتي الواحدة صباحا, وفي إحدي المرات تصادف الظروف أن يشاهد نجيب الريحاني المسرحية ويعجب بها, ويسأل عن مؤلف العمل, ويبدأ التعاون وبالفعل يتم الاتفاق بينهما وتكون مسرحية "علي كيفك" باكورة التعاون الذي أثمر عن العديد من الاعمال المسرحية التي آثرت المسرح المصري, حتي عندما دخل الريحاني مجال السينما كان بديع خيري هو من يكتب له, وأصبح نجيب الريحاني فاتحة الخير علي بديع, وهو بدوره فاتحة خير علي نجيب, وعن هذه التوأمة الفنية يقول بديع خيري "لقد ولدت في حياتي مرتين, الاولي هي ميلادي الطبيعي عندما اتيت إلي الدنيا عام 1893 يوم 18 أغسطس الاولي, أما المرة الثانية أو الولادة الثانية فكانت في ذلك اليوم الذي التقيت فيه مع توأم روحي نجيب الريحاني وكان أيضا في 18 اغسطس أيضا لكن عام 1918". صوت المدافع فى الميدان زي الكمانجه والعيدان والحرب مخلوق للشجعان والصيغة تلبسها وليه يا امّي ليه تبكي علي وأنا مسافر الجهادية نوم السراير للعاشق اما احنا نومنا فى خنادق نعمل مخدتنا بنادق فرش وغطا وبطانيه ساعة الخطر ننسى روحنا نطوي العدو تحت جناحنا نفدي وطننا بأرواحنا ودا اساس الوطنية رغما عنا نحاول أن نمضي سريعا فوق السطور فمسيرة الرجل تحتاج إلي مجلدات ومجلدات, فلكل عمل قصة, ولكل قصة حكاية, ولكل حكاية تفاصيل وشخصيات, يعتبر بديع خيري رائد من رواد الكتابة السينمائية, فابداعاته وأن كانت شملت كل أعمال الريحاني السينمائية, لكن هناك الاعمال الكثيرة التي كتبها للاخرين, ففي الثلاثينيات قدم (بواب العمارة-1935) علي الكسار, واخرجه الكسندر فاركاشي و(الغندورة-1935) بطولة منير المهدية وأخرجه ماريو فولبي, وقدم مع المخرج احمد بدرخان (شيء من لا شيء-1938) لعبد الغني السيد ونجاة علي, وسبب تسمية هذا الفيلم بهذا الاسم, انه بعد الانتهاء من فيلم "لاشين" كان من المزمع هدم كل الديكورات, لكن احمد سالم رأي الاستفادة من هذه الاموال الباهظة التي تكبدها ستوديو مصر, فجاءته فكرة استغلالها من خلال انتاج فيلم, وبالفعل أسندت المهمة إلي بديع خيري فكتب حكاية تناسب الديكورات, ويمكن تكون أول مرة في التاريخ أن تكتب القصة وفقا للديكور الموجود سلفا, وبالمناسبة الفيلم كان فانتازيا كوميدية, في عام 1937 قدم مع الريحاني فيلمين (بسلامته عايز يتجوز, وسلامة في خير) وبعد ذلك قدم (خلف الحبايب-1939) لفؤاد الجزايرلي, وفي عام 1939 كان لقاءه مع كمال سليم ليشترك في أهم فيلم مصري خلال مسيرة السينما (العزيمة) والذي حقق عند عرضه نجاحا كبيرا, ثم قدم مع الريحاني أيضا (سي عمر-1941) اللقاء الثاني الذي جمعه بنيازي مصطفي مخرج (سلامة في خير), ثم قدم في 1946(لعبة الست), و(أحمر شفايف) للمخرج ولي الدين سامح, وفي 1947 (ابو حلموس) لابراهيم حلمي, ثم أخيرا (غزل البنات-1949) مع أنور وجدي. اسهامات بديع خيري في السينما عديدة لم تتوقف عند نجيب الريحاني, وسنجد افلاما كثيرة شهيرة قام بكتابتها, مثل (انتصار الشباب-1949) فريد الاطرش واسمهان, (ليلي بنت الفقراء-1945), (الماضي