شهدت الفترة الماضية، ارتفاع حالات الإصابة بمرض السرطان بشكل ملحوظ، وتعددت طرقه، لتظهر على السطح أسباب جديدة للإصابة به مثل حبوب حفظ الغلال من التسوس، وأصبحت هي الوسيلة الأسرع والأكثر رواجا فى عدد من المحافظات الزراعية،فالعديد من الأسر تستخدمه فى حفظ محصول القمح خاصة الذي تعتمد عليه طول العام كمصدر رئيسي فى الخبز حيث يتم إعداد العيش فى المنازل بالريف المصرى. وتحتوي حبوب حفظ الغلال على الكثير من المواد شديدة السمية التى تترسب بعد تحللها فى جزيئات الحبوب حتي بعد غسله وتسبب الإصابة فى السرطان بالإضافة إلى قدرتها على إنهاء حياة الإنسان فى دقائق معدودة إذا تناولها مباشرة. وحبوب حفظ الغلال اسمها العلمي «الألمنيوم فوسفيد»، يستخدم لمنع تسوس محصول القمح، وحمايته من الحشرات الضارة، تسجلها وزارة الزراعة كمبيد حشري، وتدخل مصر بشكل رسمي، ولا توجد أي محاذير على تداولها، وتدون عليها عبارة «عالية السمية»، كما أنها موجودة فى 18 منتجا بأسماء تجارية مختلفة، إلا أن تركيبها واحد واستخدامها واحد فى حفظ الغلال والحبوب. وتدخل هذه المنتجات مصر على هيئة مبيدات زراعية، مثل المبيد التجاري جاستوكسين 57% أقراصا مسجلة تحت رقم 4، والاسم الشائع له هو ألمنيوم فوسفيد، ومبيد كويكفوس 57% أقراصا مسجلة تحت رقم 565، ومبيد سيلفوس 57% أقراصا مسجلة تحت رقم 673. وتحظر عشرات الدول العربية استخدامها وعلى رأسها السعودية، بعد تسببها فى زيادة نسبة وفيات الأطفال، أما عن طريق تناولها مباشرة أو عن طريق تخزين الغلال بها وعدم التخلص منها بشكل سليم قبل الاستخدام. وقد سجلت محافظاتالفيوموالدقهليةوالمنوفيةودمياط، أعلى معدلات الانتحار باستخدام هذه الأقراص، حيث سجلت المنوفية أكبر عدد من حالات الانتحار، فشهد مركز شبين الكوم، خلال شهر يونيو 4 حالات انتحار، وفى دمياط استقبل مستشفى فارسكور المركزي بدمياط، فتاة قامت بابتلاع حبة غلة، مما أفقدها الوعي، حيث حاول أطباء المستشفى علاجها، ولكنها لفظت أنفاسها الأخيرة. وفى محافظة الفيوم أنهى فلاح بقرية ترسا التابعة لمركز سنورس بالفيوم، حياته بتناول أقراص «حفظ الغلال» لإصابته بضائقة نفسية لمعاناته من مرض الصرع، كما أقدمت سيدة على الانتحار بتناول قرص مكافحة «سوس القمح» للتخلص من حياتها عقب مرورها بضائقة نفسية لطلاقها بعد 5 أيام من زواجها بقرية ترسا أيضا، كما سجلت محافظة الدقهلية خلال الأسابيع القليلة الماضية 6 حالات انتحار فى شهر واحد كلها باستخدام حبة الغلة. تجار الجملة وقال محمد سعيد، بائع التجزئة صاحب محل بيع مبيدات زراعية، إن الحكومة منعت بيع هذه الأقراص القاتلة منذ سنتين، بعد أن حصدت العديد من المحافظات مئات الأرواح بسبب تناولها، موضحا انه للأسف لا يزال العديد من البائعين يقومون بترويج هذه المنتجات التي يحصلون عليها من تجار الجملة، الذين يحتفظون بكميات كبيرة داخل المخازن، ويتم بيعها بشكل غير رسمي. وأشار إلى أن أقراص حفظ الغلال، لا يتم إنتاجها فى مصر، و يتم استيرادها من الهند والصين والبرازيل، وتدخل من الجمارك دون مصادرتها رغم انها محظورة منذ عامين. وأوضح سعيد أنها تدخل فى صناديق مغلقة تحتوى كل منها على 10 علب بداخلها 20 قرصا، وأسعارها مختلفة فبالنسبة للواردة من الهند والصين، يتم بيعه ب 15 جنيها، مما يدل أن قيمة القرص الواحد حوالي 65 قرشا فقط، وبالنسبة للوارد من البرازيل فسعرها 30 جنيها للخرطوشة الواحدة. وأضاف ان أن قرار حظر تداول هذه الحبوب فى الأسواق، تم التأكيد عليه مجددا منذ 3 أشهر، بعد ارتفاع حصاد المئات من الأرواح من حالات الانتحار بين الشباب والفتيات، ورغم ذلك لا يزال العديد من أصحاب محلات المبيدات الحشرية، يقومون ببيع تلك الحبوب بصورة علنية إلى جميع الفئات سواء رجالا أو سيدات أو حتى أطفالا، مما يزيد من خطورتها وسهولة الانتحار خاصة للشباب والفتيات. وطالب بتشديد الرقابة على تجار الجملة الذين يقومون بتخزين كميات كبيرة من تلك الأقراص داخل المخازن ومصادرتها مع إصدار قوانين سريعة بمعاقبة