عاد الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الجمعة الماضي من الولاياتالمتحدة بعد أن شارك في أعمال الدورة (72) للجمعية العامة للأمم المتحدة ، وهي الدورة الرابعة التي يشارك فيها في أعمال الجمعية العامة منذ انتخابه رئيساً للجمهورية عام 2014 ( الدورات 69 ، 70 ، 71 ، 72 ) . والقى الرئيس خلال هذه الزيارات ثلاث كلمات ، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وأمام قمة مجلس الأمن الدولي حول إصلاح عمليات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في العالم ، وأمام الاجتماع الخاص بالوضع في ليبيا الذي نظمته الأممالمتحدة لدعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة . كما التقى بخمسة عشر من رؤساء الدول والحكومات كان أبرزهم " دونالد ترامب " رئيس الولاياتالمتحدة ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي ، " بنيامين نتانياوهو " ، واستقبل أيضا عددا من الوزراء والمسئولين العسكريين السابقين في الولاياتالمتحدة. وركز الرئيس في كلماته ولقاءاته على ثلاثة ملفات : الأول : مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف . الثاني : دعم الاقتصاد الوطني لمصر . الثالث : استعادة مصر لدورها القيادي . وقد أفاضت أجهزة الإعلام المصرية الحكومية والخاصة وكذلك الصحف في إبراز " النجاحات " و" الإيجابيات التي تحققت ، وخلت من أي تقييم موضوعي يتناول الإيجابي والسلبي . نفس الموقف إتخذه رجال الأعمال المؤيدون بقوة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية للسيسي والمنحازة بقوة لمصالحهم على حساب غالبية الشعب المصري ، وعبر عنه بوضوح " محمد أبو العينين " رئيس مجلس الأعمال المصري الأوروبي قائلا إن هناك " 7 رسائل مهمة تؤكد نجاح زيارة السيسي لأمريكا " وإذا تجاوزنا عن قصة حشد السفارة المصرية لعشرات من المصريين المقيمين في الولاياتالمتحدة يحملون الاعلام المصرية للترحيب بالرئيس سواء أمام مقر إقامته أو أمام الأممالمتحدة ، وهو الأمر الذي يثير السخرية ولا يحدث لأي رئيس دولة تحترم نفسها ، وكذلك تجاوز خطأ الرئيس في قراءة كلمة " الملاذات " أكثر من مرة وقوله " الملذّات " وضعف وجود رؤساء وممثلي الدول في مقاعد الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال القاء الرئيس السيسي لكلمته .. فإن النقد الأساسي ينصب على النداء الذي وجهه الرئيس " للشعب " الإسرائيلي ! . فقد دعا السيسي الاسرائيليين للوقوف خلف قيادة " بنيامين نتانياهو " رئيس الوزراء الإسرائيلي حاليا ، قائلا بلغة الأمر (!) " يجب عليكم الوقوف خلف قياداتكم السياسية ولا تترددوا ونحن معكم جميعا من أجل إنجاح تجربة السلام ، حريصون على أمن المواطن الاسرائيلي جنبا إلى جنب مع الفلسطيني " .. متجاهلا الدور السلبي الذي يلعبه " نتانياهو " ضد التسوية السياسية وإقامة الدولة الفسطينية على حدود 4 يونيو 1967 ، فإن الجامعة العربية التي قالت " إن العقبة الرئيسية أمام أي جهد حقيقي من أجل إحياء عملية التسوية السلمية تتمثل في شخص رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي .. " فنتانياهو ليس لديه سوى أجندة داخلية تتعلق بالبقاء في كرسيه حتى ولو كان ثمن ذلك وأد أي فرصة لإحلال السلام بين بلاده والفلسطينيين " وأثارت الصورة التي نشرت للسيسي مع نتانياهو وهو في حالة من السعادة والنشوة وابتسامة عريضة وكأنه مع صديق عزيز قديم ، تعليقات غاضبة من جانب الرأي العام المصري والعربي . والواقع أن هناك تغييرا في طبيعة العلاقات المصرية الرسمية مع إسرائيل منذ تولى السيسي رئاسة البلاد فصوتت مصر في عهده لأول مرة منذ قيام إسرائيل لصالح إسرائيل لمنحها العضوية الكاملة في لجنة " الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي " والتبرير الذي قدمته الخارجية المصرية والقائم على أن مصر لم تنفرد بالتصويت لإسرائيل وإنما كانت ضمن 113 دولة صوتت لصالح إنضمام إسرائيل للجنة ، ولم يعارض هذا الانضمام إلا دولة واحدة هي " ناميبيا " لا يقنع أحدا ، خاصة أن هناك 21 دولة امتنعت عن التصويت منها عدة دول عربية " الجزائر وتونس والمغرب والسعودية واليمن والكويت وموريتانيا وسوريا وقطر " بينما غابت عن جلسة التصويت " الأردن وليبيا ولبنان " . وفي عام 2016 خرج السيسي في كلمته أمام الجمعية العمومية عن النص المكتوب وقال " أسمح لي سيادة الرئيس أن أخرج عن النص المكتوب ، ومن خلال المنبر هذا الذي يمثل صوت العالم .. أتوجه بنداء للشعب الإسرائيلي وقيادته ، في أهمية إيجاد حل للأزمة الفلسطينية لدينا فرصة حقيقية لكتابة صفحة مضيئة في تاريخ المنطقة للتحرك في إتجاه السلام . التجربة المصرية رائعة ومتفردة ، ويجب تكرارها مرة أخرى لحل مشكلة الفلسطينيين ، وإيجاد دولة لهم بجانب الدولة الاسرائيلية ، تحفظ الأمن والسلام . ولم تعد السياسة المصرية الإقليمية والدولية تعتبر إسرائيل عدوا ، بل جرى استبدالها بإيران ! . وهناك تفاهمات أمنية بين مصر وإسرائيل حول الوجود المصري في سيناء للتصدي للجماعات الإرهابية التي تنشط في شمال سيناء . ولأول مرة شارك سفير مصر لدى إسرائيل " حازم خيرت " في مؤتمر " هرتسيليان " السادس عشر ، وعنوانه " أمل إسرائيل .. رؤيا أم حلم " والمتخصص في مراجعة السياسات الأمنية والدفاعية لدولة إسرائيل . وقام سامح شكري بزيارة لإسرائيل هي الأولى منذ عام 2007 ، التقى خلالها برئيس الوزراء " بنيامين نتانياهو " في مقر رئاسة الوزراء في " القدس " بدلا من " تل أبيب " متخطيا بذلك الثوابت الدبلوماسية التقليدية التي تمسك بها الرؤساء المصريون جميعا . ويتحدث مراقبون عن تطلع الحكومة المصرية لأن تقوم إسرائيل بدور وساطة مع "أثيوبيا " لدفعها للتفاوض حول سد النهضة وضمان حصة مصر من المياه ! . ولخص سفير إسرائيل لدى الحكومة المصرية " حاييم كوهين " الموقف قائلا إن مصر وإسرائيل " تتمتعان حاليا بعلاقات قوية " . واستمرار هذا التحول في السياسة المصرية لن يحقق المصالح الأساسية للدولة المصرية ، ولن يساعد في استعادة مصر لدورها العربي والإقليمي . وقد يكون خطاب السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وما أثاره من ردود أفعال مناسبة للتفكير في عقد مؤتمر وطني تشارك فيه الأحزاب ومراكز البحوث المصرية وأجهزة الدولة الرسمية لمناقشة السياسات العربية والإقليمية والدولية لمصر ، وتصحيح مسارها .