المجهول-1946) احمد سالم وليلي مراد, (لهاليبو-1949) نعيمة عاكف. وفي الخمسينيات قدم (انا وانت- ورد الغرام- عنتر ولبلب- الدنيا لما تضحك- قلبي علي ولدي- خطف مراتي- الستات مايعرفوش يكدبوا- حسن ومرقص وكوهين- ماليش غيرك) وفي الستينيات (30يوم في السجن- العائلة الكريمة – دلع البنات). أغلب أعمال بديع خيري تنبع من مشكلات اجتماعية, لذلك يتم تقديمها في قوالب مختلفة بصفة مستمرة في مختلف الحقب باسماء مختلفة, لكنها جميعا تنبع من الاصل الذي كتبه بديع خيري. مصر يا ام العجايب شعبك اصيل والخصم عايب خلي بالك من الحبايب دول أنصار القضية بدال ما يشمت فينا حاسد إيدك فى إيدي نقوم نجاهد واحنا نبقى الكل واحد والأيادي تصير قويه عن علاقته بسيد درويش يكتب بديع خيري في مذكراته: «كان المتبع في الألحان التي تتخلل الاستعراضات، أن تقاس على القالب الموسيقي للحن شعبي شائع... مثلا على مقاس، أو على قد اللحن الشعبي الذي كان شائعا في ذلك الوقت، {يا عزيز عيني، أنا بدي أروّح بلدي}، كنا نقدم لحنا مطلعه {ياسي كشكش احنا محامية، ما تلاقيش فينا واحد بلية}» ....... «وكنا مع ذلك نحس أنا والريحاني بنقص جوهري يعتور أعمالنا»........ «ولكن من أين لنا بالملحن الخالق الذي يصنع لنا هذا اللحن الأصيل؟», وبينما نحن في هذه الورطة، ولا نعرف الخلاص منها، زارنا بالمسرح صديقنا أحمد شفيق المصري.. الذى قال فى معرض حديثه معهما: «أنا امبارح شفت في مسرح جورج أبيض رواية فيروز شاه، وكأني شربت 100 كاس ويسكي، روحوا شوفوها واعملوا حاجة زيها.» ويستطرد بديع خيري: «وذهبت في الليلة التالية، فإذا بها عمل غنائي مسرحي رائع، ولم أتمالك نفسي قبل أن انصرف من اقتحام باب الممثلين، وأوقفني البواب.... فقلت له أنا عاوز أقابل سيد درويش», وبالفعل يتمكن من مقابلته, ويفاجئ بأن سيد درويش كان يتابع الأزجال التي ينشرها في مجلة (السيف والمسامير). ويبدأ التعاون في فرقة نجيب الريحاني من خلال مسرحية (ولو)، ثم مسرحية (إش) و(رن). وتتوطد العلاقة أكثر وأكثر تصبح صداقة واخوة, ويشير بديع خيري في مذكراته "ومن أجلي نقل سيد درويش سكنه إلى جانبي في شبرا في جزيرة بدران، وتوطدت صلة والدته بوالدتي وأصبح بيتانا بيتا واحدا», واثمرت هذه الشراكة الفنية عن أعمال ظلت في ذاكرة الجماهيري مثل"الحلوة دي قامت تعجن في البدرية, طلعت يا محلى نورها ..خفيف الروح بيتعاجب , سرقوا الصندوق يا محمد, دنجي دنجي, السقايين, الموظفين, الجرسونات, الشيالين, شد الحزام على وسطك, إسمع يا شيخ قفاعة, المراكبية, عشان ما نعلا و نعلا, أهو دا اللي صار, أم اسماعيل, حرج علي بابا, ع الستات ياسلام سلم, بوخمار خنفشار، تعاقوللي يا شيخ قندوفلي, استعجبوا يا افندية, هز الهلال, ياللي قوامك يعجبني, أحسن جيوش في الأمم جيوشنا, كي كي كيكو, يابو الكشاكش, مسافر الجهادية, بياعة الورد, هوه بعينه, سالمة يا سلامة ،يا بلح زغلول, ع النسوان يا سلام سلِّم و محسوبكوا انداس, وقوم يا مصري .