أمناء الشرطة استغلوا فوضى منح الشهادات للترقية لضباط إلغاء حصول الدارسين على البكالوريوس أو الليسانس ببرامج التعليم المفتوح الاكتفاء بمنح الخريجين شهادة "مهنية" فقط لا تؤهل للتعيين أو الترقي سامى فهمي: على طريقة هدم المعبد على رءوس أصحابه، وبذات فكرة القضاء على المرض بقتل المريض والتخلص منه، تحرك أخيرا المجلس الأعلى للجامعات للتعامل مع الأزمات والمشاكل التى أثارها نظام التعليم المفتوح فى الجامعات المصرية، بدلا من البحث عن مواطن الخلل ومعالجة أوجه القصور فى هذا النوع من التعليم الذى بدأ تطبيقه منذ أكثر من ربع قرن، لجأ المجلس الأعلى للجامعات للحلول السهلة التى لا تعكس أى رؤية تربوية أو مجتمعية، بدلا من إصلاح ما أفسده وزراء التعليم العالى السابقون بقرارات أدت لتحويل التعليم المفتوح لباب خلفى للالتحاق بالجامعات وإهدار مبدأ تكافؤ الفرص والخروج عن أهداف وفلسفة هذا النوع من التعليم.. اختصر المجلس الأعلى طريق الإصلاح بالاتجاه نحو التخلص من منظومة التعليم المفتوح، بدلا من ترشيد برامج الدراسة والنهوض بطرق ووسائل التدريس والارتقاء بمستوى الخريجين وإيقاف عمليات الإتجار وجنى الأموال الطائلة كمكافآت لأعضاء هيئة التدريس، بل ولرؤساء الجامعات.. اندفع المجلس الأعلى للجامعات للقضاء على التعليم المفتوح مضحيا بالدخول الإضافية والمكافآت الضخمة، وفى ذات الوقت قضى على آمال وتطلعات آلاف الدارسين ببرامج التعليم المفتوح نحو تحسين أوضاعهم التعليمية والوظيفية، إذن.. ما هى الدوافع وراء تحرك المجلس الأعلى للجامعات لإزالة منظومة التعليم المفتوح؟! ولماذا صمت "المجلس" طوال السنوات السابقة عن اتخاذ خطوات فعالة من أجل الإصلاح والتطوير؟! أسباب الأزمة يتجه المجلس الأعلى للجامعات فى اجتماعه يوم "الاثنين" القادم بجامعة بنى سويف، للموافقة على التوصيات النهائية للجنة تطوير التعليم المفتوح التى سبق للمجلس تشكيلها برئاسة د. أمين لطفى رئيس جامعة بنى سويف، تتركز توصيات اللجنة فى تغيير مسمى شهادة التخرج ببرامج التعليم المفتوح لتصبح شهادة "مهنية" تساهم فى اكتساب الخريج المهارات المطلوبة في سوق العمل فى التخصصات المختلفة، وتتراوح مدة الدراسة من ستة شهور إلى أربع سنوات حسب التخصص، هذا يعنى إلغاء معادلة شهادات التعليم المفتوح للبكالوريوس أو الليسانس وهى الدرجات الجامعية التى تمنحها الجامعات للطلاب النظاميين، بذلك تصبح شهادة برامج التعليم المفتوح مجرد إفادة باجتياز دورة تدريبية لا تؤهل للتعيين أو التوظيف، وإنما لرفع مستوى المهارات فى مجال التخصص وليست درجة جامعية معترفا بها. يترتب على ذلك بحسب توصيات اللجنة اعتبار الشهادة "المهنية" شهادة منتهية وبالضرورة لا تؤهل الحاصل عليها للالتحاق بالدراسات العليا، يعلل د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة وأحد أعضاء لجنة التطوير سحب الدرجة الجامعية بأن التعليم المفتوح "يجود سوق العمل ولا يؤهل لسوق العمل"، غير أن د. نصار يحاول الابتعاد عن جوهر المشكلة التى دفعت اللجنة لإلغاء الدرجة الجامعية التى تمنح للدارسين وتتمثل فى إقبال الآلاف من أمناء الشرطة الحاصلين على مؤهلات متوسطة للالتحاق ببرنامج الدراسات القانونية لاقتناص الدرجة الجامعية المعادلة لليسانس الحقوق مما يتيح لهم الترقى لرتبة ضابط شرطة، وهو ما تعترض عليه وزارة الداخلية بدعوى المساس بالأمن القومى بالعودة لكلام د. نصار فإنه فى الحقيقة لا يوجد تعارض بين تحسين سوق العمل ومنح الدرجة الجامعية، إلا أن الأزمة تكمن فى تدنى مستوى التعليم المفتوح وشيوع الغش والفوضي، وعدم قدرة الجامعات والمجلس الأعلى على تنظيم وضبط التعليم المفتوح. دواعى أمنية على مدار السنوات الأخيرة