تحمل زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان أمس الأول إلى القاهرة فى طياتها دلالات ومعانى رمزية كثيرة، أهمها حتمية العلاقات المصرية السودانية، التى تتجاوز أى متغيرات سياسية آنية، فمصالح الشعبين تسمو فوق المتغيرات، وأكبر من كل التحديات، وستبقى مهما تغيرت النظم الحاكمة لمصلحة الشعبين. وتعد هذه الزيارة هى الأولى للبرهان منذ تسلمه مهام منصبه، عقب الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير فى 11 أبريل الماضي، وتأتى فى إطار التشاور والدعم الذى يسعى البرهان للحصول عليه من مصر وحلفائه الإقليميين، فى إطار العديد من الضغوط التى يتعرض لها المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان، سواء تلك الضغوط التى تمارسها قوى إعلان الحرية والتغيير المعبرة عن الحراك الشعبي، والتى وصل معها التفاوض إلى وضع معقد، بسبب إصرارها على أن تكون أغلبية المجلس السيادى للفترة الانتقالية من المدنيين،وترفض أى تنازل عن هذا المطلب، ودعت جماهيرها إلى الإضراب والعصيان المدنى غدا الثلاثاء، كما يتعرض المجلس العسكرى لضغوط أخرى من المجتمع والقوى الدولية والاتحاد الافريقي، الذين يطالبونه جميعا بالإسراع بنقل السلطة إلى حكومة مدنية، فضلا عن الضغوط التى يمارسها أتباع النظام السابق والقوى السلفية المرتبطة به، وأيضا تلك الضغوط المتعلقة بالخلافات والتباينات داخل المجلس العسكري. وقد تناولت المباحثات المرحلة الانتقالية، وكيفية عبور السودان منها بسلام، وكذلك ملفات الامن القومى المشترك ومكافحة الإرهاب وتأمين الحدود، والمصالح الإستراتيجية المشتركة بين البلدين، وما يمكن أن تقدمه مصر إلى الشعب السودانى فى هذه اللحظة الفارقة من تاريخه. وقد أطلع البرهان الرئيس السيسى الذى يرأس الاتحاد الإفريقى هذا العام على تطورات الأوضاع فى السودان، والموقف التفاوضي، إضافة للأوضاع الإقليمية. وقد عبر الرئيس السيسى عن الموقف المصرى تجاه التطورات السودانية بجلاء ووضوح، حيث أكد دعم مصر الكامل لأمن واستقرار السودان، ومساندتها للإرادة الحرة للشعب السودانى الشقيق وخياراته فى صياغة مستقبل بلاده، والحفاظ على مؤسسات الدولة، كما أكد الرئيس السيسى استعداد مصر لتقديم كل الدعم للأشقاء فى السودان لتجاوز هذه المرحلة، بما يتوافق مع تطلعات الشعب السوداني، بعيدا عن التدخلات الخارجية. ولعل هذه التصريحات ترد على مخاوف بعض الأوساط السودانية بشأن دعم إقليمى للمجلس العسكري، قد تعرقل مسار المرحلة الانتقالية فى السودان، خاصة أن هذه الزيارة سبقتها زيارة أخرى لنائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتى إلى الرياض، اجتمع فيها مع ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان. كما تسبق زيارة البرهان للقاهرة زيارة أخرى للمملكة العربية السعودية للمشاركة فى القمتين العربية والإسلامية، ومنها إلى دولة الإمارات. وتحذر قوى سودانية من مغبة عدم دعم التحول الديمقراطى من قبل دول الإقليم، وقالت: إن ذلك سيفتح الباب واسعا لعودة النظام القديم بشكل أكثر شراسة، ودعت هذه القوى دول الإقليم لدعم ومساندة الشراكة والاتفاق والتوافق بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير، وعدم الانحياز لطرف منهما، لضمان عبور آمن للسودان إلى بر الأمان. وتملك مصر العديد من السبل لدعم السودان فى المرحلة الانتقالية، الذى تعتبر آمنه واستقراره جزءا من أمنها القومي. واستضافت القاهرة مؤخرا عددا من القيادات السودانية. وكانت مصر قد عقدت قمة تشاورية حول الأوضاع فى السودان بحضور بعض الزعماء الأفارقة فى 23 أبريل الماضي، وقدمت توصية لمجلس السلم والأمن الإفريقى بتمديد المهلة الممنوحة للسودان، لتجنيبه تجميد عضويته فى الاتحاد الإفريقي.