على شاشة قناة ( دبي ) برنامج يعرض منذ شهور باسم ( الدكاترة ).. وهو نسخة من برنامج أمريكي كانت تقدمه قناة (MBC) وملخصه هو وضع الطب والأطباء فى إطار العلاقة الإنسانية والعلمية فى حياة الناس.. حيث يتم تسجيل البرنامج فى قاعة بها عدد كبير من المقاعد، وفى موقع المسرح توجد منصة يجلس عليها أربعة من الاطباء هم فريق البرنامج الثابت، وفى كل حلقة يتوالى ظهور عدد محدود من الضيوف، أطباء فى تخصصات مختلفة، وتبدأ الحلقة بعرض الموضوع الأساسي وهو غالبا ما يخص المتاعب الصحية الاكثر شيوعاً أو انتشارا لدى أكبر عدد من الناس، ويأخذ كل طبيب أو طبيبة من مقدمي البرنامج فى تقديم معلومات صحية وافية تخص تخصصه الطبي مع التواجد المهم للشاشات والافلام التي تصاحب الشرح فى الاستديو، وبعدها يتم تلقي اسئلة الحضور قبل الانتقال إلى موضوعات أخرى واستقبال الاطباء الضيوف.. كنت أجلس مبهورة أمام هذا البرنامج الذي تعرضه MBC مترجماً بشكل جيد جدا، وأمام قدرة هؤلاء الاطباء على الشرح الملائم والوافى لمشكلاتنا الطبية عامة ومشكلات جمهور الاستديو، والبيوت وأسأل نفسي لماذا لا يقدم التليفزيون المصري برنامجا مثل هذا وعندنا " بلاوي " صحية فى مصر، بعضها قد ننفرد به أو يستفرد بنا اكثر من غيرنا من الشعوب، غير أن الأفكار لا حجر عليها تأتي وتطير كلما جد جديد إلى أن وجدت قناة " دبي " تعرض البرنامج بتنفيذ عربي وتختار له أربعة مقدمين من جنسيات عربية، ثلاثة رجال أطباء من الخليج ولبنان، وطبيبة مصرية، كما يبدو من لهجاتهم، وكما يحدث فى النسخة الأمريكية تماما، فالاستديو مجهز لجمهور كبير، ووسائل إيضاح واستقبال لاطباء متخصصين فيما يطرحه البرنامج من قضايا وفى الحلقة الأخيرة جاءوا بطبيب مصري متخصص فى العظام ليشرح لنا كل ما يخص آلام الظهر وكيف ولماذا تؤدي أساليبنا الحياتية فى الحركة والعمل وحتى الجلوس والمذاكرة فى خلل يخص فقراتنا العظمية وبقية أجهزة الجسم.. المهم والجديد هنا والذي يجب تحية قناة دبي عليه هو أنها اشترت نسخة من برنامج كهذا بينما كان الشراء مقصورا حتى وقت قريب على برامج اكتشاف نجوم الغناء فقط.. وهو اتجاه سارت فيه قنوات عربية ومصرية عديدة فى إطار منافسة مجموعة أمتهت عمليا الاهتمام بالغناء والموسيقي المصرية والعربية عموما، وهذه قضية تحتاج إلى تفاصيل أخرى، لكن قضية اليوم، أ] برنامج ( الدكاترة ) يعيدنا إلى ماضينا وحاضرنا على الشاشات المصرية العامة والخاصة. زمن لفتية السبع فى مطلع الستينيات ومع انطلاق بث التليفزيون المصري، بدأ معه بث برامج متعددة كان من بينها برنامج عن الصحة وكل ما يتعلق بها تقدمه طبيبة امتهنت العمل التليفزيوني هي د. لفتية السبع التي استمرت لسنوات طويلة تقدم ( المجلة الصحية ) على القناة الأولى، وبعدها توالت برامج أخرى عديدة حاولت مساعدة المشاهدين على التغلب على مشاكل صغيرة فى الصحة قبل أن تكبر، وتقديم إرشادات ونصائح عامة تخص علاقة الصحة بالحياة، ومنذ سنوات عديدة امتهنت هذه البرامج بظهور القنوات المصرية الخاصة التي فضلت أن يكون الطب قطاعا خاصا، وأن يكون البرنامج الصحي هدفه الذهاب إلى الطبيب الذي يستضاف دائما وعلى الشاشة يكتب اسمه وعناوين عياداته وأرقام تليفوناته ونرى أجزاء من إنجازاته من خلال أفلام يحضرها إلى الاستديو، حتى تحولت المسألة إلى سرطان يجتاح كل القنوات الخاصة، وأيضا وصل إلى برنامج ( صباح الخير يا مصر ) صباحا على شاشة التليفزيون العام، وليصبح البرنامج هو برنامج « الطبيب فلان « أو « المركز العلاجي للاستاذ فلان « وليس برنامج الصحة والسلامة للناس، وهذا الاتجاه مفهوم فى إطار الزيادة فى التوعية بما يعانيه المصريون من متاعب صحية، أي أن تقدم القنوات برنامجا صحياً للجميع ولوجه الله والوطن، وبجانبها برامج خاصة لمن يدفع من الاطباء اصحاب المراكز والعيادات الكبرى، ولكن، أن يقتصر الاهتمام بصحة المواطن وأمراضه وآلامه على هذه البرامج التي يدفع أصحابها لكي يقتنصوا زبائنهم والمشاهدين فهذا هو الأثم بعينه، ويحدث هذا فى بلد يحتاج كثيرا إلى مجرد عرض وتوعية الناس بكيفية تجنب بعض الامور الصغيرة للنجاة من أمراض كبيرة مثل مرض السكر الذي وصل عدد مرضاه إلى 8 ملايين مصري منهم 600 ألف شاب وفقا لما كشفه المؤتمر العاشر للجمعية العربية لدراسات أمراض السكر بالقاهرة فى الاسبوع الماضي ونشر فى الصحف، وفيه تم استعراض أحدث وأفضل أنواع العلاج، وقال الخبراء كلمتهم فيما يخص سلوكيات يمارسها الناس والشباب تحديدا تتسبب فى زيادة أعداد المرضى، فما الذي يمنع القنوات كلها من متابعة هذه الأبحاث والمؤتمرات والنصائح من أجل صحة ملايين المشاهدين الذين تسعى لاجتذابهم ؟ وهل توجد قوانين « سرية « للقنوات التليفزيونية المصرية تطالبها باساءة التعامل مع المشاهدين وضخ البرامج الصحية فى إطار واحد فقط هو تقديم الفتات للمشاهد من خلال طبيب وعيادة بعينها، ومن يريد أن يعرف أكثر عليه أن يتصل بالطبيب أو يذهب إليه فى العيادة هل هناك بروتوكول بهذا الشأن وقعه صناع الفضائيات. وهل هذا قانوني ؟ وما رأي مواثيق الشرف الإعلامية وكل مواثيق العالم الإنسانية ! وماذا يفعل الفقراء الذين لا يملكون أثمان فيزيتة طبيب التليفزيون الآن ولا يجدون كلاما مهما على الشاشة الصغيرة ؟