يقول الحق "سبحانه وتعالي" : ¢وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّي سَعَي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ¢ "سورة البقرة : 204 - 206" . إن هذه الآيات الكريمة ترسم صورة واقعية واضحة لحال بعض من ضلّوا وأضلّوا عن سواء السبيل . فالقول قول معسول يحوي سُمًا قاتلا . فهم كما وصف الحق سبحانه وتعالي المنافقين ¢وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ¢ "المنافقون : 4" . لأنهم يمتلكون ناصية البيان ومعسول الكلام . لكنهم يبطنون خلاف ما يظهرون ¢وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ¢ . وهو ما يعده القرآن الكريم نفاقا صراحا جزاء أهله كما قال الحق سبحانه وتعالي: ¢إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا¢ "النساء : 145". غير أن بعض من يريدون السلطة بأي ثمن حتي لو كان بالمتاجرة بالدين يعدون ذلك تقية مطلوبة وهي في الواقع تقية مذمومة ومخادعة مرفوضة. وفي قوله تعالي: ¢وَإِذَا تَوَلَّي سَعَي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ¢ تصوير لحال تلك الفئة الباغية الآثمة التي لم تكتف بسفك الدم البريء . فأتبعته بإهلاك الحرث والعمل علي قطع الأرزاق . سواء بالتعرض للسياح والاعتداء عليهم وتهديدهم بحيث لا يرقبون فيهم عهدا ولا أمانا ولا ذمة . إما بالعمل علي تعطيل بنية الاقتصاد وتعطيل المرافق الهامة التي لا غني للناس في حياتهم عنها كالماء والكهرباء . وكأنهم أبوا إلا أن يستوفوا شروط الجزاء المترتب علي إهلاك الحرث والنسل . فضموا إلي ذلك كله الاستكبار عن قبول النصيحة والعزة بالإثم واتخاذ المكابرة التي أهلكت إبليس مسلكا ومنهجا ¢ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ¢. وفي سبيل إقناع الشباب المُضلَّل المغرَّر به لجأت تلك الجماعات الإرهابية إلي التضليل والتكفير. تكفيرا لا أساس له من الدين . فهو لا يقوم علي أساس ديني أو سند فقهي أو علمي . إنما هو تكفير سياسي تجاوز تكفير الخصوم إلي تكفير الجيش والشرطة. ثم إلي تكفير المخالفين في الرأي أو المسلك . ليتخذوا من هذا التكفير وسيلة لاستباحة الدم والمال. متناسين أو متجاهلين أن الإسلام لم يشدد علي شيء مثل تشديده علي خطورة التكفير وحرمة الدم . فيقول نبينا " صلي الله عليه وسلم" : ¢أَيُّمَا امْرِئي قَالَ لأَخِيهِ : يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا . إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ¢ "صحيح مسلم" . وفي حرمة الدم يقول الحق سبحانه وتعالي: ¢ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسي أَوْ فَسَادي فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ¢ "المائدة: 32". وقد نظر نبينا "صلي الله عليه وسلم" إلي الكعبة فقال: ¢ما أعظمَك وأعظم حرمتك عند الله عز وجل ولكن دمَ المسلم أعظمُ عند الله منك¢ . ولما رأي امرأة مقتولة في المعركة قال "صلي الله عليه وسلم" : ¢مَنْ قتلها ما كانت هذه لِتُقاتل¢. ولما مرّت عليه جنازة يهودي وقف لها. فقيل يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال "صلي الله عليه وسلم" : ¢أليستْ نفسا¢ تقديرا منه "صلي الله عليه وسلم" لحرمة النفس الإنسانية . فما أحوجنا إلي أمرين: إنزال العقاب الرادع بمن يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل. تطبيقا لقوله تعالي: ¢ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافي أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيى فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابى عَظِيمى ¢ "المائدة : 33". العمل المشترك علي حماية المجتمع وبخاصة الشباب والنشء من كل الأفكار الضالة والهدامة والمخربة. وتحصينهم بالفكر الإسلامي الصحيح. من خلال التربية الأسرية الصحيحة. والانتشار الدعوي. وتكثيف القوافل والدروس والندوات لعلماء الأزهر والأوقاف وهو ما نعمل عليه. وهناك دور كبير لوزارة الشباب في منتدياتها الشبابية. ووزارة التربية والتعليم بأن تقوم بتدريس مادة التربية الدينية تدريسا حقيقيا علي أيدي المتخصصين ممن يؤمنون بسماحة الأديان إيمانا حقيقيا . ويعرفون للوطن حقه وللدم حرمته . وكذلك لا يمكن أن نهمل دور الإعلام الوطني مرئيا ومسموعا ومقروءا في ذلك . مع ضرورة أن تتضامن كل قوي المجتمع وتبذل المزيد من الجهد . لأن أهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق. وكما قال بعض أهل العلم: إذا قصّر أصحابُ الحق في حقهم تمسّك أصحابُ الباطل بباطلهم. وفي النهاية لابد للحق أن ينتصر . وللظلام أن ينقشع . وصدق الحق سبحانه وتعالي إذ يقول في محكم التنزيل: ¢ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقى ¢ " الأنبياء : 18" . ويقول عز وجل : ¢ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ¢ "الرعد : 17" . ويقول سبحانه: ¢ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ¢ "المائدة : 100".