يؤكد الدكتور محمد عوامة أستاذ. ورئيس قسم الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية علي ضرورة وجود حصانة للعلماء والدعاة فهم ورثة الأنبياء. وهم الصف الأول في المجتمع. وحصانتهم يجب أن تكون مقدمة علي حصانة أعضاء البرلمانات في بلادنا العربية والإسلامية. ويجب ألا يقل راتب العالم أو الداعية عن راتب أكبر موظف رسمي في الدولة. وأضاف عوامة في حواره مع عقيدتي خلال زيارته الأخيرة للقاهرة أن الخوف الغربي من الإسلام غير مبرر علي الإطلاق ولكن للأسف الشديد هذا التربص بالإسلام والمسلمين تقف وراءه أصابع خفية تعادي الإسلام في ذاته. بالإضافة إلي سلوكيات بعض المسلمين الخاطئة التي تؤدي إلي تشويه صورة الإسلام في الداخل والخارج. مشدداً علي حاجة الأمة الإسلامية إلي حوار إسلامي إسلامي. وحوار عربي عربي ليكون بوابة العبور الصحيحة للحوار مع الآخر مطالبا بضرورة تسيير قاطرة إصلاح المجتمعات الإسلامية دون توقف في كل مجالات الحياة.لأن هذا الإصلاح المطلوب هو الضمانة الوحيدة لإخراج الأمة الإسلامية من مأزقها الحضاري الحالي. أوضح عوامة أن الذين يحاولون اليوم التشكيك في كتب الحديث وخاصة كتاب الإمام البخاري دخلاء علي الإسلام ويسعون للطعن فيه دون جدوي . متحدياً أن يأتي أحد بحديث واحد ضعيف في صحيح البخاري ومستعد للرد عليهم بالحجة والبرهان. وأكد أن القرآنيين فئة مارقة تسعي لتخريب ثوابت الإسلام مع سبق الإصرار والترصد و يريدون هدم الإسلام وضربه في مقتل من خلال التنكر للسنة النبوية وتشكيك المسلمين في صحتها وكونها المصدر الثاني للتشريع في الإسلام. حصانة واجبة * يتعرض الدعاة في الفترة الاخيرة لانتقادات عديدة بسبب اختلاف رؤاهم ووجهات نظرهم فكيف تري هذا الامر؟ * * لابد من حماية رجال الدعوة الإسلامية الذين يعانون من هجمة شرسة وهناك نقطة جوهرية يجب وضعها في الاعتبار وهي وجود حصانة العلماء والدعاة ويعد ذلك أمرا واجبا. فهم ورثة الأنبياء. وهم الصف الأول في المجتمع بنص حديث الرسول صلي الله عليه وسلم كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ¢العلماء ورثة الأنبياء¢ وهم مصابيح الهدي يدعون إلي الله تعالي بالحكمة والموعظة الحسنة سائرين علي النهج الرباني الذي أنزله الله تعالي علي رسوله صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي ¢ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن¢. ولابد أن يعي الجميع أن الداعية يخضع لرقابة الله تعالي في أدائه لرسالته في مجال التوعية الدينية. ويعلم أنه سيحاسب عليها يوم القيامة. وهو ما يتطلب مراعاة أقصي درجات الحذر والحساب الدقيق لكل ما يصدر عنه من أقوال وتصرفات كداعية يعد قدوة ومثلاً للسلوك الحميد المنضبط. وإن عمله ليس مقصوراً علي ساحة المسجد فقط مكاناً ومسئولية. بل إن رسالة المسجد كبيت من بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه أوسع وأشمل. فهو مركز إشعاع ديني وروحي واجتماعي وتعليمي وثقافي يخدم الموقع الذي أقيم فيه. التحدي الأخطر * تواجه الأمة الإسلامية تحديات كبيرة في الوقت الحاضر داخلياً وخارجياً فكيف يمكن مواجهة تلك التحديات من وجهة نظرك؟ * * التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية متعددة. منها تحديات سياسية وتحديات عسكرية واقتصادية واجتماعية. وهناك تحدي الغزو الفكري. وكلها تدخل تحت نطاق العولمة. وهذه التحديات لابد أن تواجه بيقظة ونشاط سياسي واقتصادي واجتماعي. ولا بد أن تقوم كل دولة من الدول الإسلامية بمهمة قوية وبدور فاعل في العمل والإنتاج والتقدم العلمي ومواجهة التحدي الحضاري. ولا يتأتي هذا إلا بتكامل الدول الإسلامية وتكامل جميع الدوائر العلمية. وهذا يحتاج إلي وحدة الأمة الإسلامية. حتي يتحقق التكامل السياسي والاقتصادي والتربوي في كل مناحي الحياة ومجالاتها. * هناك تحد أخطر وهو تعمد تشويه صورة الإسلام والمسلمين خاصة في الخارج فكيف يمكن تجاوز ومواجهة هذا التحدي؟ * * الصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين في الخارج ناتجة إما عن ضعف بعض المسلمين وبعض الذين ينتمون إلي الإسلام زورا وبهتانا وكذلك بعض الذين أساءوا بتصرفاتهم الإرهابية. لكن الآخر جهل معاني الإسلام فرماه بما رماه به. بالإضافة إلي سوء النية من الآخر تجاه الإسلام والمسلمين. ولو نظر هؤلاء للإسلام لوجدوه دين السماحة واليسر والرحمة. وانه الدين الذي قال الله تعالي فيه لرسوله. صلي الله عليه وسلم: ¢وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين¢ وهذا يدل دلالة قاطعة ويحمل البراهين الساطعة علي أن الإسلام دين عالمي. وان دعوته هي السماحة والرحمة للعالمين. خوف غير مبرر * ولماذا كل هذا الخوف الغربي من الإسلام وهل هو مبرر؟ * * من المفترض أن يحدث العكس. لأنه لا يصح وليس من المعقول أن يخاف أحد من الإسلام. ففي ظل الحكم الإسلامي يأمن الفرد والمجتمع والأسرة. ولا خوف علي سكان العالم أبدا من انتشار التعاليم الإسلامية. فبالعكس الإسلام دين الرحمة ولقد خاطب الله رسوله بقوله: ¢ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين¢ فهو دين الرحمة ودين السماحة. والدين الذي يحترم حقوق الإنسان. ويحترم غير المسلمين ويقر بحقوقهم. ويقرر حق الإنسان أيا كانت عقيدته. ولذلك يقول تعالي: ¢ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين¢ فلا خوف من أن يسود الحكم الإسلامي. لأن في ظله يأمن الأفراد والمجتمعات والأمم والشعوب.وهذا الخوف الغربي من الإسلام غير مبرر علي الإطلاق ولكن للأسف الشديد هذا التربص بالإسلام والمسلمين تقف وراءه أصابع خفية تعادي الإسلام في ذاته. بالإضافة إلي سلوكيات بعض المسلمين الخاطئة التي تؤدي إلي تشويه صورة الإسلام في الداخل والخارج. * ولكن كيف يمكن التصدي لهذه الأصابع وتصحيح صورة الإسلام أمام الشعوب الغربية وهل لا يزال للحوار دور فعال في هذا الإطار؟ * * تصحيح صورة الإسلام تكون باتباع أسلوب الحوار الموضوعي الذي يستند إلي قواعد وأصول. والحوار مع الآخر يستوجب بيان حقائق الإسلام الناصعة ومنهجه الواضح. بأن تنشط وسائل الدعوة ومراكز الإسلام والجامعات الإسلامية والإعلام الإسلامي. بحيث يبث تعاليم الإسلام الصحيحة. ويعرف الناس بعظمة هذا الدين وبما يشتمل عليه من رحمة وتسامح وعدل وحرية. وتجديد الحوار يحتاج إلي تكافؤ الفرص بين الطرفين. وإلي حوار إسلامي - إسلامي. وحوار عربي - عربي أولا. ثم ننتقل به للحوار مع الآخر ليكون له جدوي. قاطرة الإصلاح الإسلامي * كيف تنظر إلي دعوات ضرورة إصلاح المجتمعات الإسلامية التي تنطلق من وقت لآخر في الداخل الإسلامي فكيف تنظرون إلي هذه الدعوات؟ * * يجب أن تسير قاطرة إصلاح المجتمعات الإسلامية دون توقف في كل مجالات الحياة.