وكتب لأم كلثوم (هوه ده يخلص من الله, مبروك على سموك) ولعبد الوهاب (والله زمان يا خفافي) ولاسمهان (عليك صلاة الله و سلامه) ولفريد الأطرش (هات يا زمان) وليلى مراد (أنا طير جريح و الحب نجمة بتنور ليل حيران) وحامد مرسي ( قلبي يحبك يا حياتي), وفيروز (أهو ده اللي صار), وأعمال أخري لكل مطربي هذا الجيل, ثم قدم رائعته (شحات الغرام) لمحمد فوزي وللي مراد, وكتب لعزيز عثمان (بطلوا ده واسمعوا ده), ويلاحظ من أسماء المطربين والمطربات أنهم مثلوا الصفوة في المجال الغنائي وفي ذروة شهرتهم وعطائهم. أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعال شوفنا ساعة مانلمح جيش الأعادي نهجم ولا اى شئ يحوشنا مستقبل الامة بين إيديكم فى الوقت ده نعتمد عليكم ردوا آدي الشعب بيناديكم بيقول لكم احفظوا شرفنا أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعال شوفنا ساعة مانلمح جيش الأعادي نهجم ولا اى شئ يحوشنا آدي جنودنا وآدي بنودنا وفي الدفاع والهجوم تجدنا مالناش صناعة غير الشجاعة وللجهاد ربنا خلقنا أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعال شوفنا ساعة مانلمح جيش الأعادي نهجم ولا اى شئ يحوشنا تنوعت موضوعات المسرح وشملت كل مناحي الحياة وظواهرها الاجتماعية, مثل (أوعى تعكر دمك, يا سلام على كده, السكرتير الفني, إلا خمسة وحكاية كل يوم, ولو كنت حليوة, الستات ما يعرفوش يكذبوا, استنى بختك, ياما كان في نفسي, يا ريتني ما تجوزت, حسن ومرقص وكوهين, لزقة انجليزي, اللي يعيش ياما يشوف, الستات لبعضيهم, إبليس وشركاه وما حدش واخد منها حاجة, أن رصيد بديع خيري كبير ومتعدد ولا يمكننا بأي حال حصره, لأن الأمر ببساطة سيكون رصد لمحطات مهمة من تاريخ الفن المصري, وقد يلاحظ أن من هذه المسرحيات تم تقديمها مرة أخري من خلال السينما. سبع صنايع فى إيدينا.. والهم جاير علينا ياما شكينا وبكينا .. يا أغنيا ليه ما تساعدوش ما تشد حيلك يا بو صلاح.. إضربها صرمة تعيش مرتاح خلى تكالك ع الفتاح.. يالله با يالله بينا الوقت اهو راح الشمس طلعت والملك لله.. ما تشيل قدومك والعدة ويالله اجرى لرزقك خليها على الله كتب عنه نقاد الشعر بأنه صنع ثورة في عالم الزجل حين أصبح يكتب في القصيدة الواحدة عدة بحور شعرية بدلًا من النظام التقليدي الذي كان سائدًا وهو نظم الرجل على بحر شعري واحد. لا تقف اسهامات بديع خيري في المجال الفني, بل شملت الصحافة, فقد اسس مجلة "الف صنف" وتم غلقها, ثم اصدر مجلة أخري (الغول) وأغلقت أيضًا, فجاءت الثالثة (النهاردة) استمرت 18 يوم واغلقت مثل الباقيات, كتب للسينما الصامتة فيلمه الأول بعنوان (المانجبان), ووضع سيناريو أول فيلم كارتون مصرى فى الثلاثينيات ونفذه الأخوة فرنكل وناقش هموما وقضايا مصرية فى سلسلة حلقات حملت اسم «مشمش أفندى»، وكانت تعرض فى السينما وتحدثت عنه الصحافة العالمية وقتها تحت عنوان «ميكى ماوس أصبح له أخ مصرى»، ويوضع هذا الكرتون فى سجلات التطور التاريخى لفن الكرتون فى العالم.. كما وظف بديع خيري فن الأراجوز