الشركات التي تقوم باستيرادها، للقضاء على مثل هذه الجرائم، والتي تتسبب فى القضاء على حياة العشرات سنويا. أما عن خطورتها فى حفظ الغلال على الصحة العامة، فأكد انه يوجد بدائل أمنة لاستخدامها، عن طريق مادة الملاثيون، والتي لا يتعدى سعرها 10 جنيهات للكيلو جرام، وتكفى لحفظ 5 ارادب من الحبوب دون أن تكون لها أي خطورة أو آثار جانبية على متناولي الحبوب وأيضا ضمان تحجيم حالات الانتحار، مبينا أن كل جوال حبوب يحتاج إلى قرصين يتم وضعهما وسط الغلال، حيث تتحول الحبوب إلى غازات تنتشر بين الحبوب وتمنع تسوسها أو نمو أي أنواع من الطفيليات بالحبوب. توعية الفلاحين ومن جانبه قال الدكتور محمود عمرو، مدير المركز القومي للسموم سابقا، إن حبوب « الأمنيوم فوسفيد « التى تستخدم لتخزين القمح تتحول بعد نزولها الي المعدة إلى « الفوسوجين «، حيث يحدث انتفاخا بالمعدة والتهابات، كما أنها تعد مادة كاوية مثل الأحماض، فيتحول الألمنيوم إلى حامض فوسفورى يحرق الكبد، وعندما يتم امتصاصه فى الدم يؤثر على القلب والأوعية الدموية والكلى والمخ. وشدد على ضرورة ألا تتاح لأي شخص يقبل على شرائها لما لها من خطورة على الصحة، فهي من المواد السامة، التي تشكل خطورة على من يستنشقها وتسبب حالة من القيء والغثيان وضيق التنفس. وألقي محمود عمرو بالمسئولية الكبيرة فى حالات الانتحار، التي حدثت مؤخرا تقع على وزارتي الصحة والزراعة، لأنهما مسئولتان عن توعية الفلاحين بمخاطر تلك المبيدات السامة وأيضا التجار الذين يقومون ببيعها، دون علم بمدى خطورتها على المواطن. وتابع أنه مع بداية عام 2017 بلغت حالات الانتحار بهذه المادة والواردة إلى مركز السموم الإكلينيكية 97 حالة وعدد الوفيات 47 حالة وفاة، مؤكدا على أن هذه المادة لا يوجد ترياق مضاد لها حتى الآن، على الرغم من المناشدة والإبلاغ الرسمي لجميع الجهات المختصة بمدى خطورتها وأن بها سما قاتلا يسبب الوفاة السريعة. حظر أما الدكتور إسماعيل رشيد، أستاذ بحوث أمراض ما بعد الحصاد، فقال إن هناك مراحل معالجة، تمر بها الحبوب قبل تخزينها فى بعض التعقيدات، مؤكدا أن هذه المواد مسئولة عن 30 إلى 40٪ من سرطان الكبد فى مصر. وأوضح أن كل المواد المستخدمة فى مصر، لمقاومة الحشرات وليست لمقاومة الفطريات المنتشرة بشكل كبير فى شون تخزين القمح، لتوافر البيئة المناسبة لنموها، لافتا إلى أن تخزين القمح بصورة خاطئة، يؤدى إلى أن نسب الإصابة بالأمراض فى تزايد مستمر، لأن آثار المبيدات لا تظهر إلا بعد فترة من الوقت، وهذا ما جعل العديد من الدول تحظر استخدام تلك المبيدات الضارة بالصحة. وأشار رشيد إلى أن خطورة هذه الأقراص، تكمن فى عدم وجود علاج للمتعاطي، فإذا تناول الإنسان تلك الحبوب ولم يتم إسعافه بسرعة، وإجراء غسيل معدة له فى أسرع وقت، فإنه يصاب بالتسمم ويموت فى الحال، لذا يجب على الفلاحين توخي الحذر أثناء التعامل مع تلك المبيدات لأنها قاتلة. ولفت رشيد أن الخطورة الأكبر، تكمن فى انتشار هذه الحبة فى الصيدليات البيطرية ومحلات المبيدات الزراعية، ولا تخضع لأي رقابة للحد من عمليات بيعها وتداولها بين المواطنين، موضحا أنه لا يوجد أي أمصال لمواجهة أضرار هذه الحبة، رغم أن آلاف الفلاحين يعتمدون عليها فى تخزين القمح، بينما يستخدمها الشباب فى الانتحار. أما النائب محمد عمارة، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، تقدم بطلب إحاطة، بشأن كثرة الانتحار باستخدام أقراص حفظ الغلة، التي تستخدم فى حفظ الغلة من السوس، محذرا من استخدام هذه الأقراص المتسببة فى انتحار الكثير من الشباب مؤخرا. وطالب بإيجاد حل لمنع استخدامها، قائلا: «معايا جميع المستندات التي تثبت وفاة بعض الشباب بسبب تناولهم حبوب الغلة «. بينما كشف النائب أحمد العرجاوى، عضو لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، أن هناك 45 حالة انتحار بتناول هذه الأقراص خلال الفترة الماضية، من بين هذه الحالات 42 فتاة و3 ذكور، مطالبا بحظر تداول هذه الأقراص منع تداولها فى الدولة بأكملها.