* كان د. مصطفي محمود صديقاً للموسيقار محمد عبد الوهاب فقال له في ساعة صفاء: ماذا سنقول لربنا إذا قابلناه يوم القيامة؟.. قال له عبد الوهاب: نحن أسعدنا الناس وقدمنا لهم فناً جميلا ً ودافعنا بهذا الفن عن الوطن. * فقال له د. مصطفي: أنت لحنت مئات الألحان وأنا ألفت عشرات الكتب.. ولكننا أخذنا أجر ذلك في الدنيا مالا وشهرة وجاهاً.. ولكن ماذا قدمنا للآخرين للغلابة واليتامي والفقراء والمساكين والمحرومين والمرضي.. أين مشروعنا لمساعدة هؤلاء دون أجر أو شهرة؟ * لم يجد د. مصطفي صدي لحديثه لدي الموسيقار عبد الوهاب الذي كان ممسكا ً في هذه المسائل.. ولكن هذا الحديث وجد صدي ذاتياً في قلب ومشاعر صاحبه.. إذ عزم علي أن يقيم أكبر مشروع خيري في القاهرة وهو مسجد ومستشفي محمود.. إذ أنه ما إن بدأ المشروع علي قطعة أرض رائعة كان يملكها في المهندسين إلا ووجد في كل يوم من يعينه علي استكمال المشوار.. ويمد له يد العون حتي صار صدقة جارية عظمي له ولكل من ساهم فيه.. * تأملت هذه القصة التي حكاها د. مصطفي محمود بنفسه.. وتأملت فعل الصحابي أبي طلحة الذي سمع قوله تعالي ¢ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّي تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ¢ حتي تبرع بحديقته الرائعة فقال له الرسول: ¢بخ بخ ذاك مال رابح وأنا أري أن تجعلها في الأقربين¢. * ما قيمة العلماء والمفكرين والأطباء والأغنياء ورجال الأعمال إن لم يحسنوا إلي الخلائق.. ويوظفوا أموالهم وجهودهم لإسعاد الآخرين؟ * ما قيمة الأستاذ الجامعي إذا كان طبيباً أو محامياًً وهو لا يدع يتيماً أو مسكينا أو محروما ً إلا وأخذ الأجر منه أو ضاعفه عليه.. وما قيمة الداعية أو المفكر وهو يعيش في قصر أو فيلا ولا يرحم أحدا ً من ذوي قرابته أو رحمه أو ليس له مشروع خيري واحد. * ولعلك تعجب إذا قرأت حجة الوقف التي أوقفها مصطفي بك عبد المنان وهو من قدامي الإقطاعيين في العصر الملكي فقد أوقف 220 ألف فدان من ثروته في محافظاتالدقهلية وكفر الشيخ والغربية .. ففي الدقهلية وحدها أوقف 69 ألف فدان لخدمة المساجد وطلبة العلم وحفظ القرآن وبعضها علي المدارس واليتامي والفقراء والمساكين.. فهل في عهود الاشتراكية واليسار تبرع أحد بمثل هذا.. وحجة هذا الوقف موجودة حتي الآن في مديرية أوقاف الدقهلية. * وهذا الإمام مالك كان يضع الدنانير الذهبية في أطباق ¢الفالوذج¢ أي المهلبية ويهديها إلي تلاميذه كي لا يحرجهم.. وأبو حنيفة كان ينفق علي طلبة العلم من تجارته.. أما الشيخ الشعراوي فقد كان يوزع صررا ً من المال علي الأطفال والكبار كلما خرج من بيته.. أو طاف بالكعبة حتي أنه أعطي مرة سفير ليبيا في السعودية صرة وهو لا يعرفه. * وهذا م. صلاح عطية الذي أقام فرعاً لجامعة الأزهر بقرية تفاهنا الأشراف وأنشأ مع آخرين أكثر من ألفي معهد أزهري.. وشارك في بناء معظم المستشفيات الخيرية في مدن الدلتا. * وهذا ملياردير آخر لا يحب ذكر اسمه تبرع بثلث ماله كله لله.. فلا يدخل جنيه في مؤسسته إلا وأخرج ثلثه للفقراء والمساكين. * وهذا الرجل أقسم أن ينفق علي مليون طفل يحفظون القرآن حتي يلقي الله وقد قارب أن يحفظ علي روحه مليون حافظ للقرآن. * ما قيمة المال إذا لم يقم صاحبه بمراقبة الحق سبحانه فيه والإحسان إلي الخلق؟ * وهل يليق بنا ألا يكون بيننا رجل مثل ¢بيل جيتس¢ الذي تبرع بقرابة نصف ثروته لأعمال الخير وهو من أثرياء العالم؟! * ما قيمة الأغنياء إذا شبعوا وجاع جيرانهم وبني وطنهم أو سعدوا وشقي أحبابهم.. لقد اشتري عبد الله بن عمار داراً من خالد بن عقبة بمبلغ كبير فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد فسأل عن شأنهم فقيل له: يبكون علي فراق دارهم .. فقال : يا غلام اذهب إليهم وأعلمهم أن الدار والمال لهم جميعاً.. ومضي إلي حال سبيله.. فمضت القصة ومات أبطالها ولكن التاريخ مازال يسطر حروفها.