أيضًا في مسرحياته، والتي كتبها للسخرية من الشخصيات الأجنبية المحتلة داخل المجتمع المصري, خلصت كثير من الدراسات التي أجريت على المسرح المصري أن "بديع خيري" هو أبرز كتاب المسرح المصري في القرن العشرين، كما أنه أول من كتب للسينما المصرية، انجب ثلاثة ابناء مبدع ونبيل وعادل الذي قدم تراث الريحاني علي المسرح ومات وهو شابا, وقد حزن عليه حزنا شديدا, فقد كان يأمل أن يتولي فرقة الريحاني من بعده. شد الحزام على وسطك غيره مايفيدك لابد عن يوم برضه ويعدلها سيدك إن كان شيل الحمول على ظهرك يكيدك أهون عليك ياحر من مدت إيدك ماتيالله بينا انت وياه ونستعين ع الشقا بالله ربما لم يستطع بديع خيري تحقيق حلمه الأول وهو العمل ممثلا, لكن أعماله أعطت الفرصة لعشرات الممثلين والممثلات الموهوبين ليشقوا طريقهم في الفن, ونحن ننهي سطور حكاية هذا الفنان المبدع والتي حاولنا اختصارها قدر الامكان, نتحسر علي الزمن البعيد وعلي فنانيه الذين اعطوا من جهدهم ووقتهم الكثير لنهضة الفن المصري, وللاسف كان المقابل لا يرتقي لما قدموه, ربما لأنهم كانت طموحهم الأول والأخير أن يملأوا سماء مصر بالفنون الرفيعة التي جعلت منها منطقة متميزة بين البلدان التي تحيطها, ورفعت من أسمها علي المستوي القطري والاقليمي والسبب في ذلك هؤلاء الفنانين العظام الذي كان بديع خيري في طليعتهم. قال عنه صالح جودت:" إنه دنيا واسعة يحار فيها القلم أهو ممثل أم شاعر أم زجال أم مؤلف مسرحي أم كاتب سينمائي أم صاحب مسرح أم مصلح اجتماعي، إنه كل ذلك وأكثر…". وكتب المؤرخ الموسيقي إبراهيم زكي خورشيد: "لا شك أن بديع كان في صدارة الزجالين الذين ساهموا في بناء مجد سيد درويش الفني، فقد كان تعاونهما تعاوناً خلاقاً وعقد الفن بينهما رابطة وثيقة تلاقت في ضوئها روحاهما قبل أن يلتقي أحدهما بالآخر شخصياً". واخيرا.. نورد ما كتبه هذا الفنان الاستثنائي لحث المصريين علي حب مصر : قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك/ خد بنصرى نصرى دين واجب عليك/ يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك/ عد لى مجدى اللى ضيعته أيديك / شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار / من جمودك كل عضمة ب تستجار/ صون أثارك ياللى دنست الأثار/ دول فاتولك مجد وأنت فوت عار / جيبلي أى بلاد يا مصرى فى الجمال/ تيجى زى بلادك اللى ترابها مال / نيلها جى السعد منه حلال بلال / كل حى يفوز برزقه عيشته عال/ يوم مبارك تم لك فيه السعود / حب جارك قبل ما تحب تحب الوجود / إيه نصارى ومسلمين قال إيه ويهود/ دى العبارة نسل واحد م الجدود. رغم ظهور اجيال عديدة من المبدعين والكتاب العظام, لكن بديع خيري ظل حتي الآن حالة استثنائية لم يجود الزمان بمثلها, لما حظي به من رؤية وثقافة وفهم لطبيعة بيئته وناسه, وربما هذا ما جعلنا نشهد هذا التردي الذي اجتاح حياتنا الفنية, وعزاؤنا أن اعماله ستبقي ابد الدهر, وسيأتي يوما ليعاد قراءة انتاجه الادبي مرة أخري, ربما نوفيه حقه.