«لو ضغطك عالى اشرب كركديه».. «ضغطك واطى كل حاجة حادقة».. «عندك برد اشرب لمون».. «لو عندك بداية برد... خد مضاد حيوى». الشعب المصرى الذى يموت 80% منه بسبب أمراض مزمنة قرر التعامل مع أمراضه بالتشخيص والعلاج الذاتى، وضع المصريون مراجعهم الطبية الخاصة، التى تجعلك تشرب كركديه بنفس مطمئنة إلى أن الضغط سينخفض، مفترضا من الأصل أن الصداع الذى يصيبك بسبب الضغط، دون قياس أو فحص. ويحتاج الفرد إلى قدر من المعرفة الطبية العامة، ليضمن تعامله بشكل صحى مع جسمه وأجهزته، كذلك لوقاية نفسه من الأمراض، أما المصاب بمرض فيحتاج معرفة تفاصيل مرضه وأسباب إحساسه بالألم، ذلك كله بأسلوب مبسط. لكن من يلعب هذا الدور ويمد المجتمع بالمعلومة الطبية؟. المجرّب يتربع «سؤال المجرب» على قائمة المصادر الطبية للمصريين، فالحل الأسرع والأقرب إلى التصديق هو سماع تجربة لأحد الأشخاص، وتكرار الأدوية ذاتها، ما دامت الأعراض متشابهة، والاستماع إلى وصفة المجرب يأخذ المريض إما إلى طريق «الطب الشعبى» أو التعاطى العشوائى للعقاقير، وهو الأمر الذى يسميه محمود طبيب بشرى «الطب العشوائى» ويؤكد أنه «يتسبب فى تدهور عدد غير نهائى من المرضى، فيأتون للطبيب بعد وقت طويل من محاولاتهم فى العلاج على طريقة آخرين». أما الطب الشعبى، فقد اعترفت منظمة الصحة العالمية بفعالية «بعض» إمكانياته، لكنها لا توصى باستخدامه وأطلقت عام 2002 خطة لمساعدة الدول المختلفة على اكتشاف إمكانيات الطب الشعبى والتقليل من مخاطره. الصيدلى الصيدلية هى البديل الاقتصادى للعيادة، على الرغم من خلوها من معظم أدوات الفحص، فإنه يكفى أن الدواء يتوافر بها!، فالشخص الذى يعانى الألم، يفترض أن يزور الطبيب للفحص والتشخيص والعلاج، لكن الصيدلية تختصر الطريق وتقدم له العلاج بتكلفة أقل ووقت أسرع. من جهة أخرى، فإن من يذهب لقياس الضغط أو نسبة السكر فى الصيدلية يحظى غالبا بتوصية طبية من الصيدلى عقب هذا القياس. وبشكل علمى، فإن الصيدلى هو ذلك الشخص الذى يقوم بصرف الأدوية للمريض وشرح الجرعة وطريقة التعاطى وتنبيهه إلى الأعراض الجانبية إن وجدت، فضلا عن تحضيره بعض الأدوية معمليا أحيانا، لذلك قد يطلق على الصيدلى «كيميائى» فى بريطانيا ودول الكومنولث. أمّا فى مصر، فهو «دكتور»!. وبقدر ما تعتز «سارة» بلقب «دكتورة» بوصفها صيدلانية شابة، إلا أنها لا تخجل من أن تنصح زبائنها باستشارة الطبيب إذا طرحوا عليها سؤالا خارج اختصاصها المهنى، على الرغم من أن ذلك يتسبب فى وصفها بأنها «مش شاطرة»!. فى حين أن زميلها «عبدالله» لا يرى فى «مساعدة المرضى» شيئا خاطئا!، يقول: «الناس تعودت من الصيدلى أن يعطيها الدواء ويحقنها إذا استلزم الأمر، ويغير لها على الجروح..و...و...»