أي خريطة نراها الآن علي شاشات التليفزيون في رمضان؟ هل هي خريطة المسلسلات الجديدة التي ننتظرها من العام للعام في هذا المهرجان الدرامي المفتوح؟ أم أننا أمام خريطة أخري وضعها لنا المعلنون حول مشروعات وسلع تمثل لهم أولويات لابد من الإلحاح بها علي المشاهد في هذا الشهر.. ولماذا؟ لأنه الشهر الذي تحول إلي أكثر شهور العام مشاهدة للتليفزيون من قبل ملايين البشر الذين يفضلون البقاء في البيوت حتي تنتهي موجة حرارة اليوم ويحين موعد الافطار بعد صيام ساعات طويلة. في هذا الشهر الذي نعيش أيامه الآن، وقد مر نصفه، تتضح لنا معالم خريطة مختلفة عن كل ما سبق، فالمسلسلات موجودة وجزء لا بأس به منها يطرح قضايا الأمن في علاقته بالمجتمع من خلال ابطال من رجال الشرطة كما كتبت في الاسبوع الماضي، وهناك اضافات أخري مثل اصرار كبار النجوم علي التحدي والوجود في مواجهة بعضهم البعض بينما كان الأمر حتي العام الماضي يحتمل توقف بعضهم عاما والعمل عاما آخر، أي التروي والتأني في اختيار العمل الذي يظهرون فيه علي الشاشة الصغيرة ، خاصة أنه لم يعد لديهم غيرها غالبا، ومن هنا يتواجد مسلسل عادل امام في مواجهة مسلسل لمحمود عبدالعزيز وثالث ليحيي الفخراني ورابع ليسرا وخامس لليلي علوي وتعود الهام شاهين مع هشام سليم وصفية العمري إلي استئاف (ليالي الحلمية) بعد رحيل مؤلفها أسامة أنور عكاشة ومخرجها اسماعيل عبد الحافظ، وفي الوقت ذاته يعود محمد منير بعد توقف طويل عن التمثيل إلي تقديم مسلسل يحكي قصة حياته (المغني) ،وتبدأ لطيفة مشوارها مع الدراما التليفزيونية بعد سنوات طويلة قضتها كمغنية فقط مثلت فيلما من اخراج يوسف شاهين .. وفي مواجهة كل هؤلاء النجوم الذين حققوا نجاحات كبيرة صنعت لهم مكانة علي مدي ثلاثة عقود أو اكثر يقف علي الجانب الآخر جيل جديد من النجوم، بعضهم اصبح نجما بالفعل وفقا للمقاييس الجماهيرية مثل محمد رمضان بطل مسلسل (الاسطورة) الذي صعد ليتجاوز غيره في هذا التفاعل الجماهيري تحديدا ويقف أمام الاساطير السابقة تاركاغيره ممن جاوره أو سبقه يحقق نجاحات مهمة أو عادية، في رمضان هذا العام تحديدا، مثل خالد النبوي الممثل القدير والمحترف في الافلام المصرية والاجنبية معا، والذي يفاجئنا هذا العام ببطولة مسلسل اكشن ملئ بالمطاردات في دور ضابط شرطة، وطارق لطفي نجم رمضان الماضي، في عمل وضعه كأول اسم علي التيتر، وخالد الصاوي في عمل يعود به إلي تقاسم البطولة وليس الانفراد بها أمام ليلي علوي بتاريخها الاطول، وأمام هؤلاء تصعد نجمات سينما اصبحت خريطة رمضان منفذا مهما لهن مثل مني زكي وغادة عادل ودرة وهالة صدقي بينما تستكمل نيللي كريم وسوسن بدر وشيرين رضا وحنان مطاوع وصفاء الطوخي رحلة ابداع خاصة بالتليفزيون وحده ومعهن جيش من الوجوه القديمة والمعاصرة والجديدة، ويتم هذا في اطار جيش آخر، جديد غالبا، من المؤلفين والمخرجين ومديري التصوير وفناني المونتاج والمكساج والموسيقي وحين نتأمل تيترات الاعمال التي نراها الآن علي الشاشات سوف نكتشف عددا غير قليل من المهن الجديدة والتي لم تكن موجودة علي تيترات مسلسلات الماضي ومنها ليالي الحلمية، وايضا سوف نكتشف الهالك في الوقت حين يستمر التيتر الخاص بنهاية طويلة ليكتب فيه اسم كل شخص تواجد في الاستديو باعتباره مهما. وبحيث نقع كمشاهدين تحت