إن دين الله - تعالي - يحمل في تطبيقه السعادة والعدالة للناس . ولا يحمل الشقاء والعذاب . فالإنسان الذي يأخذ هذا الدين كما أراده الله - تعالي - باعتدال وفهم ووعي ينال السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة . وأما الذي يشادّ فيه ويتشدد في غير موضع التشدد . ويحرم الحلال والمباح . فإنه ينال الشقاء والعذاب في الدنيا والآخرة . يشير إلي هذا المعني ربنا - عز وجل - في أول سورة طه قائلا : ¢طه. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي¢. ويقول عليه الصلاة والسلام: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا. والمتنطعون كما فسره النووي رحمه الله: المتعمقون المشدِّدون في غير موضع التشديد. قيمةُ الْحِوَارِ فِي الْإِسْلَامِ: يكتسب الحوار أهمية بالغة في منظومة الدعوة الإسلامية . فهو أسلوب أصيل من أساليب الدعوة ومعلم بارز في منهجها الرشيد. وللحوار دوره الكبير في تأصيل الموضوعية ورد الفكرة المغرضة كالفكرة القائلة إن الإسلام دين القهر . وإنه انتشر بالسيف كما روجه أعداء الإسلام من ضلال المستشرقين والمنصّرين. وكيف يصح ذلك والإسلام دين الحوار وفي التنزيل الحكيم "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعى عَلِيمى". فلو كان صحيحا أن الإسلام دين السيف لما كان للحوار معني . وقد حفل القرآن الكريم بعشرات النصوص حول الحوار تأمر به وتحض عليه وتنوه بقيمته وتقدم نماذج من حوارات الأنبياء والمرسلين . وتقدم نماذج من الحوارات التي ينبغي أن يسلكها الدعاة إلي الله مع مختلف أصناف المدعوين من أهل الكتاب والمشركين والملاحدة ومنكري البعث وغيرهم. والحوار قديم قدم البشرية فهو نابع من أعماق النفس البشرية . ومما ورد في القرآن الكريم الحوار الذي كان بين آدم وزوجه » حوار وهما في الجنة . وكذلك ما أمر الله به الملائكة من السجود لآدم لما خلقه » قال تعالي : "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلى فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ". دعوة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلي الحوار: ليس أدل علي ذلك من ورود مبادئ للصيغ البيانية في القرآن الكريم : ولا غرو فالقرآن الكريم كله بيان وهدي للناس . بل هو قمة البيان وذروة البلاغة . من ذلك : ورود السياق القرآني الجليل مصدراً بصيغة الأمر "قُلْ" المشعرة بأن الداعية ينبغي أن يصدع بالحق وأن يتخذ من القول المبين والحجة البالغة منهاجا وغاية . كما في قوله تعالي في تقرير التوحيد : "قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". قيم وأخلاقيات الحوار في الإسلام: لقد كفل الإسلام حرية المناقشات الدينية علي أساس موضوعي بعيد عن المهاترات أو السخرية من الآخرين. كما جاءت النصوص القرآنية لتؤكد علي شرعية وأهمية الحوار . وتصريف الشؤون الخارجية مع المجتمعات الدولية الأخري بالحكمة والموعظة الحسنة. وفي ذلك يقول الله تعالي "ادْعُ إِلِي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". وعلي أساس من هذه المبادئ السمحة ينبغي أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين. ولقد صاغ الرسول صلي الله عليه وسلم مجموعة من القواعد التي يرتكز عليها الحوار مع الشعوب الأخري . ومن أهم تلك القواعد : الاعتماد علي الثوابت المشتركة للحوار . كالاحتكام إلي الأنبياء والرسل والكتب المنزلة عند المؤمنين منها . ومن ضروب ذلك : رسائل الرسول الأعظم للملوك والرؤساء ومخاطبتهم فيها بمعتقداتهم وما يدينون به . وأنه كان يخاطب كل ملك حسب ظروفه . فإن كان من أهل الكتاب أشار إلي ما بين الأديان السماوية من روابط . وإذا كان من غيرهم أشار إلي التزام البشرية بالعودة إلي الله وترك عبادة ما سواه. ومن صيغ هذه الرسائل: كتابه صلي الله عليه وسلم إلي ملك فارس : ¢بسم الرحمن الرحيم¢ من محمد رسول الله إلي كسري عظيم فارس . سلام علي من اتبع الهدي . وآمن بالله ورسوله . وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأن محمداً عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله . فإني أنا رسول الله إلي الناس كافة . لينذر من كان حياً ويحق القول علي الكافرين فأسلم تسلم . فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ¢.