في توقيت بالغ الحساسية، تتقاطع فيه ملفات الأمن القومي مع موجة خصخصة غير مسبوقة، كشف رجل الأعمال نجيب ساويرس عن رغبته في إدارة وتشغيل ثلاثة مطارات مصرية، في مقدمتها مطار الغردقة الدولي، ضمن تحالف يضم شركتين أجنبيتين من بريطانيا وفرنسا، وذلك بالتزامن مع شروع حكومة المنقلب السيسي في تنفيذ خطة طرح المطارات أمام القطاع الخاص. التصريحات، التي أدلى بها ساويرس خلال مؤتمر تنافسية الاقتصاد المصري، لم تقتصر على إبداء الاهتمام بقطاع الطيران، بل جاءت مقرونة بانتقادات حادة لآليات طرح أصول الدولة، لا سيما في مناطق وسط القاهرة وعلى ضفاف النيل، معتبراً أن الحكومة تبالغ في التسعير وتتباطأ في الطرح، بما يؤدي إلى فشل عدد من الصفقات. غير أن ما يثير الجدل الحقيقي لا يتعلق فقط بانتقادات ساويرس أو طموحاته الاستثمارية، بل بالسياق السياسي والأمني المحيط بشخصه وتحركاته الأخيرة، وعلى رأسها زيارته العلنية إلى إسرائيل ولقائه برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في وقت تشهد فيه المنطقة حرباً مفتوحة على غزة، وتزداد فيه حساسية أي ارتباطات اقتصادية أو أمنية مع دولة الاحتلال. وتتجاوز علامات الاستفهام حدود الاستثمار التقليدي، خاصة مع تسريبات وتقارير إسرائيلية سابقة تحدثت عن طرح اسم نجيب ساويرس ضمن تصورات غير رسمية لإدارة أو المشاركة في ترتيبات "اليوم التالي" في قطاع غزة، وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل يمكن فصل اندفاع ساويرس نحو السيطرة على المطارات عن شبكة مصالح إقليمية ودولية أوسع؟
المطارات… استثمار أم سيطرة سيادية؟ تُعد المطارات من أكثر المرافق ارتباطاً بالأمن القومي، إذ تمثل بوابات سيادية تتحكم في حركة الأفراد والبضائع والمجال الجوي، ولا تندرج عادة ضمن الأصول التجارية العادية التي يمكن إخضاعها لمنطق الربح والخسارة فقط. ومن هذا المنطلق، يثير طرح مطارات مصر أمام تحالفات تضم شركات أجنبية، ورجال أعمال ذوي علاقات معلنة مع إسرائيل والولايات المتحدة، مخاوف حقيقية بشأن السيادة الوطنية، وحدود ما يمكن التفريط فيه تحت شعار "جذب الاستثمار". ويزداد القلق مع ارتباط اسم ساويرس، سياسياً واقتصادياً، بمحور إقليمي تقوده أبوظبي، التي باتت تلعب دوراً مركزياً في إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب، سواء في الموانئ أو الطاقة أو الممرات اللوجستية.
خصخصة بلا نقاش عام الأخطر في المشهد أن هذه التحركات تجري في ظل غياب أي نقاش مجتمعي أو برلماني حقيقي حول حدود الخصخصة، أو تعريف واضح لما يُعد "أصلاً استراتيجياً" لا يجوز المساس به، وهو ما يعكس نمطاً متكرراً في إدارة الدولة لملفات سيادية بمعزل عن الرأي العام. وفي المحصلة، لا تبدو مسألة اهتمام نجيب ساويرس بإدارة المطارات مجرد صفقة استثمارية عابرة، بل حلقة جديدة في مسار أوسع لإعادة توزيع مفاصل الدولة المصرية، يختلط فيه رأس المال بالسياسة، وتُختبر فيه حدود الأمن القومي تحت ضغط الديون، وشروط الخارج، وتحالفات الإقليم. ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ما زالت مطارات مصر شأناً سيادياً خالصاً، أم أنها باتت مجرد أصول قابلة للتدويل وإعادة التوظيف في خرائط النفوذ الجديدة؟