فى حوار مع فضائية «بي بي سي» العربية، سأل مقدم البرنامج الفريق أول «عبدالفتاح البرهان» رئيس المجلس العسكري الانتقالي فى السودان، هل هناك نية لإقصاء تيار الإسلام السياسي من السودان وقد حقق خلال السنوات السابقة تجربة طويلة مميزة؟!. قبل أن أنقل لك عزيزي القارئ رد الفريق البرهان على هذا السؤال الإخواني، أود التذكير، أن ثلاثين سنة من حكم الفرع السوداني من جماعة الإخوان فى السودان، قد نهبت موارده، وأصبح السودان فى عهد الجماعة سُودَانَيْن، بعد انفصال جنوب السودان ليصبح دولة مستقلة. واشتعلت الحروب الأهلية وامتدت من دارفور إلى النيل الأزرق وبحر الغزال وكردفان، وهاجر نحو عشرة ملايين سوداني بحثًا عن عيش كريم، بعد أن حول حزب الجبهة القومية الإسلامية كل مؤسسات الدولة، إلى موطن للأنصار والأعضاء والأصهار والأقارب، وحل النقابات وحاصر الأحزاب. وبحثًا عن أممية إسلامية كانت الهاجس المسيطر على مهندس انقلاب حكم الإنقاذ الدكتور «حسن الترابي» فتح إخوان السودان، أقاليمه كمعسكرات تدريب ومواطن إقامة، لقوى التطرف الديني بقيادة أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري لتهديد مصر ودول المنطقة، وأنشأ ما سمى بالمؤتمر الشعبي الإسلامي، الذي ضم خليطًا من قوى الإسلام السياسي التي تعارض أنظمة بلدانها بالعنف والإرهاب، سعيًا لاستعادة دولة الخلافة الأممية البائدة. هذه هي التجربة «الإسلامية المميزة» التي تروج لها فضائية «بي بي سي»، التي أحالت السودان من بلد موعود بأن يكون سلة خبز العالم، إلى بلد جائع، برغم ثراء موارده وتنوع قومياته ودياناته وأعراقه. أما رد الفريق أول «البرهان» الذكي، على السؤال الإخواني فكان: أن الشعب السوداني حر فيمن يختاره، وأن الإقصاء لن يطول سوى الفاسدين ومرتكبي الجرائم. ولكن السؤال، يكشف، دون مواربة، حجم التعقيدات التي تحيط الآن بالمشهد السياسي السوداني، من الخارج والداخل، فالاهتمام الأمريكي والغربي بما يجرى بين حراك قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، لا يخدم سوى الدفع فى اتجاه صناديق الاقتراع، التي تغدو نتائجها معروفة سلفًا، لأن القوى السياسية الوحيدة المنظمة الآن فى الساحة السياسية هي تيار جماعة الإخوان فى حزب المؤتمر الوطني الذي هيمن على مؤسسات البلاد على امتداد ثلاثة عقود مظلمة. فالغرب يسعى بكل السبل إلى إدماج جماعة الإخوان فى الحياة السياسية بالسودان كما فى تونس وليبيا، وهو لا يتوقف عن الترصد بالحالة المصرية، منذ السقوط المدوى لحليفها الإخواني فى مصر فى ثورة الثلاثين من يونيو. ومازال من المبكر، توقع نتائج التوقيع بالأحرف الأولى الأربعاء الماضي على وثيقة الاتفاق السياسي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، الذي يحدد هياكل مؤسسات الحكم وترتيبات الفترة الانتقالية ومهامها وتشكيل المجلس التشريعي، والسعى لحشد كافة أشكال الدعم من أجل تطبيق الاتفاق، وإنهاء التحقيق فى مقتل المتظاهرين. عدة عوامل تحيط بمستقبل ذلك الاتفاق، بينها أن بعض القوى التي ترفع السلاح، وتتفاوض مع قوى الحرية والتغيير فى هذه اللحظات فى أديس أبابا لا تقبل ببنوده، كما أن السلاح أضحى منتشرًا فى كل أنحاء البلاد فى عهد «التجربة الإسلامية المميزة» فى السودان! ويبقى الأهم أن قوى الحرية والتغيير، ليست موحدة المواقف، والدليل أن بعض المنضوين فى صفوفها، يدعون استنادًا إلى الفرح الشعبي العارم لصدور الاتفاق الذي بات يشكل لديها فرصة لا يتعين إهدارها، إلى مواصلة التفاوض مع المجلس العسكري سعيًا لتنفيذ بنوده، فيما يعلن البعض الآخر، ما يسميه «بجدول الضرب» الذي يحدد به مواعيد للتظاهر والاعتصام، برغم أن الوثيقة الموقعة بين الطرفين تطالب بسيادة حسن النوايا، والكف عن الخطابات العدوانية والاستفزازية، وتدعو إلى تسوية جميع الخلافات التي تطرأ بالحوار والاحترام المتبادل. حمى الله السودان وشعبه من كل الشرور التي تعرقل خروجه من تلك الأزمة، إلى بر السلامة والأمان.