قبل أن أتحدث عن الطب النبوي أود أن أبين بعض الحقائق حتي لا يفهم القارئ من هذا الحديث أنها دعوة إلي ترك العلم الحديث واللجوء إلي ما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الكتاب فحسب. ولكن للأسف فهم كثير من المسلمين هذا المفهوم الخطأ وأخذوا يدعون الناس إلي تركيبات ليس لها أصل. ودخل المجال بعض الدجالين الذين أوهموا أن هذا وذاك به تركيبة سرية ولصقوا أعمالهم الشيطانية إلي أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم وهذا بمشيئة الله تعالي وعونه سنوضحه. فإن مزاولة المهن الطبية المختلفة المعتمدة من الجهات العلمية المسئولة هو أمر مشروع بل مندوب إليه. لأن الناس في كل زمان ومكان لا يستغنون عن التطبيب. كما أن هناك الكثير من الإصابات والحالات المرضية المستحدثة والتي تحصل يومياً وتهدد النفوس البشرية بالهلاك إذا لم تعالج. ولهذا فقد ذهب الفقهاء إلي أن تعلم الطب من فروض الكفاية. فيجب أن يتوافر في بلاد المسلمين من يعرف أصول حرفة الطب في شتي الاختصاصات بما يكفي حاجة المسلمين للاستغناء عن الأطباء غير المسلمين من جهة. ولأن هناك الكثير من الحالات المرضية تحتاج إلي طبيب فقيه مسلم أمين» ذلك لأنه يطلع علي أمور لا يطلع عليها غيره مثل عورات المرضي وأسرارهم الشخصية وغيرها. فلهذا وغيره تكون مكانة الطبيب في المجتمع مكانة عالية رفيعة يحترمه الجميع لدرجة أنه كان يطلق عليه في القدم: الحكيم. وهي مشتقة من الحكمة لما يتمتع به من علم واسع ورجاحة في العقل. الطب النبوي باب واسع من أبواب السنة النبوية المطهرة التي حفلت بالكثير من التوجيهات الطبية والوصفات الدوائية. وهذا لا يعني أن النبي صلي الله عليه وسلم قد بعث طبيباً يداوي أسقام الأبدان. فإن هذه الوظيفة أولاها الله تعالي إلي الخلق ينظرون في قوانين الكون وسنن الله تعالي في الصحة والمرض. والرسول صلي الله عليه وسلم بوصفه بشراً قد باشر العلاج وأشار بصفته البشرية إلي بعض الأدوية حسب مستوي المعرفة الذي كانت عليه البشرية في ذلك العصر وما كان معروفاً في تلك البيئة. أما الجانب الذي أعتقد أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أولاه عنايته وأصله فهو الوحي. لاشك في ذلك فهو الجانب النفسي والروحي والعقائدي للمصاب. ومما يؤكد هذا المنصب أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يتداوي ويتعاطي الدواء إذا مرض. وكان يحث أهله وأحبابه علي التداوي ويشير عليهم بمراجعة الأطباء ذوي الخبرة. كما روي أن سعد بن أبي وقاص قال: "مرضت مرضاً فأتاني رسول الله صلي الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتي وجدت بردها علي فؤادي. فقال: "إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب" وبهذا أسس النبي صلي الله عليه وسلم قاعدة ذهبية في التعامل مع القضايا الدنيوية الصرفة. وذلك بالرجوع إلي أهل العلم والاختصاص. وقد أكد هذه القاعدة بقوله في الحديث الآخر: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" فكان النبي صلي الله عليه وسلم يديم التطبب في صحته ومرضه. أما في الصحة فباستعمال الرطب بالقثاء والرطب بالبطيخ والتمر والزبيب والعسل ونحو ذلك. أما في مرضه فعن عائشة قالت: "إن رسول الله صلي الله عليه وسلم كثرت أسقامه وكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه". وعن أبي هريرة قال: جئ برجل من الأنصار يوم أحد فدعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم طبيبين كانا في المدينة فقال: "عالجاه" وفي رواية فقال: يا رسول الله وهل في الطب خير؟ قال: نعم. وعن سعد بن أبي وقاص: أنه مرض بمكة فعاده النبي صلي الله عليه وسلم فقال: "ادعوا له طبيباً". فكان النبي صلي الله عليه وسلم يحث علي التداوي فعن أسامة بن شريك قال: كنت عند رسول الله صلي الله عليه وسلم وجاءت الأعراف فقالوا: يا رسول الله أنتداوي؟ قال: "نعم عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد وهو الهرم" وعن أبي هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "الذي أنزل الداء أنزل الدواء" وينسب إلي الإمام الشافعي قوله: "لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب". والأحاديث في هذا الباب كثيرة. فالإسلام يدعو إلي التطبب وإن تركنا أنفسنا بدون تداو نأثم: "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة" "البقرة: 195". فالصحة تعتبر من كمالات الخلق ومقومات حياته لذا فإن الله سبحانه وتعالي يسر للإنسان هذه الصناعة وسهلها له لتستقيم حياته ويؤدي عبادته بشكل يسير والظاهر من استقراء ما ورد في باب الطب النبوي أن وصف النبي صلي الله عليه وسلم للدواء لم يكن دوماً من باب التشريع الملزم ولكنه في أحيان كثيرة من باب الاجتهاد. وهذا لا يعني أن نستغني عن الطب النبوي ونترك كل ما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم من وصفات وتوجيهات صعبة فعلها النبي صلي الله عليه وسلم كما ذهب إلي ذلك طائفة من الكتاب وغيرهم من الملحدين الذين شبهوا الطب النبوي بطب العجائز أو طب البادية الذي يعتمد علي تجارب قاصرة. فهناك دون ريب أدوية وتوجيهات نبوية لا غني عنها أبداً مما صرح النبي صلي الله عليه وسلم بنفعه وحث عليه ومن ذلك الرقية والعسل والحبة السوداء والسواك والحجامة وغيرها كثر وكان علاج النبي صلي الله عليه وسلم للأمراض علي ثلاثة أنواع وهذا ما سنتناوله في العدد القادم إن شاء الله تعالي.