لطالما وجدنا الأزهر الشريف وفضيلة الأمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب في طليعة صفوف المناصرين للقضية الفلسطينية وأكثر المتمسكين بعروبة القدس وهويته. وهذه حقيقة جلية أمام أعين الجميع لا تحتاج لأبرهن عليها في مقال بالسرد التاريخي وأستعراض المواقف السياسية المشرفة لهذه المؤسسة العريقة نبراس العلم والإيمان وقلعة الشرف والبطولة على مدار التاريخ منذ الحملة الفرنسية على مصر حتى وقتنا الحالي. كما شاهدناه من مواقف قوية وصلبة في الحق حينما رفض الأزهر الشريف خرافة صفقة القرن وأعلن بكل حزم وقوة موقفه البطولي برفض التهويد وتصفية القضية الفلسطينية والتمسك بأن القدس هى عاصمة فلسطين شاء من شاء وأبي من أبي. بالأمس طالعتنا الصحف بإقتراح اللجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية أن يكون يوم الخميس 14 مايو 2020 يوما للصلاة والصوم والدعاء من أجل الإنسانية بسبب جائحة الكورونا، وتدعو اللجنة كل القيادات الدينية وجموع الناس حول العالم للإستجابة لهذا النداء الإنسانى والتوجه لله تعالى بصوت واحد ليحفظ البشرية، وأن يوفقها لتجاوز الجائحة، ويعيد إليها الأمن والاستقرار والصحة والنماء، ليصبح عالمنا بعد انقضاء هذه الجائحة أكثر إنسانية وأخوة من أي وقت مضي . هنا قد يجد القارئ أن الدعوة بالغة النبل والنزاهة والتضامن الإنساني في ظل جائحة لا تفرق بين رجل أو مرأة، مسلم أو مسيحي أو او يهودي، عربي أو غير عربي، كهل أو رضيع غني أو فقير، بالعالم النامي أو المتقدم فالجميع سواء كما تنص كافة الديانات السماوية وتحدثنا عن يوم القيامة والحساب الذي يتساوي فيه الجميع والفارق فقط هو العمل الصالح. وهنا العمل الصالح تطرحه المبادرة في الصلاة والدعاء والصوم وكلها أعمال جميلة ومقبولة ومحبوبة لا غبار عليها. ولكن…. اختيار يوم 14 مايو هو الفخ الأكبر الذي لا أستطع أن أمنع نفسي من التفكير فيه في إطار نظرية المؤامرة: – فهل هذا التاريخ له دلالة؟ – من صاحب اختيار التاريخ؟ – لماذا في هذا التوقيت الآن؟ – هل يمكن قرأته متكاملا مع سياقات أخرى.؟ يوم 14 مايو هو يوم النكبة الفلسطيني العربي الإسلامي الذي هزمت فيه الجيوش العربية في حرب 1948 ، وأعلنت فيه إقامة الكيان الصهيوني المسمى ب”دولة اسرائيل” حيث يوافق عيد الإستقلال، أيضاً هو اليوم الذي تجرأ فيه الكيان الصهيوني على القدس الشريف وأعلنت فيه إسرائيل أن القدس هى العاصمة الأبدية لإسرائيل عام 1980. هنا على القارئ أن يتسأل لماذا اختيار هذا التاريخ، بالطبع الإجابة هو فخ صهيوني ليظهر الأزهر الشريف والكنائس المصرية نصيرا للقضية الفلسطينية في موقف يجمع الصلاة مع حاخامات من اليهود في جميع انحاء العالم وكأنه يوم من أجل طلب البركة ويمحو من ذاكرة التاريخ وصف النكبة ليكون عيد يدعم موقف إسرائيل ويحقق التقارب بين أبناء إبراهيم الخليل في إطار مفهوم الديانات الإبراهيمية التي تجمع اليهود مع المسلمين والمسيحين تحت شعار التسامح والتقارب ونبذ الآخر. وكأنه مدخلا للأخوة الإنسانية التي تنبذ الفرقة وتطالب بتنحية السياسة والمواقف التي تتسبب في العداء والكراهية. وإذا آمنا بمفهوم الأخوة الانسانية -على الرغم أن الأخوة الانسانية هو مصطلح أعلنه وتبناه البنائين الأحرار من قبل- لماذا اختيار التاريخ الذي يتوافق مع عيد الاستقلال بإسرائيل هل المقصود أن يصبح عيد للإنسانية في إطار الحوار الشعائري الأول في العالم الذي يجمع الموحدون وغير الموحدين ويصبح احتفالا سنويا يمحو من الذاكرة القدس والقضية الفلسطينية. صفقة القرن أيها السادة بدأت في التنفيذ فمن أهم أبعادها التطبيع واعادة قراءة التاريخ ومحو الذاكرة التاريخية خاصة المرتبطة بالواقع العربي والقضية الفلسطينية. هنا سأكرر موقفي أننا أكثر تسامحا مما يظن العالم فنحن لسنا ضد إسرائيل ونقبل وجودها شريطة اعطاء الحق الفلسطيني وفقا لحدود 1967 والقدسالشرقية هى عاصمة الدولة الفلسطينية. فإذا تم ذلك فلا يوجد مانع من التطبيع والتعايش السلمي والتسامح والأخوة الأنسانية . ولكن في ظل التعنت الصهيوني ورفض إقامة الدولة الفلسطينية وصدور قانون القومية الذي يعلن أن القدس كاملة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، ثم تنقل الولاياتالمتحدة سفارتها للقدس يليها بعض الدويلات الصغيرة، ثم تأتي امريكا بصفقة مشبوهة تأكل فيها القضية الفلسطينية تماما وتأتي بعد ذلك إسرائيل لتأكل ما تبقي من فتات بعد الصفقة فتعلن ضمها لغور الأردن يليها الضفة وقبلهم الاستيلاء والضم الرسمي للجولان. مع الدراما التي تنادي بالتطبيع التي بدأت بحارة اليهود ثم مسلسل أم هارون ويشترك أسرة العدل بمصر في المسلسلين، الاولي كمؤلف والثانية كمخرج فلا أعلم السبب والدافع. ثم تتحدثون عن التسامح والانسانية والصلاة المشتركة. وإذا فصلنا الصلاة عن القتل والإستيلاء الإسرائيلي فأتركوا لنا على الأقل التاريخ. أرجو تغير موعد الصلاة المشتركة حفاظا على مكانة الأزهر الشريف الذي أؤمن أن التاريخ لم يكن له قصد فيه، ومواقفه المشرفة الداعمة للقضية فهو أعلى وأسمى أن يسيس ويقع في براثن المؤامرة الملعونة، واحتراما لتاريخنا العربي المشرف الداعم والمساند والمناضل للقضية الفلسطينية خاصة أن حرب 48 هى حرب مصرية بالأساس لدينا كمصريون شهدائنا ودمائنا التي أريقت في هذا التاريخ. حمى الله مصر والأزهر الشريف، والقضية الفلسطينية وعروبة القدس. **بقلم د. هبة جمال الدين/مدرس العلوم السياسية، معهد التخطيط القومي- عضو المجلس المصري للشئون الخارجية