، ويضيف ضاحكا: «تستطيعين القول إن الصيدلى هو (حلاق الصحة) العصرى». وفى الولاياتالمتحدة، ظهرت عام 1999 أول صيدلية على شبكة الإنترنت، يزورها المستخدم ويقدم الأعراض التى يشعر بها وإذا كان قد استخدم الدواء الذى يطلبه من قبل، وتوصله الصيدلية إلى المريض. وفى مصر، وتحديدا من أسيوط، يدار موقع «صيدلية الملاك»، الثرى بالأسئلة والأجوبة الطبية ونصائح لرعاية بعض الأمراض المزمنة، لكن الموقع ينبه قارئه أن «المعلومات التى تحصل عليها من على الإنترنت يمكن أن تكون مفيدة عندما تقوم بمشاركتها مع طبيبك المعالج أو الصيدلى. ولكن هذه المعلومات لا يجب لها أن تحل مكان المقابلة المباشرة مع الطبيب». وبالتبعية، ظهرت مواقع لتشخيص حالات الزوار، بمجرد شرح حالتهم وإرسالها. وأشهر هذه المواقع الإلكترونية هو «دايركت رسبونس ماركتنج»، الذى يدعى أن أطباء مؤهلين ينظرون فى الرسائل الواردة. التليفزيون كان لبرنامج «خمسة لصحتك» الشهرة والشعبية الأكبر، وكان ينتجه التليفزيون المصرى فى الثمانينيات ويذيعه على قناته الأولى. وبعد توقف حلقاته، ظهر برنامج بنفس الاسم تبثه إذاعة الشرق الأوسط. ولا يزال اسم «خمسة لصحتك» هو الشائع فى التعبير عن المساحة المخصصة للتوعية الصحية فى كثير من المطبوعات الإلكترونية والرقمية. ومثلما انطلقت قنوات فضائية متخصصة فى الدراما والموسيقا والرياضة، ظهرت قنوات طبية متخصصة، أبرزها قناة «الصحة والجمال» التى تذكر إدارتها أن هدفها هو التخفيف عن المرضى، وحماية الأصحاء، عن طريق توفير الخدمات الطبية المختلفة، وتتخذ القناة شعار «جمال الصحة... صحة الجمال» شعارا لها، تعرض تحته عدد من البرامج المتعلقة بالصحة البدنية والنفسية. ومع تضمن هذه البرامج معلومات طبية مهمة وبأسلوب بسيط، تظل القناة غير معروفة لدى كثيريين، ويخشى آخرون مشاهدتها مثل مها التى لا تحب السماع عن الأمراض، مبررة: «إذا سمعت أعراض مرض، أحس بها فورا!، أعرف أنه نوع من الوهم، لكننى أحاول تجنبه». وحظى «الطب النبوى» خاصة باحتفاء إعلامى بعد تخصيص بعض الحلقات عنه فى برامج مختلفة، ثم تخصيص برامج كاملة عنه، لينتهى الأمر بتدشين قناة «الطب النبوى». ويظل الأمر نفسه واردا مع «الطب البديل» الذى تحقق برامجه مشاهدة كثيفة. لكن قد تلعب إعلانات التليفزيون دورا كبيرا فى نشر التثقيف الصحى، مثلما نجحت حملات التوعية فى القضاء على مرض شلل الأطفال فى مصر (طعموا ولادكو وريحوا بالكو!) ومرض البلهارسيا، وقبل ذلك تنظيم الأسرة. وأخيرا توجهت وزارة الصحة إلى إعلانات بظهور المطرب الشعبى شعبان عبدالرحيم للتوعية بالوقاية والتعامل مع إنفلونزا الطيور. الإنترنت تزدحم صفحات الويب العربى بالمواقع الطبية، حيث تجد العديد من المواقع التى تقدم خدمة الاستشارات الطبية، والجيد فى ذلك أن هذه المواقع تعلن عن اسم وتخصص الطبيب الذى يرد على الاستفسار، والأفضل