لأن هذا الإصلاح المطلوب هو الضمانة الوحيدة لإخراج الأمة الإسلامية من مأزقها الحضاري الحالي والانطلاق نحو التقدم والرقي. ولكن لا بد أن يكون الإصلاح نابعا من الداخل وليس مفروضا من الخارج. وان يحقق مصالحنا نحن والا يكون المستهدف منه تحقيق مصالح قوي معينة أو فرض هيمنتها علي المسلمين. فثقافة أمتنا الإسلامية قائمة علي ثوابت محكمة وأصول ربانية. لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. فعلي هدي كتاب الله تعالي وهدي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم قامت أعرق ثقافة في الوجود. وحين نتمسك بهذه الأصول وتلك الثوابت لن نضل ولن نخزي. كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ¢تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي¢. ومن ينابيع هذه الثقافة تدفقت روافد حضارية وانطلقت إلي دنيا الناس. فبعثت فيها الحياة والنماء والازدهار. وفي فترة من فترات الزمن. استطاع أعداء أمتنا أن يتعرفوا علي سر قوتنا. منتهزين فترة الضعف والخمول والفرقة والخلاف. فنهضوا في محاولة شغل الأمة عن ثوابتها وعقيدتها ودينها. لأنهم أيقنوا أنه لا قرار لهم ولا قوة في ظل هذه الثقافة. التي لا تستمد قوتها من البشر أو الأرض بل تستمدها من الهدي السماوي والكتاب الإلهي الذي يهدي للتي هي أقوم. والذي يدعو إلي الاعتصام بحبل الله. التشكيك في السنة * السنة النبوية تتعرض من وقت لآخر للهجوم والتشكيك فيها من الداخل والخارج. وخاصة علي كتب السنة والبخاري خاصة فكيف نواجه هذا الهجوم؟ * * هذه الهجمات قديمة. وقام بها كثير من المستشرقين وأعداء الإسلام ومن نهج نهجهم. ولكنها هجمات لا قيمة لها. لأن الله الذي تكفل بحفظ القرآن الكريم كما ورد في قوله تعالي: ¢إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون¢. تكفل أيضا بحفظ كل حديث صحيح وصادق من السنة النبوية. وهذا أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالي: ¢إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه¢. فقد تكفل الله عز وجل بحفظ كل صحيح من السنة النبوية. فالسنة بمثابة كيان قوي ثابت الأركان غير قابل للتشكيك ورغم تعدد أوجه الطعن فيها علي مدي التاريخ الإسلامي الطويل إلا أن هذا لم ينل من مكانتها ومنزلتها في نفوس المسلمين باعتبارها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وقد ساهم بشكل كبير جدا في صياغة الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالكثير من مسائل العبادات والمعاملات والتي تمثل محور حياة الإنسان في كل زمان ومكان. والسنة النبوية منذ فجر التاريخ الإسلامي لاقت عناية واهتمام العلماء والباحثين فقد كانت تمثل موضوعا جوهريا لمئات وعشرات الأبحاث والدراسات التي ساهمت في تنقيتها وتصحيحها وبيان الضعيف منها والقوي الدلالة حتي وصلت إلينا في صورة علم متكامل الأجزاء والأركان يصل إلي درجة اليقين. ومن ثم فان الأساس الذي يستند إليه هؤلاء المغرضون الذين يتمسحون بالقرآن وهو بريء منهم أساس باطل ومردود عليه ولا صحة له علي الإطلاق. والذين يحاولون اليوم التشكيك في كتاب الحديث وخاصة كتاب الإمام البخاري فهؤلاء دخلاء علي الإسلام ويسعون للطعن فيه دون جدوي .وإنني أتحدي أن يأتي أحد بحديث واحد ضعيف في صحيح البخاري ومستعد للرد عليهم بالحجة والبرهان. فئة مارقة * هذا يسحبنا للحديث عن مجموعة القرآنيين الذين يدعون التمسك بالقرآن الكريم والاكتفاء به دون الاستناد للسنة النبوية فما توصيفك لهذه الفئة؟ * * القرآنيون فئة مارقة تسعي لتخريب ثوابت الإسلام مع سبق الإصرار والترصد.فهم يدعون أن القرآن الكريم كاف بتعاليمه. ولا حاجة للسنة النبوية ونسوا أنهم بهذا خالفوا القرآن الكريم نفسه لأنه يقول: ¢وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا¢.