دائرة العقاب لصناع المسلسلات ومسئولي القنوات الذين يتركون تيتر العاملين الطويل البطئ بينما يقطعون المسلسل نفسه بأحداثه التي تجلس من اجلها، وكأن العمل الوحيد الذي خفف عنا هذا هو (افراح القبة) المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ والذي لم يكتبوا علي تيتراته للاسف اسم كتاب أو كتاب السيناريو الذين اعدوا النص المحفوظي للشاشة الصغيرة.. ولكنهم قطعوا جزءا كبيرا من تيتراته أهمها ما يخص النجوم الذين يمثلون في كل حلقة. عودة الروح المصرية غير المسلسلات الدرامية، لدينا المسلسلات الاعلانية والتي اصبحت هذا العام تقريبا مخصصة للدعوة للمنتجعات السكنية الجديدة، في كل مكان مع التركيز علي القاهرة والشواطئ، وفي أكبر هذه المسلسلات دراما يقوم بها نجمان كبيران هما أحمد عز وماجد الكدواني، صورت مشاهد منها في لندن ومدن أوربية اخري، حول مزايا السكن في هذا المشروع الكبير حقا (وفقا للاعلان) في منطقة التجمع، بينما يلجأ اصحاب مشروع آخر إلي الهجوم من اجل الاستعراض أو الدعاية أو تهدئة المشاهد الضعيف اجتماعيا، فقد لجأ اصحاب هذا الكومباوند إلي تصوير فيلم دعائي بعنوان (عودة الروح المصرية) يبدأ بفلاح معدم سعيد في الغيط وفلاحات الماضي ويصفقن لفتاة تتزوج قبل أن ينطلق الاعلان يذكرنا بهذا الماضي الجميل ويؤكد أن هدفه هو عودة الروح المصرية والانتماء ومن اجل هذا ذهب أصحاب الاعلان إلي القري ليعيدوا بناءها ويقيموا المدارس ومحطات تنقية مياه الشرب إلخ.. أي فعلوا ما يجب أن تفعله الحكومة فإذا كان هذا صحيحا فلماذا لم نسمع عنه إلا من خلال هذا الإعلان في رمضان؟ ولماذا لم يتم الاعلان رسميا عن هذه المبادرة من شركة مصرية، ومن خلال الحكومة نفسها، وهل ما نراه في الاعلان حقيقيا؟ ومن المستفيد منه تحديدا من قري مصر ونجوعها؟ وهل يليق بمشروع كهذا أن يدخل ضمن مسلسل الاعلانات الداعية للبيع والشراء أم أن يوضع في اطار آخر اكثر مصداقية.. أنني لا أشكك هنا في أي اعلان يعرض علينا ولكنني اطالب بجهة ما تراقب مدي مصداقية ما يعرض من سلع وبيوت وكل شيء يبيعونه لنا علي الهواء، كما اطالب بتنسيق بين مسئولي القنوات المصرية الخاصة بين ما نراه من اعلانات، خاصة اعلانات تحث علي التبرع لهذه المؤسسة أو تلك، والتي زادت عن الحد المطلوب، وسواء في المدة التي يطول فيها الاعلان علي الشاشة، أو عدد الاعلانات عن الخاصة بمؤسسة واحدة، وظهور عدد متزايد من المؤسسات الجديدة التي تعلن عن نفسها هذا العام، ثم بداية انتباه مؤسسات قديمة لتأثير التليفزيون علي المشاهد، وعلي التدفق المادي، فبدأت اعلانات عن مؤسسات في بعض المحافظات، ولا أظن ابدا أن هذه الاعلانات يسمح بها ملاك القنوات من باب الزكاة أو المساهمة في تحسين صحة المجتمع، ولكن فوضي التعامل معها يحتم وجود اتفاق وآلية للعرض تقلل من ارهاق المشاهد لو كان من الطبقة التي تتوجه لها اعلانات بنك الطعام أو غضب المشاهد الذي يجد نفسه محاصرا بين اعلانات البيوت ذات الحدائق وحمامات السباحة أو تأفف المشاهد الذي يجد حصارا آخر يطالبه بالتبرع هنا وهناك في كل لحظة..وكأن كل لخطة اندمامجة ومتعة مع الدرما لابد أن يدفع المشاهد ثمنها سريعا في الفواصل .. وبين المسلسلات .. القضية هنا أن التليفزيون يضعنا بهذا الاسلوب بين الواقع والخيال وكلاهما صعب.