من ذلك أن الطبيب قليلا ما ينصح السائل بتعاطى عقار معين، إنما يحثه على الذهاب للفحص فى عيادة طبيب!. ومن أشهر المواقع الإلكترونية الصحية الناطقة بالعربية وأقدمها، موقع «صحة» sehha.com، الذى يكتسب محتواه طابعا علميا، موضحا بالرسوم والصور الشارحة، فضلا عن استخدامه المصطلحات العربية بالتوازى مع الإنجليزية. وينبه الموقع زواره بشكل مباشر إلى أن ما به من معلومات «للأغراض التعليمية فقط ولا يجب أن تستخدم لتشخيص أو معالجة الأمراض. إذا كان لديك مشكلة صحية، يجب أن تقوم باستشارة طبيبك». ومنذ ظهور الموقع عام 1999 تتزايد أعداد المتابعين له، وهو ما توقعه القائمون على «صحة»، لأنه وفقا لهم كان مستخدم الإنترنت العربى بانتظار مصدر للمعلومات الطبية. ويمثل المصريون 20% من جمهور الموقع. الخط الساخن ابتداء من عام 1994، ظهر الهاتف كوسيلة لنشر المعلومات الطبية الصحيحة، وتم تخصيص أرقام «خط ساخن» للصحة الإنجابية، بالتنسيق بين وزارتى الصحة والتعليم وجمعيات مدنية، لتتوالى بعدها خطوط ساخنة للإدمان والحمل والأمراض الوبائية. ولم يقتصر إدارة الخطوط الساخنة على الوزارات الحكومية، إنما دخلت شركات خاصة «على الخط». الصحف لكن ثمّة مطبوعة كانت الأشهر بين طلاب المدارس، مجلة «طبيبك الخاص» الشهرية الصادرة عن دار الهلال، ويذكر عمر أنه وقت دراسته بالثانوى كان يجد المجلة مع زملائه بالمدرسة، ويتبادلون قراءتها، ثم بدأ هو يشتريها بانتظام، ويؤكد: «طبيبك الخاص مجلة مرموقة، لأنها تقدم علما غير معقدا، وما زلت احتفظ بالأعداد القديمة منها على الرغم من أننى أكثر اعتمادا الآن على الإنترنت إذا احتجت للحصول على معلومة طبية». ومنذ عام 1969 حتى اليوم تتمتع بأهمية خاصة لدى الباحثين عن المعرفة العلمية المبسطة عن جسم الإنسان وتغيراته، فضلا عن الجنس الذى تتناوله موضوعات هذه المجلة الشهرية بأسلوب شارح وطبى كان يفتقد له غالبية المراهقين والشباب. المعلومة التى لا يعرفها كثيرون هى أن أول نشرة دورية ظهرت فى مصر بعد الوقائع مجلة طبية اسمها «يعسوب الطب» عام 1863، لكنها لم تستمر طويلا. أما الآن، فيصدر عن جريدة «الأهرام» ملحق «الجريدة الطبية» ويوزع مجانا مع الجريدة كل أسبوع. وتخصص بعض الجرائد اليومية مساحة للرد على الاستفسارات الطبية للقراء. الطبيب آخر من يلجأ إليه غالبية المصريين إذا تدهورت صحتهم ولم يجدوا لها حلا وبعد الإصابة بالمرض، تصبح «المجاز المرسل والاستعارة المكنية» سيدة الموقف فى شرح الحالة للمريض أو أسرته، كما يقول الدكتور محمود، الذى يرى أن استخدام الأدوات التوضيحية من رسوم ومجسمات وغيره مع المرضى فى مصر «نوع من الخيال العلمى». الجدير بالذكر أنه فى مصر هناك طبيب لكل 14 ألف مواطن!، وتسعى الحكومة إلى وجود طبيب لكل 2000 مواطن بحلول عام 2017.