فإذا كانوا يتمسكون بالقرآن الكريم كما يدعون فلماذا أسقطوا من ذاكرتهم المشوهة هذه الآية الكريمة .فهؤلاء ليسوا قرآنيين كما يزعمون وإنما يريدون هدم الإسلام وضربه في مقتل من خلال التنكر للسنة النبوية وتشكيك المسلمين في صحتها وكونها المصدر الثاني للتشريع في الإسلام. * الإنسان المعاصر هو محور الواقع الحالي فهل يتم التعامل مع احتياجاته بالتراث الفقهي فقط أم أن تطبيق فقه الواقع بات ضرورة وكيف اهتم الإسلام بالإنسان نفسه ؟ * * الربط بين فقه الواقع والتراث الإسلامي أصبح أمرا ضروريا لمواجهة متغيرات العصر ومستجداته. وإن الله خلق الكون وفيه مقومات الإنسان ثم خلق الإنسان وحدد رسالته في الكون في قوله تعالي: ¢وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون¢ . والإسلام اهتم بالإنسان فصاغ حركته علي الأرض عبر وسائل واقعية ترعي طبيعة الإنسان ومتطلباته وغاياته. وقد شاءت إرادة الله عز وجل أن تتضمن النفس البشرية جوانب الخير والشر. فعلي الرغم من قوة العقل وإرادة الخير. فالإنسان كائن ضعيف قد تغلبه شهوات نفسه ورغباتها. فتعميه عن الحقيقة وتؤدي به إلي الخروج من النهج الذي أراده الله الذي يحقق فيه الانسجام مع القوانين التي خلقها الله فيسيء بجهله إليها وبالتالي إلي نفسه. ولكن الشريعة الإسلامية ستبقي دائماً عاصمة للإنسان من اتباع الهوي. * أنت من المهتمين بالحديث المستمر عن البيت المسلم وتحقيق السعادة به . فهل هناك خطوات أو ملامح لتحقيق صورة البيت المسلم بالشكل المطلوب؟ * * هذه القضية قمت بتدريسها من ناحيتها الشرعية والفقهية بالجامعات لأكثر من 15 مرة متتالية . وأري أن من يرغب في الوصول إلي البيت المسلم السعيد لابد أن يتبع عدة خطوات في مقدمتها القراءة الواعية لفقه الأسرة والزواج . والاجتهاد في تطبيق ذلك علي الحياة العملية حتي يصبح هذا الدور فعالا . ولعلاج المشكلات الأسرية في بيوتنا يكمن في خطوات ثلاث هي : استشعار الألم الناتج عن المشكلات . والأمل في العلاج والتغير إلي الأفضل . وضرورة وضع برنامج علاجي للمشكلة . لأن الأسرة هي النواة الأساسية لبناء المجتمع. وهذا هو الأمر الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا دائماً. الإجماع الفقهي * أنت من الرافضين لحجية الإجماع في المسائل الفقهية فكيف بنيت رأيك هذا الذي قد يكون مخالفاً لكثير من آراء العلماء؟ * * بالفعل أنا أري أن الإجماع ليس حجة ولا دليلا من أدلة التشريع. بل إن الإجماع فكرة تجريدية نظرية لا علاقة لها بالواقع الفقهي . وقد قرأت عن الإجماع كثيراً ظللت أتنقل فيها بين كتب الأصول. وتبين لي أن نظرية الإجماع كلها تحتاج إلي إعادة صياغة علي مستوي الفكرة والشروط وغير ذلك. وأن جميع ما كتب حولها لا يعدو أن يكون نظرية تجريدية لا علاقة لها بالواقع العملي الذي قدمه الصحابة رضوان الله عليهم. خاصة وأن الإجماع حسب تعريف الأصوليين: ¢اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلي الله عليه وسلم في عصر من العصور بعد وفاته علي حكم شرعي¢. معني ذلك أنه لابد من حدوث اتفاق بين جميع المجتهدين. وإذا لم يحدث اتفاق بأن خالف ولو واحد منهم فلا يتحقق الإجماع . كما أن الأمر مقصور علي المجتهدين فلا دخل لغيرهم .ولذلك فإن الأفضل من حجية الإجماع هو اتباع نصوص القرآن والسنة خاصة أن حجية الإجماع التي تعارف عليها المسلمون منذ عهد الإمام الشافعي نفسه مبتكر علم أصول الفقه اختلف فيها الأصوليون أنفسهم.