طفش المشاهد من مسلسلات التليفزيون بسبب الإعلانات.. الطفشان تحول إلى حالة من الهروب شبه الجماعي لمن يريد رؤية مسلسلاته المفضلة بدون عذاب الإعلانات التي اخترقت كل حصون الدراما ومواثيقها من لحظة ما قبل التيتر الأول إلى ما بعده إلى متون الحلقات وهكذا من الهروب كان لجؤنا إلى موقع "اليوتيوب" الذي أنطلق منذ سنوات قليلة ولكنه بالتدريج تحول إلى أكبر موقع إلكتروني فى العالم لعرض لقطات الفيديو القصيرة والطويلة، والأفلام وأيضا البرامج وأخيراً المسلسلات، وحيث يستطيع أي متابع استعادة ما عرض وفقاً لأهميته بالنسبة إليه.. غير أن إدارة اليوتيوب انتهزت الفرصة التي اتاحها لها الإقبال الكبير على الدخول على الموقع وبدأت فى قبول وبث إعلانات فى بداية الحلقات والمسلات والأفلام، وبعد ذلك سمحت بدخولها إلى داخل الأفلام والحلقات ليبدأ المشاهد فى معاناة جديدة بسبب هذه الاعلانات التي هرب منها ومن شاشات التليفزيون فإذا بها تقتحم عليه شاشات الإنترنت أيضًا.. ولكن، هناك من ينصتون لتعاملات المشاهد مع الميديا وتطوراتها، فقد فاجأت شركة ( جوجل ) المالكة لموقع اليوتيوب العالم كله ببيان مهم يوم السبت الماضي، أعلنت فيه أنها ستوقف الإعلانات الإجبارية على الموقع الكبير فى بداية العام القادم، وأن هذه الإعلانات التي تمتد إلى ثلاثين ثانية وتعرض قبل بداية المقاطع الرياضية والقناة العامة التي تم الاحتفال بها فى ذمة تاريخية فى الوقت الذي انطلق فيه بث قناة ثالثة لنفس الشبكة، وهي قناة الدراما، فى صمت تام وكأنها قناة غير مرغوب فيها، وربما يكون السبب هو أنها فى خريطتها الأولى، تعيد عرض مسلسلات عرضت من قبل، غير أن المسئولين عنها ربما لا يدركون أن استعادة الأعمال الجيدة والمهمة والمعبرة عن تاريخ مجتمعاتها أمر شديد الأهمية ومن هنا نحيي اختيار مسلسل مثل "أيام المرح" إخراج محمد فاضل وبطولة عبد المنعم مدبولي والفخراني وفردوس عبد الحميد ضمن الباقة الأولى للقناة الجديدة التي تختص بالدراما التليفزيونية، أما تلك التي تم الاحتفاء بها فى زفة فهي تقدم خريطة تشبه فى مجملها غيرها من خرائط القنوات الخاصة بداية بالبرنامج الصباحي (8 الصبح) وبرنامج المرأة الذي يضم عددًا من أهم مقدمات برامج التليفزيون المصري سابقا (السفيرة عزيزة) وصولاً للبرنامج النقاشي اليومي وإلى التوك شو وقبله برنامج التاسعة وعدد من المسلسلات المصرية الجديدة ومسلسل مكسيكي عن (جراند أوتيل).. هل حركت الشبكة الجديدة حركة التعامل اليومي بين الجمهور والإعلام المرئي.. ربما، فى حدود، لأن ما تم الإعلان عنه كان الرهان الأكبر فيه على الوجوه المعروفة والمشاهير وليس على المحتوى نفسه، فلم يتم الإعلان عن أي برنامج علمي، أو برنامج مخصص للشباب وقضاياهم فى هذا القرار.. أم أن الشكاوى من إعلانات اليوتيوب أخذت طابعاً دوليا ؟ لعل أهم النقاط فى هذه القضية هي كيف أدركت إدارة الشبكة المذكورة كراهية المشاهدين لإعلاناتها "الإجبارية"، ثم ما هي أنواع الإعلانات المفضلة للجمهور والمعلنون معا، وهل يتفق الطرفان على نظرة واحدة تخص البائع والمستهلك؟. أما السؤال الثالث فهو لماذا تتوقف هذه الإعلانات فى بداية العام القادم وليس من الآن.. هل السبب هي التعاقدات التي تعني خسارة مالية كبيرة للشبكة أم أن "جوجل" أرادت أن تقول لنا أنها تدرك كراهيتنا للإعلانات لكنها لن توقفها إلا بعد وجود البديل.. فهل لا تخاف الشبكة العملاقة من انصراف الناس عن موقعها أم أن لديها من الدراسات والأبحاث ما يؤكد أن غضب المشاهدين موجة سريعة ستنتهي بلا نتيجة خاصة.. إذا كان المشاهد مصريا سوف يذهب إلى الموقع هرباً من الشاشة بإعلاناتها.. والسؤال الأهم الآن هو وماذا عن شاشاتنا المصرية.. وإلى متى تظل خارج كل مواثيق التعامل الإعلاني الدولي، وما الذي تجهزه لنا من مساحات إعلانية ثقيلة فى رمضان القادم.. وأين مواثيق الشرف الإعلامية بل أين قوانين الإعلام الجديدة التي تنظم شئون هذه المهنة والمتضخمة وشبكاتها الصاعدة وجيوش العاملين بها وقدراتها فى التأثير على ملايين المشاهدين.. وهل نجلس مكتوفى الأيدي أمام الانفجار الإعلاني القادم فيصبح (اليوتيوب) هو ملجئنا الوحيد؟.