تصاعدت الشكوى من تدنى مستوى التعليم المفتوح وتحوله لتجارة مربحة للجامعات التى توسعت فى إنشاء البرامج، رغم عدم توافر المقومات والإمكانات اللازمة، وكوادر التدريس لدرجة أن الجامعات التى لا توجد بها تخصصات معينة تحظى بإقبال الحاصلين على الدبلومات الفنية والثانوية العامة للالتحاق بها، لجأت لما يسمى ببرامج الشراكة مع جامعات أخرى لجذب الدارسين للتسجيل واقتسام حصيلة الرسوم، مثلا الجامعات الإقليمية التى لا توجد بها كليات إعلام لجأت لإنشاء برامج للإعلام بالشراكة مع برنامج الإعلام بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، الهدف جمع مزيد من الأموال لزوم صرف المكافآت ومنح الدرجة الجامعية بصرف النظر عن مدى استفادة الملتحقين. ازدادت الأوضاع سوءا والمجلس الأعلى للجامعات لا يسمع ولا يرى ولا يتخذ قرارات للإصلاح، حتى عندما ثارت أزمة عدم قيد خريجى برامج الإعلام والدراسات القانونية بنقابتى الصحفيين والمحامين، لم يهتم المجلس الأعلى للجامعات بالأمر وكأنه غير معنى بالإصلاح، لم يتحرك المجلس الأعلى للجامعات إلا عندما اعترضت أجهزة الأمن على تدفق الآلاف من أمناء الشرطة على الالتحاق ببرنامج الدراسات القانونية بالتعليم المفتوح والحصول على ليسانس الحقوق والترقى لرتبة ضابط ، مما أثار موجة من الاعتراضات فى وزارة الداخلية، فبرامج التعليم المفتوح فى ظل حالة الفوضى والإهمال لا تؤهل أمناء الشرطة للعمل كضباط لافتقادها للتدريب العملى والتطبيقى وعدم تمتع الأمناء بالمقومات الصحية واللياقة البدنية المطلوبة، فضلا عن اختلال منظومة العمل داخل جهاز الشرطة بالتزايد المفرط فى أعداد الضباط الذين كانوا أمناء بالنسبة لأعداد الضباط خريجى أكاديمية الشرطة مما يؤثر على كفاءة الأداء لاعتياد الأمناء قبل ترقيتهم لضباط على أساليب وطرق متواضعة فى العمل. كشفت الإحصائيات عن ترقية حوالى 6500 أمين شرطة لرتبة ضابط منذ عام 2011 بعد ثورة يناير وحتى عام 2014 بعد حصولهم على ليسانس الحقوق بالتعليم المفتوح وأغلبهم التحقوا بالبرامج بدبلومات فنية، فى حين أنه خلال 30 عاما من عام 1980 وحتى عام 2010 لم يتجاوز عدد الأمناء الذين تمت ترقيتهم لضباط 1800 تخرجوا فى برامج التعليم النظامى وغيرها. إصلاح أم إلغاء؟ لقد ترك المجلس الأعلى للجامعات الازمة تتفاقم طالما تحقق الجامعات أرباحا ومكاسب طائلة ولم يتحرك، إلا عندما طالت الأمن القومى بالتأثيرات السلبية على جهاز الشرطة، وعندما تحرك المجلس الأعلى أخيرا لجأ لأسلوب البتر، وليس الإصلاح ليدفع الدارسون ثمن تخبط السياسات والإجراءات التى لم تهدف فى واقع الأمر سوى تحقيق مزيد من الأرباح واستنزاف أموال الدارسين دون تقديم خدمة تعليمية لرفع مستوى الخريجين، عندما أنشئ نظام التعليم المفتوح عام 1990 وتم إقراره حينما كان د. حسين كامل بهاء الدين وزيرا للتعليم، كان يهدف لإتاحة فرص التعليم العالى لمن لم يتمكنوا من استكمال تعليمهم لظروف اجتماعية أو اقتصادية، واندمجوا فى سوق العمل، لذلك اشترط مرور 5 سنوات على الحصول على المؤهل المتوسط للالتحاق بالتعليم المفتوح، حتى جاءت موجة الإتجار بالتعليم وتحويله لسلعة ليقرر د. هانى هلال وزير التعليم العالى إلغاء شرط ال 5 سنوات عام 2008.. منذ ذلك الحين تحول التعليم المفتوح لباب خلفى للالتحاق بالجامعات والحصول على الدرجة الجامعية بشرط سداد المعلوم من مصروفات وثمن المذكرات والكتب وغيرها. الآن.. ما مصير حوالى 565 ألف طالب يدرسون ببرامج التعليم المفتوح ب 23 جامعة حكومية.. هل يحصلون على البكالوريوس أو الليسانس حسبما التحقوا على هذا الأساس أم سيدفعون ثمن أخطاء وخطايا التعليم العالى بالحرمان من المؤهل وإعطائهم شهادة مهنية؟!